إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 يناير 2016

1417 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والسبعون بيوت العبادة تكليم الأصنام


1417

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
       
الفصل الثالث والسبعون

بيوت العبادة

تكليم الأصنام

ويقوم الكهان بتكليم الصنم، وهم الذين يفسرون للسائلين الهمهمة أو الأصوات الصادرة من تلك الأصنام ويتكلمون على ألسنتها بما يلائم السائل مقابل نذر وهدايا وألطاف يقدمونها إلى السدنة. وهذا النوع من التنبؤ، معروف عند اليونان والرومان،مشهور ومعروف عند غيرهم من الأمم كالبابليين والآشوريين والعبرانيين. بل هو يؤلف جزءاً مهماً من أركان الديانات القديمة، ويطلق عليهracule في الإنكليزية من Oraculum اللاتينية، ومعناها التكلم. ولهذا النوع من التنبؤ صلة كبيرة بالسحر، Magic وبالكهانة في الديانات القديمة والديانات البدائية عند بعض الشعوب الافريقية و الاسترالية في الزمن الحاضر. وقد اكتسبت بعض معابد اليونان شهرة كبيرة في هذا النوع من التنبؤ بالغيب، وأشهرها معبد "دلفي" Delphi الذي كسب شهرة عظيمة في هذا الباب.

وقد ورد في بعض النصوص، ان قوماً كلموا آلهتهم في شهر "ذ اجبى ذ عثتر" و "ذ فرعم ذ عثتر"، فأًجابهم الإله "عثتر" على ما سألوا عليه. وورد ان جماعة من المؤمنين ب "عم"، كلموه، فأًجابهم على ما سألوا عنه. وكانوا إذا كلموا الآلهة، فوجدوا ان الأجوبة غير منسجمة مع الأسئلة، أعادوا الأسئلة عليها وقدموا قرابين جديدة لها، أو وزادوا في الحلوان،يفعلون ذلك حتى يسمعوا الجواب المناسب لأسئلتهم.

ولم أسمع بوجود تكليم في مكة. فلم يذكر أحد من أهل الأخبار أن الجاهلين كانوا يأتون الكعبة لسماع أجوبة الأصنام عن أسئلة يوجهونها اليها،ولا عن وجود سدنة كانوا يقومون بأي نوع من التكليم. وإنما ذكروا أنهم كانوا يسألون الأصنام النصح والارشاد،والأمر والنهي بفعل فعل أو تركه، ويكون ذلك بالاستقسام بالأزلام. وقد خصص الصنم "هبل" بهذا النوع من الإرشاد. وكانت عنده سبعة قداح، كل قدح منها فيه كتاب: قدح فيه العقل، اذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم، ضربوا بالقداح السبعة عليهم، فإن خرج العقل، فعلى من خرج حمله. وقدح فيه "نعم" للأمر،إذا أرادوه يضرب به في القداح، فإن خرج قدح فيه نعم، عملوا به. وقدح فيه "لا"، فإذا أرادوا الأمر ضربوا به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح، لم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فيه "منكم"، وقدح فيه "ملصق"، وقدح فيه "من غيركم"، وقدح فيه "المياه"، فإذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح، وفيها ذلك القدح، فحيثما خرج به، عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاماً أو ينكحوا منكحاً أو يدفنوا ميتاً أو شكوا في نسب أحدهم،ذهبوا به إلى هبل وبمئة درهم و جزور،فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون،ثم قالوا: يا إلهنا فلان، أردنا به كذا. وكذا، فأخرج الحق فيه. ثم يقولون لصاحب القداح: إضرب،فإن خرج عليه "منكم" كان منهم وسيطاً، وإن خرج عليه من "غيركم" كان حليفاً، وإن خرج عليه "ملصق"، كان ملصقاً على منزلته فيهم لا نسب له ولا حليف، وإن خرج شيء مما سوى هذا مما يعملون به "نعم" عملوا به، وإن خرج "لا" أخروه عامه ذلك، حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في أمرهم ذلك إلى ما خرجت به القداح.

وهكذا كانت قريش والقبائل التي تحج إلى مكة تأتي إلى هبل لاستشارته في قضايا تهمها، فما يخرج في القدح مما هو مكتوب، يكون الجواب. غير أن بعض الأجوبة قد يأتي على خلاف رغبة السائلين، ولذلك كانوا يغرون الضارب على القداح بالضرب إلى أن يخرج القدح الذي فيه يريدون ويشتهون وقد يؤخرون ذلك بعض الوقت. وهم يفسرون النتيجة التي تظهر أنها رغبة الصنم و أرادته بوحيها، فتظهر بالقداح.

وذو الخلصة من الأصنام التي كان يستقسم عندها كذلك. والى هذا الصنم ينسب قول أحد الشعراء لهذه الأبيات: لو كنت يا ذا الخلصة الموتورا  مثلي وكان شيخك المقبـورا

لم تنه عن قتل العُداة زورا

وهي أبيات ينسبها بعض الرواة إلى امرىء القيس. وكان أبوه قتل، فأراد الطلب بثأره. فأتى ذا الخلصة، فاستقسم عنده بالازلام، فخرج السهم ينهاه عن ذلك، فقال هذه الأبيات التي تتحدث عن غضب الشاعر على هذا الصنم، لنهيه إياه عن الأخذ بالثأر،. ولو كانت النتيجة كما يشتهي، لما قال الشاعر هذه الأبيات بالطبع، وتجاسر على الصنم.

ولما كانت الحروب والغزوات من القضايا المهمة، كانت استشارة الأصنام والاستقسام بشأنها من الأمور المأًلوفة، فكان أهل مكة اذا أرادوا الحرب أو عقد هدنة أو إبرام أمر خطير أتوا "هُبل" يستقسمون. عنده ليعطيهم الرأي المصيب في هذا الموضوع.

والغالب ان يكون الاستقسام أمام الصنم، ليقع في روع طالب الاستقسام ان ما يجري إنما هو بعلم الصنم و بوحيه، فيكون ذلك أوكد في نفسه وأعمق تأثيراً.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق