1494
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع والسبعون
اليهود والأسلام
وقد اختلف يهود جزيرة العرب عن الجاهليين في الأمور التي حرمتها شريعتهم عليهم في مثل المأكولات، كما اختلفوا عنهم في عبادتهم وفي اعتقادهم بوجود إلهَ واحد، هو "إله اسرائيل"، وفي أمور عقائدية أخرى، واختلفوا عنهم في بعض العادات والمظإهر الخارجية، فكان اليهود مثلاً يسدلون شعورهم، اًما المشركون فكانوا يفرقون رؤوسهم. ورد عن ابن عباس: "أن النبي، صلى الله م عليه وسلم، كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق النبي،صلى الله عليه وسلم،رأسه". ولا يستبعد اختلافهم عنهم في لبس بعض الملابس التي لم تكن مألوفة عند الجاهليين. وقد ظهر بين اليهود شعراء، نظموا الشعر بالعربية وعلى طريقة العرب في. نظم الشعر. منهم السموأل المشهور، و "كعب بن الأشرف" وسمّاك اليهودي، وسأتكلم عنهم في أثناء حديثي عن الشعر.
لم يسلم من يهود في ايام الرسول غير عدد قليل من المتبينين منهم. مثل: عبدالله بن سلام، ولم يتعاون معه غير عدد قليل منهم مثل يامين بن عمير بن كعب النضري، ويامين بن يامين الاسرائيلي، ومخيريق، وكان رجلاً غنياً صاحب نخيل، وهو أحد بني ثعلبة بن الفطيون، حث قومه على مساعدة الرسول ومعاونته في غزوة أحد. وكان الرسول قد طلب مساعدتهم لوجود صحيفة بينه وبينهم. فلما اعتذروا له بالسبت، خالفهم مخيريق قائلاً لهم: لا سبت لكم، وقاتل معه حتى قتل، فقال الرسول: مخيريق خير اليهود. وقد وصف بالعلم، وذكر انه كان حبراً عالماً فيهم. آمن بالرسول وجعل ماله له، وهو سبعة حوائط فجعلها الرسول صدقة.
أما عبدالله بن سلام، فكان يدعى، وهو في يهوديته، الحصين بن سلام بن الحارث. وسلام اسم والده. فلما أسلم سمّاه رسول الله "عبدالله"، وهو من بني قينقاع، أسلم والرسول في مكة لم يهاجر بعد، وذلك في رواية من الروايات. وأسلم بعد الهجرة على أكثر الروايات. ذكر انه كان شريفاً في قومه، سيداً، صاحب نسب وحسب، وانه كان حبراً عالمأَ. فلما أسلم، نبذه قومه، وتحدثوا فيه. وقد نزلت فيه بضع آيات.
أما أنه كان حبراً من الأحبار، عالماً في شريعتهم، فلا يمكن البت فيه، فقد جرت عادة أهل الأخبار على إطلاق كلمة "الحبر" على نفر ممن أسلم من يهود في أيام الرسول، كما أطلقت على نفر ممن أسلم بعده، مثل كعب الذي عرف بكعب الأحبار. ولا يمكن في نظري البت في درجات علم أمثال هؤلاء وفي مقدار فهمهم للتوراة ولكتب يهود إلا بجمع ما نسب اليهم من قول،ودراسته. عندثذ نستطيع أن نحكم على علمهم إن كان لهم علم بأحكام ديانة يهود وبالعالم وبها كان يتدارسه علماء ذلك العهد. ورأيي أن هذه الدرجات إنما منحها لهم بعض ذوي ا القلوب الطيبة من المسلمين الأولين، لما رأوه فيهم، ولما سمعوه منهم من أقوال نسبوها إلى الأنبياء والعلماء والى كتب الله القديمة، ولم يكن لهم بطبيعة الحال علم بها، لعدم وقوفهم على ما كان يتداوله الأحبار، فعجبوا من علمهم هذا، ومن إحاطتهم بأحوال الماضين، فعدّوهم أحباراً لهم في قومهم علم ورأي. وقد تساهل بعضهم في ذلك لظنه أن في منح هؤلاء أمثال هذه النعوت مما يفيد الإسلام، إذ يعني هذا تقدير أولئك الأحبار أصحاب العلم الأول له، وان تقديرهم هذا شهادة مزكية له. وقد يكون لهم نصيب أيضاً في منحهم هذه الدرجة لأنفسهم للتباهي وللتصدر بذلك بين المسلمين.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق