1004
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث والخمسون
حقوق الملوك وحقوق سادات القبائل
الاقطاع والاقطاعيون
والاقطاع معروف بين الجاهليين، وخاصة بين أهل العربية الجنوببة. وقد كان اقطاعاً للارض لتستغل زراعة، واقطاعاً لاستغلال ما فيها من ماء أو معدن مثل الملح. وكان الملوك يقطعون أملاك الدولة لمن شاعوا، كما فعل المعبد ذلك، إذ كان يقطع الأرض المحبوسة باسمه لمن يشاء من الناس.
وقد كانت العادة في اليمن جارية بإقطاع المعادن والمياه لأصحاب السلطان، كأن يقطع "الملح" لشخص ليستغله، فيشغل من يريد في استخراجه وبيعه. وقد وردت في الكتابات الجاهلية إشارات إلى استغلال معادن الملح، والى إقطاعها الأشخاص يستخرجون الملح منها في مقابل أجر يدفع عن ذلك الإقطاع. وقد بقيت هذه العادة إلى الإسلام، فقد ورد في كتب الحديث: أن "الأبيض بن حمال" استقطع رسول الله ملح مأرب،فأقطعه. ولما ذكر "الأقرع بن حابس" للرسول أنه قد ورد ذلك الملح ورآه، وانه مثل الماء العد بالأرض، من ورده أخذه، وان إقطاعه له يمنع الناس من وروده، فاعتدهُ الرسول صدقة، وجعله مثل الماء العِدّ.
والإقطاع يكون تمليكاً وغير تمليك. فإذا كان تمليكاً، صار له ليس لأحد حق مزاحمته عليه ولا استثماره، ويكون عندئذ ملكه. وله حق تأجيره. لغيره أو اعطائه في مقابل حق يعينه في الحاصل والناتج.وقد كان الملوك في العربية الجنوبية يقطعون أصحاب الجاه والسلطان وسادات القبائل الإقطاعات،فتولد من هذا الإقطاع كبار أصحاب الأرض، وصار لهم سلطان واسع بحكم ما حصلوا عليه من مال وقوة وجاه. حتى صاروا يتدخلون في شؤون الدولة الداخلية.
وأما الإقطاع الثاني، وهو إقطاع من غير تمليك فإنه إقطاع لأمد قد يحدد بزمن، وقد لا يحدد بزمن، وذلك بشروط تثبت وتحدد في عقد الاتفاق،كأن يتفق على أن يقدمّ من يقطع له الإقطاع ثلث الحاصل أو الغلة أو الربع أو ما شابه ذلك، أو أن يقدم مبلغاً مقطوعاً أو عيناً يذكر ويثبت مقداره، أو خدمةا معين للدولة أو للمعبد القطاعي صاحب الملك مثل تقديم عدد معين من المحاربين وقت الطلب ومقدار معين من مال أو عين.
وقد لا يستغل الإقطاعي اقطاعياته، وإنما يقوم بإقطاعها للاقطاعيين الصغار، أو يؤجرها لمن هم دونهم في المكانة ليقوموا هم باستغلال ما استأجروه، وقد يعطيها للفلاحين للاشتغال بها بشروط يتفق عليها معهم. ويكون الإقطاعي قد استفاد من إقطاعه من غير تعبِ أو جهد.
وفي الكتابات الجاهلية ان سادات القبائل كانوا يملكون اقطاعيات واسعة يديرونها باسم قبائلهم، وقد تزيد اقطاعياتهم عن حاجات القبيلة، لذلك يؤجرونها لقبائل اخرى تكون في حاجة إلى الأرض في مقابل خدمات تؤديها للقبيلة المؤجرة صاحبة الأرض وفي مقابل حقوق عينية تثبت وتعين وتدفع عند حلول الآجال المعينة في العقد. وتعتبر القبيلة التي تستغل الارض نفسها تابعة للقبيلة التي تملك الأرض.
وللفقهاء اراء في الاقطاع في الإسلام، بأنواعه: اقطاع التمليك، واقطاع الإرفاق، واقطاع الموََات.
وقد عاش الاقطاعيون على استغلالهم لخيرات الأرضين الواسعة التي امتلكوها، والتي درت عليهم أموالاً طائلة، خلقت لهم قوة مهابة في البلاد، صيّرت بعضهم حكومة في داخل حكومة. عاشوا في قلاع وقصور حصينة حمتها حصون متينة، لهم أتباعهم وحرسهم، وصارت لهم سطوة لا تقل عن سطوة كبار رجال الدين، بل زادت على سطوتهم فيما بعد الميلاد، حيث صاروا ينافسون الملوك ويَتحدَّون إرادتهم في كثير من الأحايين، مما أقلق الوضع السيامي، وهز صرح الحكومات. وأوجد مجالاً لتدخل الأحباش في شؤون اليمن.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق