1510
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل التاسع والسبعون
النصرانية بين الجاهليين
وتحاول مؤلفات رجال الكنائس رد ذلك التاريخ الى الأيام الأولى من التأريخ النصراني، غير اننا لا نستطيع اقرارهم على ذلك، لأن حججهم في ذلك غير كافية للاقناع. ولذلك، فليس من الممكن تثبيت تأريخ لانتشارها في هذه الأماكن في الزمن الحاضر، وليس لنا إلا التفتيش عن أقدم الوثاثق المكتوبة للوقوف عليها بوجه لا يقبل الشك ولا التأويل. ونحن أمام بحث علمي، يجب ان تكون العاطفة بعيدة عنه كل البعد.
واذا كانت اليهودية قد دخلت جزيرة العرب بالهجرة والتجارة، فإن دخول النصرانية اليها كان بالتبشير وبدخول بعض النساك والرهبان اليها للعيش فيها بعيدين عن ملذات الدنيا، وبالتجارة،وبالرقيق ولا سيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة. أما هجرة نصرانية كهجرة يهود إلى الحجاز أو اليمن أو البحرين، فلم تحدث، ذلك لأن النصرانية انتشرت في انبراطورية الروم والساسانيين بالتدريج،ثم صارت ديانة رسمية للقياصرة والروم وللشعوب التي خضعت لهم، فلم تظلّ النصرانية أقلية هناك، لتضطر إلى الهجرة جماعة وكتلة الى بلد غريب. لذلك كان حديثنا عن نصارى العرب من حيث الأصل والأرومة، يختلف عن حديثنا عن أصل يهود اليمن أو الحجاز.
وبفضل ما كان لكثير من المبشرين من علم ومن وقوف على الطب والمنطق ووسائل الإقناع وكيفية التاثير في النفوس، تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم،أو حصلوا منهم على مساعدتهم وحمايتهم. فنسب دخول بعض سادات القبائل ممن تنصر إلى مداواة الرهبان لهم ومعالجتهم حتى تمكنوا من شفائهم مما كانوا يشكون منه من أمراض. وقد نسبوا ذلك إلى فعل المعجزات والبركات الإلهية، وذكر بعض مؤرخي الكنيسة أن بعض أولئك الرهبان القديسين شفوا بدعواتهم وببركات الربّ النساء العقيمات من مرض العقم فأولدن أولاداً، ومنهم من توسل الى الله أن يهب لهن ولداً ذكراً، فاستجاب دعوتهم، فوهب لهم ولداَ ذكراً، كما حدث ذلك لضجعم سيد الضجاعمة، اذ توسل أحد الرهبان الى الله أن يهب له ولداً ذكراً، فاستجاب له. فلما رأى ضجعم ذلك، دخل في دينه وتعمد هو وأفراد قبيلته. ومنهم من شفى بعض الملوك العرب من أمراض كانت به مثل "مارايشو عزخا" الراهب. ذكروا أنه شفى النعمان ملك الحيرة من مرض عصبي ألم به، وذلك بإخراجه الشيطان من جسده.
وفي تواريخ الكنيسة قصص عن امثال هذه المعجزات المنسوبة إلى القديسين، كالتي نسبوها إلى القديس "سمعان العمودي" "المولود نحو سنة 360 م" يذكرونها على انها كانت سبباً في هداية عدد من الأمراء وسادات القبائل إلى النصرانية،وبفضل تنصرهم دخل كثير من أتباعهم في هذا الدين. وكالتي نسبوها الى القديس "أفتميوس" الذي نصر بفضل هذه المعجزات جمعاً من الأعراب وأسكنهم في أماكن خاصة أنشأ فيها كنائس أطلق عليها في اليونانية ما معناه "المحلة" أو "المعسكر".
ولم يعبأ المبشرون بالمصاعب والمشقات التي كانوا يتعرضون لها، فدخلوا مواضع نائية في جزيرة العرب، ومنهم من رافقوا الأعراب، وعاشوا عيشتهم،وجاروهم في طراز حياتهم، فسكنوا معهم الخيام، حتى عرفوا ب "أساقفة الخيام" وب "أساقفة أهل الوبر"، وبأساقفة القبائل الشرقية المتحالفة وبأساقفة العرب البادية. وقد ذكر ان مطران "بصرى" كان يشرف على نحو عشرين أسقفاً انتشروا بين عرب حوران وعرب غسان وقد نعتوا بالنعوت الذكورة، لأنهم كانوا يعيشون في البادية مع القبائل عيشة أهل الوبر.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق