1426
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث والسبعون
بيوت العبادة
سدنة الآلهة
ولبيوت العبادة سدََنة وحجبة وخدم، يقومون كلهم بخدمة البيت وما فيه من أصنام. ويعبر في عربيتنا عن الذي يتولى أمر الصنم ب "السادن" و "سادن الصنم".
وهو المسؤول عن الصنم أو الأصنام، ومتولي أمرها. وهو المرجع الأعلى في سلسلة الرتب بالنسبة إلى المعابد. ويعبر عنه بلفظة "شوع" في المعينية، وبلفظة أخرى هي "رشو".وأما إذا كان السادن امرأة، فيقال لها "رشوت" "رشوة" عندئذ.
ويقال لسادن الآلهة "افكل" "أفكل" في اللحيانية. جاء "افكل لت" "أفكل لات" أي "سادن اللات". وتقابل هذه اللفظة لفظة "ابكلو" Apkallu في اللغة الأكادية.
وتعد السدانة من المنازل الدينية والاجتماعية الرفيعة عند الجاهليين. وبيد السادن في العادة مفتاح بيت الصنم أو الأصنام. وتكون وراثية في الأغلب تتنقل في أفراد العائلة من الأب الى ابنه الأكبر أو إلى غيره من البارزين في الأسرة. وهي منزلة شرف، تكسب صاحبها جاهاً، كما تكسبه مالاً، لما تأتي به اليه من حبوس ونذور وقرابين. لذلك صارت سبباً لوقوع خصومات بين الأسر، من أجل الاستحواذ عليها، كالذي حدث مراراً في مكة من أجل الحصول على مفاتيح البيت.
وسدنة الأصنام في الجاهلية قومتها وحجابها، وكانت السدانة واللواء بمكة لبني عبد الدار في الجاهلية، فأقرها النبي لهم في الإسلام. فكان اليهم أمر مفتاح البيت.
ومن قدماء من كانت اليهم ولاية أمر البيت الحرام أي سدانته،رجل زعموا انه ولي أمر البيت بعد جرهم، ودعوه "وكيع بن سلمة بن زهير "زهر" الإيادي". جعلوه سادناً، وجعلوه كاهناً، فنسبوا اليه سجعاً من نوع سجع الكهان. ذكر انه جمع إِياداً قبيل، وفاته فنصحها وأوصاها. وزُعم انه بنى صرحاً بمكة، وجعل فيه سلماً كان يرقاه ليناجي الله. وكان الجاهليون يرون انه صدّيق من الصدًيقين، وانه ينطق بالخبر اليقين مع السماء. وذكر انه صاحب الصرح المعروف بحزورة مكة، وانه هو القائل: "اسمعوا وصيتي: الكلام كلمتان،والأمر بعد البيان. من رشد فاتبعوه، ومن غوى فارفضوه، وكل شاة معلقة برجلها". فكان أول من قال هذه الكلمة، فذهبت مثلا.
ويذكر أهل الأخبار انه لما مات وكيع، نعي على الجبال. وفيه يقول بشير بن الحجير الإيادي: ونهن إياد عـبـاد الإلـه ورهط مناجيه في سلـم
ونحن ولاة الحجاب العتيق زمان النخاع على جرهم
ويفسرون زمان النخاع بأنه داء يقال له النخاع، سلّط على جرهم، فأفنى منهم ثمانين كهلاً في ليلة واحدة، سوى الشباب. وفي هذا الداء قال بعض العرب: هلكت جرهم الكرام فعالاً وولاة البنية الحـجـاب
نخعوا ليلة ثمانين كـهـلاً وشبابا ًكفى بهم من شباب
ويظهر ان داءً كان قد تفشى في عهد غير بعيد عن الإسلام بين جرهم، فبقيت ذكراه في النفوس. ولا بد ان يكون "وكيع بن سلمة" ممن عاشوا قبيل الإسلام أيضاً، فبقيت ذكراه في أهل مكة، وإلا لما حفظت الذاكرة اسمه. وقد ذكر أهل الأخبار أحياناً أسماء الأسر التي تولت سدانة البيوت المعظمة والمحجات،كما ذكروا أسماء السدنة، ولا سيما السدنة الذين كانت اليهم سدانة تلك البيوت عند ظهور الإسلام. وهم من أسر عريقة، توارثت هذا المنصب من عهد بعيد، وحافظت عليه، وصارت بذلك من أشراف القوم.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق