1447
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الخامس والسبعون
الحنفاء
وزُ عم انه كان يراقب الشمس، فإذا زالت استقبل الكعبة، فصلى وسجد سجدتين، ثم يقول: هذه قبلة ابراهيم واسماعيل لا اعبد حجراً ولا اصليّ له و لا آكل ما ذبح له، ولا أستقسم بالأزلام، وانما أصليّ لهذا البيت حتى أموت. وكان يحج فيقف بعرفة، وكان يلبي، فيقول: لبيك لا شريك لك، ولا ندّ لك. ثم يدفع من عرفة ماشياً، وهو يقول: لبيك متعبداً مرقوقاً.
ويروي أهل الأخبار أقوالاً اخرى لزيد، كما رووا له أشعاراً زعموا أنه قالها، وهي في هذه الأمور التي ينسبونها إلى الأحناف من ذكر لديانة ابراهيم وللتوحيد ومن ذمّ إلى الأصنام ومن اصلاح لحال مجتمع ذلك اليوم. كما رووا له أبياتاً من شعر زعموا أنه نظمه يعاتب فيه زوجته "صفية بنت الحضرمي"، لأنها كانت تمانع في خروجه عن مكة وفي سفره إلى الخارج التماساً لهذا الدين. وتفيد رواية من روايات اهل الأخبلر بأن "زيد بن عمرو بن نفيل"، كان في جملة من اشترك في "حرب الفجار"، تقول إنه كان على رأس "بني عدي" وذلك في يوم شمطة.
وروي أن رسول الله سئل عن "زيد بن عمرو"، فقال: "يبعث أمة وحده يوم القيامة". بل روي أنه ترحم عليه، وأنه قال: "رأيته في الجنة يسحب ذيولأ"
وينسب اهل الأخبار لزيد شعراً،هومن هذا الشعر الذي ينسبونه إلى الأحناف، في الطابع الديني، من بحث عن توحيد، وحث على عبادة إلهَ واحد، واقرار بحساب وكتاب. وأمثال ذلك. وقد نسب بعض منه إلى "أمية بن أبي الصلت"، ونسب بعض منه إلى شعراء آخرين. كما ان الرواة يروون هذا الشعر بقراءات مختلفة.
ومن ولد زيد رجل كان له سبق وقدم في الإسلام، هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. كان من السابقين الأولين ومن المهاجرين،شهد المشاهد والأحداث المهمة، إلا بدراً، فإنه لم يكن حاضراً بالمدينة إذ ذاك. وهو أحد العشرة المبشرة. ذكر انه أسلم قبل دخول رسول الله دار الأرقم. ولا بد ان يكون لرأي والده في دين قومه وما أبداه من ثورة صريحة جامحة على عقائدهم أثر في نشوء هذا الابن وفي اقدامه مع السابقين على الدخول في الإسلام، بعد ان كان والده قد سبق إسلامه برحيله إلى الاخرة بسنين. وأمه "فاطمة بنت بعجة بن أمية بن خويلد بن خالد بن اليعمر" من خزاعة. ولسعيد أخت اسمها عاتكة بنت زيد.
وذكر "ابن هشام" ان زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، اتفقوا في الرأي والعقيدة، وتعاهدوا على نبذ عبادة قومهم وم ما كانوا عليه من ضلال، وتصادقوا، وكوّنوا عصبة خرجت على عبادة قريش، فلم يشتركوا معهم في أعيادهم،ولم يشاركوهم في عبادتهم، وظلوا حتى ماتوا عن عبادة قومهم صابئين.
أما عبيد الله بن جحش بن رئاب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فقد بقي مرتاباً في دين قومه، بعيداً عنهم وعن عبادتهم، حتى اذا ظهر الإسلام دخل فيه، ثم هاجر مع من هاجر إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيية بنت أبي سفيان، وكانت مسلمة كذلك. فلما صار في الحبشة، فارق الإسلام وتنصر، وهلك هناك.
وأما عثمان بن الحويرث، فقد بقي مغاضباً قومه في دينهم، ثم رأى الذهاب إلى الروم، فذهب اليهم، وتقرب إلى قيصر، وحسنت منزلته عنده ومنحه لقب "بطريق"، وأراد تنصيبه ملكاً على مكة، ولكن قومه أبوا ذلك، فلم يتمّ له مراده، ومات بالشأم مسمومأَ، سمهّ عمرو بن جفنة الغساني.
وذكر "الزبيري"، أن والدة "عثمان بن الحويرث"، هي تماضر بنت عمير بن أهيب بن حذافة بن جمح". وأنه خرج إلى "قيصر فسأله أن يملكه على قريش، وقال: أحملهم على دينك، فيدخلون في طاعتك، ففعل. وكتب له عهداً وختمه بالذهب، فهابت قريش قيصر، وهموا ان يدينوا له، ثم قام الأسود بن المطلب أبو زمعة، فصاح، والناس في الطواف: إن قريش لقاح، لا تملك ولا تملك. فاتسعت قريش على كلامه، ومنعوا عثمان مما جاء له، فمات عند ابن جفنة، فاتهمت بنو أسد ابن جفنة بقتله". وَكان ابن جفنة حبس أبا ذئب عنده، وأبا أحيحة بسبب عثمان بن الحويرث. ويقصدون بابن جفنة: عمرو بن جفنة الغساني.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق