إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 25 يناير 2016

1492 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع والسبعون اليهود والأسلام


1492

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الفصل السابع والسبعون

اليهود والأسلام


واذا صحت نسبة هذا البيت اليه، يكون قد تعرف على يهوديين اثنين، وجدهما يجيدان الكتابة، وقد كتبا على المهارق. ولم يكن الشاعر على علم أكيد بموطنهما، فلم يدرِ اذا كانا من أهل تيماء أو من أهل مدين.

ولتعبير "مجيدين" أهمية خاصة، إذ يشير إلى تمييزه بين الكتابة الجيدة والكتابة الرديئة، والى وجود مصطلح "مجيد" عند الجاهليين، يطلقونه كما نطلقه اليوم على من يجيد الكتابة ويتقنها.

ولما كانت اللغة العبرانية لغة الدين عند العبرانيين، وبها نزل الوحي على موسى، فلا بد أن يكون لعلمائهم ورجال دينهم في جزبرة العرب علم بتلك اللغة وفقه بها. ولكن هذا لا يعني ضرورة كونهم كعلماء طبرية أو قيصرية في فلسطين أو بعض المواضع التي اشتهرت بعلمائها في التلمود"بالعراق، ولست أستبعد أن يكون لهم علم بلغة بني إرم أيضاً، لأن هذه اللغة كما نعلم كانت لغة العلم والثقافة قبل الميلاد وبعده، وبها كتبت كتب عدة من التلمودين، ثم إنها انتشرت بين سواد الناس حتى صارت لغة سواد يهود يتكلمون بها ولو برطانة وبلهجة خاصة هي اللهجة التي يمتاز بها سواد اليهود في كل قطر يعيشون فيه.

أما سواد يهود جزيرة العرب في الجاهلية: فلا أظن أنهم كانوا يتكلمون العبرانية أو لغة بني إرم، إنما أرى أنهم كانواّ يتكلمون لهجة من هذه اللهجات العربية. اًعني لهجة العرب الذين كانوا يعيشون بينهم وينزلون بين أظهرهم، ولم يرد في الأخبار ما يفيد أنهم كانوا يتحادثون بالعبرانية، بل الذي ورد أن عامتهم لم تكن تعرف تلك اللغة، وأن الخاصة منهم والمزاولين لحرفة الكتابة والسحر كانوا يعرفونها ويكتبون بها، وبها يعوذون أنفسهم وغيرهم من الناس. وكانوا يفسرون التوَراة والتلمود والكتب المقدسة لسواد الناس من العبرانية إلى العريية،لأنهم لم يكونوا يعرفون العبرانية، لا سيما وقد كان بينهم عرب متهودة. ولم يظهر في يهود جزيرة العرب من حاز على شهرة في العلم والفقه والتأليف والخطابة على نحو ما ظهر بين يهود العراق أو فلسطين أو مصر، وإلا لاشتهر أمره وذاع خبره، كما ذاع خبر علماء يهود بابل وفلسطين ومصر. ولا يمكن ان تكون عزلتهم عن بقية يهود الأقطار المذكورة سبباً كافياً في تعليل عدم شيوع اسم أحد من هؤلاء، إن قضية عزلتهم عن بقية اخوانهم في الدين، هي نفسها تحتاج إلى سند يثبت وجود تلك العزلة. فمواضعهم في أعالي الحجاز، على اتصال ببلاد الشام، وهي لا تبعد كثيراً عن مساكن اخوانهم في فلسطين. ثم انهم كانوا على اتصال مستمر بهم بالتجارة، وقد كانوا يشترون حاصل بلاد الشام من خمور وحبوب وما شاكل ذلك، وينقلونه إلى يثرب، يذهبون اليها للتعامل والاتجار، فكيف يكون يهود جزيرة العرب في معزل عن غيرهم مع وجود الأسفار والتجارة لا سيما ان احبار "طبرية" كانوا ياتون إلى يهود اليمن ليلقنوهم أمور الدين، ولا يستبعد ان يكون من بين اولئك الأحبار من ذهب إلى يهود يثرب أو خيبر أو تيماء.

فالقضية على ما يظهر، ليست قضية عزلة يهود جزيرة العرب عن بقية يهود وانفصالهم بذلك ثقافيأَ وعلمياً عن بني دينهم انفصالاً يؤثر في مستواهم الثقافي والعلمي، فيجعلهم دون غيرهم من اخوانهم في العلم والثقافة، انما يظهر ان هنالك جملة عوامل حالت دون نبوغ أحد فيهم. فيهود جزيرة العرب مهما قيل عنهم وعن رقيهم وارتفاع مستواهم عن مستوى من كان في جوارهم، لم يكونوا في ثقافتهم وفي مستواهم إلاجتماعي أرقى من الفلاحين وسكان القرى وما اليها في العراق او فلسطين أو مصر، كما ان حالتهم المادية لم تكن على مستوى عالٍ بحيث يمكن ان تقاس بالأحوال المادية التي كان عليها اليهود الآخرين في الأرضين المشار اليها، أو أصحاب تلك الأرضين من غير يهود. ثم ان عددهم مهما قيل فيه، لم يكن كبيراً. وقد رأينا ان رجالهم المحاربين لم يكونوا يتجاوزون كلهم في الحجاز كله بضعة آلاف، وفي مثل هذا العدد والظروف والأحوال لا يمكن بالطبع ان تتوفر الامكانيات المساعدة على البحث والتتبع والتعمق في العلم.

وقد عرف يهود يثرب بمعرفتهم السحر والاتقاء منه، وبعلمهم بالتعاويذ، فكان المشركون يلجؤون اليهم إذا احتاجوا إلى السحر أو اذا اعترضتهم مشكلات يرون أنها لا تحل إلا بقراءة التعاويذ عليها. وقد ذكر المفسرون أن اليهود عملوا السحر للنبى، عمله رجل اسمه "لبيد بن الأعصم" أو بناته وهو من يهود يثرب.

وقد اشير إلى سحر اليهود في الحديث.



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق