407
موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي
الفصل الثالث:معركة حطين وفتح بيت المقدس والحملة الصليبية
المبحث الثالث:الحملة الصليبية الثالثة ووفاة صلاح الدين:
الرابع عشر:المفاوضات وصلح الرملة:
- نتائج الحملة الصليبية الثالثة وأهم الأحداث قبل وفاة صلاح الدين:
1-برحيل ريتشارد قلب الأسد إلى بلاده، بعد صلح الرملة بلغت الحملة الصليبية الثالثة نهايتها، فلن يتوجه إلى الشرق الأدنى الإسلامي مرة أخرى، هذا الحشد من الملوك والأمراء، ومع أن أوروبا الغربية اتحدت في ذلك العمل، وجهَّز حملة كانت من أكبر الحملات الصليبية، فإن ما حصلت عليه من نتائج كان ضئيلاً وما حدث من إنقاذ صور على يد كونراد دي مونتفيرات، ومن نجدة طرابلس من قِبل الأسطول الصقلي، إنما جرى قبل وصول أفراد الحملة الصليبية الثالثة، وكل ما أسهم به هؤلاء لم يتعدَّ الاستيلاء على عكا والمدن الساحلية حتى يافا، فضلاً عن جزيرة قبرص، على أن أمراً واحداً قد تحقَّق هو توقف نشاط صلاح الدين في الفتح ( ).
2-يعُّد المؤرخون الحملة الصليبية الثالثة من الحملات الفاشلة في تاريخ الحروب الصليبية، لأنها لم تحقق من النتائج ما يتناسب مع ما بُذل فيها من جهد ضخم فضلاً عن أنها لم تنجح في تحقيق الهدف الذي جاءت من أجله وهو استعادة بيت المقدس من يد المسلمين.
3-شاركت الظروف السياسية والعسكرية التي واجهت هذه الحملة وأحاطت بها في هذه النهاية الفاشلة، إذ ليس في استطاعة جيش تجَّرد من القيادة الموحدة، وفرّقته المنازعات السياسية، وقاتل في أرض أجنبية، أن يحرز النصر على جيوش جمع بينها وحدة الصف والهدف، وانضوت تحت قيادة رجل واحد مثل صلاح الدين.
4-كان من بين عوامل الفشل أن ملكيْ إنكلتر وفرنسا حملاً معهما إلى الشرق ما بينهما من منازعات سياسية محلية، على الرغم من اتفاقهما على التغاضي قبل أن يتحركا من أوروبا الغربية.
5-اختلف الطابع الروحي للحملة، إذ لم يكن للبابا دور كبير في توجيهها، كما حدث في الحملة الصليبية الأولى، وطغى عليها الطابع السياسي بما يحمل من خلفيات متناقضة ( ).
6-استمرار تماسك الجبهة الإسلامية بعد أن اختفت المنازعات الدينينة والسياسية على الرغم من تراجع قوة المسلمين العسكرية بسبب الإرهاق والتعب، إذ تحتَّم على القوات الإسلامية أن تقوم بأعمال عسكرية مستمرة مدة ثلاث سنوات وفي ظروف غير عادية، بالإضافة إلى ما حصل من تشنِجات سرعان ما امتعها صلاح الدين بحكمته، نذكر منها النزاع الذي حصل بين العناصر التركية والعناصر الكرية في جيشه ( ) ولولا رحمة الله ثم قيادة صلاح الدين لكانت الخسائر كبرى وبشكل غير متصور ولكن حسن قيادة صلاح الدين وصمود المسلَّمين في وجه هذه الحملة الشرسة أربك ملوك أوروبا وأفشل مخططاتهم ولم يستطيعوا إرجاع بيت المقدس وهذا يعتبر انتصار عظيم لصلاح الدين على الرغم من الخسائر التي لحقت بالمسلمين.
7-تميزت هذه الحملة الصليبية بحدوث تفاهم كبير مع المسلمين فكان الطرفان شديدي الصلة ببعضهما وتعّدى ذلك إلى طرح مشروع المعاهدة، وإرسال الفواكه والثلج لريتشارد قلب الأسد أثناء مرضه وحضور طبيب صلاح الدين الخاص لمعالجته ( ) وكان من هذا الاختلاط في حياة الفرنج ما يأتي : -
أ-نقلوا عن المسلمين كثيراً من العلوم والمعارف التي كانت سائدة بينهم في تلك الفترة وقد ألفوا فيها كتباً احتوت كثيراً من التجديد والإبتكار ووضع قوانين في هذه العلوم ( ).
ب-نقلوا عن المسلمين كثيراً من الصناعات والفنون مثل صناعة النسيج والصباغة والميناء والمعادن والزجاج كما نقلوا عنهم فن العمارة وكان لهذا النقل تأثير عميق في حياة أوروبا الصناعية والتجارية والفنية يقول جوستاف لوبون: ولم يكن تأثير الحروب الصليبية في الصناعة والفنون أقل من ذلك... ثم يقول: وعن المسلمين أخذت أوروبا صناعة النسـائج الحـريرية والصباغة المتقنة .. ولم يلبث فن العمارة أن تحول في أوروبا تحولاً تاماً ( ) .
ت-تأثرت الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية تأثراً أدى إلى نمو الحضارة الغربية وإزدهارها، ولولا الحرب الصليبية لتأخر نمو الحضارة في أوروبا لا يعلمها إلا الله ولقد اعترف المنصفون من المستشرقين بهذه الحقيقة قبل أن يقولها مؤرخو المسلمين ( ).
يقول لوبون: ولكنا إذا نظرنا إلى النتائج البعيدة التي اسفرت عنها الحروب الصليبية، تجلت لنا أهمية تلك النتـائج، فقد كان اتصال الغرب بالشرق مدة قرنين – أي مدة التواجد الصليبي في بلاد المسلمين – من أقوى العوامل على نمو الحضارة في أوروبا، وتكون الحروب الصليبية قد أدت بهذا إلى نتائج غير التي نشدتها فأما الشرق فكان يتمتع بحضارة زاهرة بفضل المسلمين – وأما الغرب، فكان غارقاً في بحر الهمجية ( ).
ذلكم هو ما أفادته أوروبا من الحروب الصليبية، وهي، وإن منيت بخسائر فادحة وهزائم قاتلة، لم تحقق الهدف الذي جاءت من أجله، وهو استعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين إلا أنها كسبت من وراء ذلك هذه المكاسب العظيمة التي نهضت بأوروبا وأسرعت في إيصال الحضارة إليها ( ) وأما المسلمون فإنه لم يكن لدى الصليبيين ما يمكن أن يستفيد منه المسلمون، فقد كانوا في سلوكهم وحوشا ضارية، وأنهم كانوا ينهبون الأصدقاء والأعداء ويذبحونهم على حد سواء ( ) . ولقد وصف أسقف عكا الصليبي (جاك دوفِيتري) الغزاة بقوله: وكان لا يُرى منهم في أرض الميعاد غير الزنادقة والملحدين واللصوص والزناة والقتلة والخائنين، والمهرجين والرهبان والدّعار والراهبات العواهر ( ) وكان مع الحملة الصليبية جيش العواهر الذي جلب خصيصاً للترفيه عن المقاتلين، لم يقتصر على جنود الصليبيين، ولكنه تعدى ذلك إلى صفوف الفجرة والفسقة من المسلمين ( ) يقول ابن كثير: وأمداد الفرنج تصل من البحر من كل وقت حتى إن نساء الفرنج ليخرجن بنية القتال ومنهن من تأتي بنية راحة الغرباء، لينكحوها في الغربة، فيجدون راحة وخدمة وقضاء وطر، فإذا وجدوا ذلك ثبتوا على الحرب والغربة، حتى إن كثيراً من فسقة المسلمين تحيزوا إليهم من أجل هذه النسوة، واشتهر الخبر بذلك ( ) وذكر المؤرخ أبو شامة من أنه حدث أثناء حصار الصليبيين لعكا : أن وصل مركب فيه ثلاثمائة امرأة فرنجية مستحسنة اجتمعت من جزر البحر، وانتدبن للجرائر، واغتربن لإسعاف الغرباء، وقصدن بخروجهن تسبيل أنفسهن للأشقياء، وأنهن لا يمتنعن عن الُعزبان، ورأين أنهن لا يتقربن بأفضل من هذا القُربان، وزعمن أن هذه قربة، ما فوقها قربة، ولاسيما فيمن اجتمعت فيه غربة وعزوبة ( ) ويقول أيضاً : وخرجت النساء للإسهام في الحملة الصليبية الثالثة فمنهن من خرج وقد لبسن الدروع، وكنّ في زي الرجال للاشتراك في المعارك بأنفسهن، لاعتقادهن أن ذلك عبادة ( ) ، ومنهن من خرجن لإسعاف الغرباء، وإسعاد الصليبيين بتسبيل أنفسهن للاستمتاع بهن حتى لا يتسرب الملل إلى نفوس المحاربين ( ) .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق