إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 25 يناير 2016

1477 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والسبعون اليهودية بين العرب


1477

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفصل السادس والسبعون

اليهودية بين العرب


وكان بين أهل مقنا وأيلة في ايام الرسول قوم من اليهود كذلك، وكذلك أهل بقية القرى الواقعة في أعالي الحجاز وعلى ساحل البحر، وقد صالحوا الرسول على الجزية، وبذلك ضمنوا لهم البقاء في هذه الأنحاء. ومن هؤلاء اليهود "بنو جنبة"، وهم يهود ب "مقنا"،و "بنو غاديا"، و"بنو عريض". وكان بالطائف قوم من اليهود طردوا من اليمن ويثرب، فجاءوا اليها ولم تكن قد أسلمت بعد، فاًقاموا بها للتجارة. فلما صالح أهل الطائف الرسول - على ان يسلموا ويقرهم على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، واشترط عليهم ألا يربوا ولا يشربوا الخمر وكانوآ أصحاب ربا - وضعت الجزية على يهودها، وبقوا فيها، ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف.

ويظهر انه لم تكن لليهود جاليات كبيرة في جنوب المدينة حتى اليمن، لعدم إشارة أهل الأخبار اليهم، وان كنت لا أستبعد وجود أفراد وأسر منهم في مكة وفي عدن وفي المدن التي اشتهرت بالتجارة كبعض موانىء البحر الأحمر وموانىء سواحل العربية الجنوبية. غير ان وجودهم في هذه المواضع، لم يكن له أثر واضح مهم، فلم يتجاوز محيط التجارة والاتجار وقد ذهب بعض المستشرقين، استناداً إلى دراسة أسماء يهود الحجاز عند ظهور الإسلام، ان اولئك اليهود لم يكونوا يهوداً حقاً، بل كانوا عرباً متهودين، تهودوا بتأثير الدعاة اليهود. ولكن الاستدلال من دراسة الأسماء على أصول الناس، لا يمكن ان يكون حجة للحكم على أصولهم وأجناسهم. فالفرس والروم والهنود وغيرهم ممن دخل في الإسلام، تسموا بأسماء عربية، وبعضها أسماء عربية خالصة. وتسمياتهم هذه لا تعني ان من تسمى بها كان عربي الأصل. ثم إن كثيراً من اليهود في الغرب وفي أمريكة وفي البلاد العربية والاسلامية، سموا أنفسهم بأسماء غير عبرانية، ولكنهم كانوا وما زالوا على دين يهود.

فالأسماء وحدها لا تكفي في اعطاء رأي علمي في تعيين الأصول والأجناس، ولا سيما في المواضع الكائنة على طرق التجارة والمواصلات وفي الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط.

وللمستشرق "ونكلر" رأي في هذا الموضوع، خلاصته: ان اولئك اليهود لو كانوا يهوداً حقأَ هاجروا من فسطين إلى هذه المواضع، لكانت حالتهم وأوضاعهم ومستواهم الاجتماعي على خلاف ما كان عليه هؤلاء اليهود. كانت حالتهم أرقى وأرفع من الحالة التي كانوا عليها، إذ لا يعقل، على رأيه، وصول جماعة إلى ذلك المستوى الاجتماعي الذي كان عليه يهود جزيرة العرب لو كانوا من بلاد مستواها الثقافي والمدني أرقى من مستوى من هو دونهم كثيراً في شؤون الحياة. ومستوى الحياة في جميع نواحيها، في فلسطين، أرقى وأرفع من مستواها في الأماكن التي وجد فيها اليهود من بلاد العرب، فهم على رأيه عرب متهودون، لا يهود مهاجرون.

غير أن هنالك من يؤاخذ ونكلر على هذا الرأي، لأن رأيه لا يمكن ان ينطبق على من ترك دياره وهاجر، واستقر في موطن جديد لأمد طويل، لأن الأوضاع المحيطة بالوطن الجديد سرعان ما تؤثر في المهاجرين، ولا سيما إذا كانوا جماعات صغيرة أو جماعات ليست ذات بأس شديد، فتجعلها تنصاع للمحيط الذي نزلت به بعض الإنصياع، فتفقد بعض خصائصها، لتكتسب خصائص المجتمع الجديد. ثم إن اليهود الذين نزلوا في الحجاز كانوا يختلفون مع ذلك عمن كان في جوارهم أو بينهم، إذ كانوا يشتغلون بالزراعة ويمتهنون بعض المهن التي يأنفها العربي الأصيل، كما أنهم كانوا لا يرغبون في القتال، ولا يميلون إلى الغزو والحروب، ولم يشتركوا إلا اضطراراً وإلا بإلحاح المصالح الضرورية فيها، وهم يختلفون في هذه الناحية من الأعراب.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق