1377
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الحادي والسبعون،
شعائر الدين
ولكل دين شعائر تكون له سمة وعلامة تميزه عن غيره من الأديان. ولمّا كنا قد ذكرنا ان الجاهلين كانوا شعوباً وقبائل، لم تجمع بينهم وحدة فكر ولم تضمهم دولة واحدة، بعقيدة مشتركة، فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن شعائر واحدة لجميع عرب الجاهلية.
وما سأذكره عن ديانات أهل الجاهلية، مستمد إما من نصوص جاهلية، وذلك فيما يخص العربية الغربية والعربية الجنوبية في للغالب،وإما من موارد اسلامية، وهو ما في يتناول أهل الحجاز، قبل ظهور الإسلام، وبعض أنحاء نجد. وهو مما جاء عنهم في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي وفي كتب التفسير والسير والأخبار مما له صلة بأيام الجاهلية المتصلة بالإسلام، وبظهور الإسلام.
وفي مقدمة شعائر الدين عند أهل الجاهلية: الأصنام وبيوتها والتقرب اليها بالصلاة وبالسجود. وبالطواف حولها، وبالنذور. وبالحبوس وبالقسم بها، وذلك تمنّ على عبدها الإنسان فتمنحه ما يرجوه.في هذه الحياة من صحة وعافية ومال ونسل وذكور وتكاد تنحصر الكتابات الجاهلية التي عثر عليها حتى الآن بهذه الأمور، اذ لا نكاد نجد فيها شيئاً له علاقة بالآلهة يخرج عن حدود ما ذكرت. ويكاد يقتصر ما جاء في روايات أهل الأخبار عن ديانة أهل الجاهلية بهذه الأمور ايضاً، فلا تتجاوز ما ذكرته من تقرب إلى صنم أو توسل اليه وطواف به، لنبل شيء منه يتمناه ويرجوه في هذه الحياة الدنيا.
أما الصلاة إلى الالهة على نحو ما يفهم من الصلاة في الإسلام فلا نجد لها ذكراً في النصوص الجاهلية، ولا نكاد نجد لها صورة واضحة صحيحة في روايات أهل الأخبار، اللهم إلا فيما يخص صلوات اليهود والنصارى والعرب فقد كان هؤلاء يصلون في كنائْسهم في أوقات معينة، وقف بعض أهل الجاهلية عليها، فأشاروا اليها في أشعارهم وفي حديثهم عن أهل الكتاب.
وقدُ ذكر ان عبدة "الشمس" كانوا قد "اتخذوا لها صنماً بيده جوهرعلى لون النار، وله بيت خاص قد بنوه باسمه وجعلوا له الوقوف الكثيرة من القرى والضياع وله سدنة وقوام وحجبة يأتون البيت ويصلّون فيه لها ثلاث مرات في اليوم، ويأتيه أصحاب العاهات فيصومون لذلك الصنم ويصلون ويدعونه ويستشفعون به. وهم اذا طلعت الشمس سجدوا كلهم لها،واذا غربت واذا توسطت الفلك. ولهذا يقارنها الشيطان في هذه الأوقات الثلاثة، لتقع عبادتهم وسجودهم له. ولهذا نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن تحري الصلاة في هذه الأوقات قطعاً لمشابهة الكفار ظاهراً، وسداً لذريعة الشرك وعبادة الأصنام". وذكر "اليعقوبي" ان العرب كانت "اذا أرادت حج البيت الحرام، وقفت كل قبيلة عند صنمها وصلوّا عنده ثم تلبوا". وفي هذين الخبرين دلالة على وجود الصلاة عند الجاهليين، ولا سيما في خبر عبدة الشمس، حيث كانوا يصلّون ثلاث كرات لها في اليوم.
وذكر ان "التسبيح" بمعنى الصلاة والذكر، روي ان "عمر" جلد رجلين سبّحا بعد العصر، أي صلّيا. وان قول الأعشى: وسبحّ على حين العشيّات والضحى ولا تعبد الشيطان والله فاعـبـدا
يعني الصلاة بالصباح والمساء. وعليه فسر قوله )فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون(، يأمرهم بالصلاة في هذين الوقتين.
وذكر انهم كانوا يصلون على موتاهم، وكانت صلاتهم ان يحمل الميت على سرير، ثم يقوم وليه، فيذكر محاسنه كلها ويثني عليه. ثم بقول: عليك رحمة الله. ثم يدفن.
وقد أشير إلى سجود الناس للشمس والقمر في القرآن الكريم: )ومن آياته الليل والنهار، والشمس والقمر. لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون. فإن استكبروا، فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون". يقول تعالى ذكره: فإن استكبر يا محمد هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم من مشركي قريش وتعظموا عن أن يسجدوا لله الذي خلقهم وخلق الشمس والقمر، فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك ولا يتعظمون عنه". كما أشير إلى سجود أهل "سبأ" إلى "الشمس" في الأية: )وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل، فهم لا يهتدون(. وفي هذه الآية وصف لتعبد أهل سبأ للشمس وسجودهم لها. وقد ذكر المفسرون أن ملكة سبأ كانت لها كوة مستقبلة الشمس، ساعة تطلع الشمس تطلع فيها، فتسجد لها. فسجودهم للشمس، هو عبادة لها وتعظيماً لشأنها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق