إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

375 موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين" الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب: تاسعا:أهم محاور التجديد عند الشيخ عز الدين بن عبدالسلام: دروس مهمة في مجال التجديد والإصلاح:


375

موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"

الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب

المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب:

تاسعا:أهم محاور التجديد عند الشيخ عز الدين بن عبدالسلام:

دروس مهمة في مجال التجديد والإصلاح:

لابد من الاعتراف بجهود هذا الإمام، ولفت الأنظار إلى فضله العظيم في تأسيس المقاصد، واهتمامه بها، الأمر الذي مهد الطريق للذين جاؤوا بعده، ويمكن القول بأن مشروعه هذا يعد مشروعاً تجديدياً إحيائياً لترميم تصدعات الحياة الإسلامية ولكن لم تتهيأ له الأجواء السياسية والثقافية والاجتماعية ليعطي ثماره الحضارية تجديداً ونهضة، ذلك بأن عصره، عصر انقسامات واستعانة بالكفار وإعانة لهم على المسلمين.

محاربة التقليد والركود والجمود، والدعوة إلى الاجتهاد المتعمق الذي يستوعب كل الحياة بجميع تطوراتها ومتغيراتها الاجتماعية والسياسية – من أسباب نهوض الأمة – ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالتعمق في فهم النصوص الشرعية في أبعادها الأصولية والفقهية والمقاصدية.

المقاصد العامة ثابتة لا تتغير ولا تختلف باختلاف الأمم والعوائد والأزمنة وإن اختلفت بعض مصالح الناس باختلاف الأمم والعوائد والأزمنة، وإن اختلفت بعض مصالح الناس باختلاف الأزمان والأعراف، ومن هنا كانت دعوة ابن عاشور لفهم مسائل أصول الفقه وإعادة ذوبها في بوتقه التدوين وتسميتها بمقاصد الشريعة ().

تعد مقاصد الشريعة الركن الثان من أركان أصول الفقه – وكنه الأول هو: الفهم الذي يقوم على جانب الاستكشاف والتجريد والتعميم – وهي بمثابة تنزيل الأحكام المجردة على واقع الأحداث ومستجدات الأمور بمعطياتها الزمانية والمكانية وملابساتها الشخصية، فمثل ما يتوقف استنباط الأحكام الشرعية على الألفاظ، فإنه يتوقف على مقاصد اللافظ ()، ومع كون المقاصد مبحثاً أصولياً إلا أنه يكاد يكون مفقوداً في كتب الأصول، كمبحث مستقل قائم الذات إلا من بعض الإشارات في مباحث العلة أو المناسبة، أو الاستصلاح، وإذا اعتبرنا أصول الفقه قانوناً يتوصل به إلى استنباط الأحكام، وكيفية التطبيق السليم، فإن الاهتمام اليوم بالمقاصد أكثر من ذي قبل يُعدُّ خطوة نحو تلبية متطلبات الحياة، ومسايرة قضاياها المستجدة لاستيعاب جميع متغيراتها، ومن المعلوم أن التشريع وليد الحاجة، فما قام تشريع في أمة ولا نشر فيها قانون إلا وقد قام في البلاد قبلهما حاجة تدعو إليهما، فيأتي التشريع، ويصاغ القانون على قدر تلك الحاجة ()الداعية، والقونين في جميع أنحاء العالم لا تلبث بعد مدة من وضعها أن تصبح غير وافية بالنسبة لبعض الأحداث، فالاهتمام بالمقاصد يساعد على إيجاد الحلول المناسبة مدخل في استنباط الأحكام أو تطبيقها وقد بين ابن عاشور شدة حاجة الفقيه إلى معرفة المقاصد في مثل هذه الحالة فقال: فاحتياجه فيها ظاهر، وهو الكفيل بدوام الشريعة الإسلامية للعصور والأجيال التي أتت بعد عصر الشارع، والتي تأتي إلى انقضاء الدنيا ().

المقاصد العامة متداخلة لا يكاد ينفك بعضها عن بعض، ولقد تبين – للدارسين – أنها خادمة لبعضها، فقد يكون المقصد وسيلة مفضية إلى مقصد أعلى منه، كما أن المقاصد الجزئية للأحكام تندرج بدورها في دوائر تنتهي إلى المقاصد الكلية التي تنتهي بدورها إلى المقصد الأعلى وهو تحقيق مصالح العباد في الدنيا والمعاد.

المقاصد العامة معان حقيقية تهدف الشريعة إلى تحقيقها في واقع الحياة حتى تكون على تلبية حاجيات المسلمين، وساعية نحو الأفضل في تنظيم مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإلى تحقيق كل ما ينفع الأفراد والأمة من خير يعود على خدمة الضروريات والحاجيات والتحسينيات.

المقاصد العامة منسجمة مع الفطرة، وهي أساس هام بني عليه هذا الدين؛ قال تعالى: "فأقم وجهك للدَّين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم"(الروم: 30) ومما يؤكد عليه الإمام أن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء المفاسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد نظراً لهم من رب الأرباب().

ينبغي أن تكون الاجتهادات الفردية أو الجماعية المؤقتة أو الدائمة، مرتبطة بواقع الحياة، وبمقاصد الشريعة الإسلامية كضابط لهذه الاجتهادات من الزيغ والانحراف وليكون أقرب ما تكون إلى الصواب، وأجدر بالتطبيق العملي في الحياة ().

ولابد من ربط الاجتهاد بالمقاصد ولذلك قرّر الإمام ابن عبدالسلام: أن المقاصد مرجوع إليها وأن كل غافل عنها في حكمه أو فتواه يلزمه أن ينقضى حكمه، ويرجع عن فتواه وأما من أفتى على ما تقتضي قواعد الشريعة وإقامة مصالحها، فكيف يحتاج إلى نقل جزئي مخصوص من كلي اتفق على إطلاقه من غير استثناء ()وربط الاجتهاد بالمقاصد يؤدي إلى عدة أمور منها:
إضفاء صفتي الشمولية والاستمرارية على الشريعة، فلا تعرف حدود الزمان ولا للمكان.

استعمال الأقيسة المعتبرة والاستنتاجات العقلية السليمة بشكل يتلاءم مع واقع الناس ويراعي ظروفهم دون إبطال للنص، أو تحريف له.
تطلع المتعاملين فيما بينهم إلى أعلى مثل العدل، والإحسان والتعاون لبلوغ المصلحة الشرعية من التعامل فيتوفر بذلك جو من الثقة؛ والنية الحسنة بين الناس، ويؤمن الغش والاحتكار، وأكل مال الغير بالباطل.
الحد من الخلافات المذهبية بين المسلمين التي منشؤها – في الغالب – سوء فهم مقاصد الشريعة، أو عدم فهمها على الإطلاق وتوحيد المسلمين مقصد من مقاصد هذا الدين، وضرورة من ضرورياته.
تحديد مفاهيم الحقوق، وتعيين مواقعها حتى لا يبقى الحق الشخصي المطلق، ولا للأنانية البغيضة مكان في نفوس الناس، ذلك بأن المقاصد العاملة شاملة، بحيث تندرج في مضمونها كافة الحقوق، ما كان منها ذا مضمون ديني، أو خلقي، أو سياسي، أو اقتصادي، وما إلى ذلك، مما يتعلق بجميع نواحي الحياة مادياً ومعنوياً، فكانت كل الحقوق الجديدة التي لم يعرفها العالم الغربي إلا في هذا العصر مقررة في الشريعة الإسلامية فيما رسم من مقاصدها وغاياتها وشرع من وسائل علمية لتحقيقها، وتنميتها، والمحافظة عليها.
تنظيم حياة المجتمع البشري، والموازنة بين حاجيات الناس فلا تطعن حاجة إنسان على آخر، ولا تصطدم حريته مع حرية غيره.
إيجاد الحلول لكثير من المسائل الطارئة في حياتنا المعاصرة.
علم المقاصد علم دقيق لا يخوض فيه إلا من لطف ذهنه، واستقام فهمه، لذا أكد الإمام العز بن عبدالسلام على ضرورة الفهم السليم والطبع المستقيم ().
لا يزال فن المقاصد مهمة مطروحة تنتظر من ينجزها، فعليا، ويتوغل فيها إلى أقصى دلالاتها فهي مادة ثرية لا غنى عنها لأي باحث أو مجتهد، إلا أن هذا الإنجاز يتطلب شيئاً من الإحاطة بثقافة العصر، وقيمة خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ضرورة معرفة المقاصد، وإيضاحها في نسق عقلي، ومنهج علمي سليم، وأن يجعل منها مادة تربوية علمية، يُرَبَّي عليها أبناء الأمة وتقام على أساسها كياناتهم النفسية وغذائهم الفكري ووضوح المقاصد يوفر لنا أمرين:
الوضوح في أولويات العمل الإسلامي، لتطبيق شرع الله في أرضه، وإعلاء كلمته.
القضاء على الغبش، والتخبط مما لا يدع مجالاً ولا موضعا يعتد به للنظر الجاهل بالنصوص، وأولوياتها، وغايتها.
الشريعة لعمل على تحقيق المقاصد العامة والمحافظة عليها فهي:
تحافظ على المصلحة أبداً وفق نظام ثابت لا يتأثر بوجود شخص أو موته ()، قال تعالى: "أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم"(آل عمران، آية : 144).

وسواء كانت هذه المصلحة عامة أم خاصة، صغيرة أم كبيرة، حفظاً للحق العام والحق الخاص في آن واحد، وحتى إن الإنسان لا يعتبر حراً في نفسه وأعضائه، فلا يحق له أن يتصرف إلا وفق ما يرضي الله؛ لأن الحق في ذلك مشترك بينه وبين ربه على حد قول الإمام (). ومن هنا يمكن القول بأن المصالح متداخلة، فالمحافظة على المصلحة العامة محافظة على مصلحة الأفراد، بحيث يستطيع كل من يتمكن من الانتفاع بها أن ينتفع بها وفقاً للوجوه المعروفة شرعاً، وكذلك القول في المصلحة الخاصة، بها يتحقق صلاح المجتمع تبعاً؛ فحفظ مال اليتيم، - مثلاً – حتى سن الرشد، فيه نفع لليتيم عند رشده إذ يجد ماله كاملاً غير منقوص، وفيه نفع لغيره سواء كان وارثاً أم غير وارث بما يحققه ذلك المال من نفع عام بإقامة مشاريع أو صدقات خاصة أو عامة، ولعل هذا هو معنى قوله تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً "(النساء، آية : 5) فعدَّ أموال اليتيم كأنها أموال من يرعاها وكذلك في حفظ النفس فإنها مصلحة خاصة، ولكن المحافظة عليها محافظة على النظام العام، وإذا نزلت بالأمة نازلة أو طرأت بعض الطوارئ وجب اعتبار مصالح هذه الأمة كلاً متكاملاً لا كدويلات متفرقة: وطريق المصالح أوسع طريق يسلكه الفقيه في تدبير أمور الأمة، عند نوازلها ونوائبها إذا التبست عليه المسالك، كما قال ابن عاشور ()، وتداخل المصالح يستدعي إيجاد قواعد وخطط تشريعية يلتزمها المجتهد لإعطاء كل ذي حق حقه فلا يظلم أحد، وأساس هذه القواعد هي: الموازنة بين ما يعود على صاحب الحق من نفع مشروع، وبين ما يلحق الغير من ضرر لازم أو فساد ممنوع وفي هذه الموازنة يتفاوت نظر النظار، وتتعارض فيه الخواطر والأفكار، لذا أكد الإمام على الفهم السليم والطبع المستقيم، ولقد استطاع أن يستنبط من استقرائه للشريعة سلماً للمصالح يندرج بحسب آثارها في دنيا الناس فتحدث عن الضروري، والحاجي، والتحسين، وبنى على ذلك مواقف عملية حتى يتمكن الناس من الموازنة بين المصالح وترتيبها، فلا يقعوا أمام طريق مسدود يجعلهم مخيرين بين مصالح الدنيا أو الآخرة، ولو وضع المسلمـون هـذا السـلم نصب أعينهم قبل اتخاذ بعض القرارات أو تبين بعض المواقف لسلمت الأمة – الآن – من كثير مما هي فيه من المشاكل.

كما أنها تراعي التخفيف والتيسير، وترفع الحرج عن الناس باعتبارها شريعة عملية واقعية تسعى إلى أن تكون واقعاً حيا في نفوس أتباعها، ولا يتم ذلك إلا بسلوك الرفق والتيسير، ذلك بأن اليسر من الفطرة، والنفوس مجبولة على حب الرفق، والنفور من الشدة والإعنات، ومن هنا كان الحرج مرفوعاً والمشقة منضبطة؛ وليس لمراد بنفي المشقة أن لا مشقة ولا كلفة في شيء من التكاليف الشرعية أصلاً، بل المراد أن تكون المشقة في حدود طاقة المكلفين، كما أن الدعوة إلى التيسير ليست على إطلاقها، بل المراد أن يكون التيسير بقدر لا يفضي إلى انخرام مقاصد الشريعة، وإلا لزم إرتفاع جميع التكاليف أو أكثرها.
وتقيم العدل، وتدعو إلى أن تكون إقامة العدل عن إدراك وتفهم عميق لإبعاده ومراميه، وللمسالك والوسائل المفضية إليه، فمن راعى ذلك وفق إلى جني ثماره، إذ لا ثمرة تجنى دون تصور سليم، وتنفيذ واع حكيم، كما بينت الشريعة أن عاقبة العدل كريمة، وعاقبة الظلم وخيمة ()، ولهذا نرى : أن الله ينصر الدولة العدالة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ().
شرعت الشريعة من الوسائل ما يتلائم مع تحقيق مقاصدها ويحافظ عليها، ولولا ذلك لفات الكثير، ولذا كان اعتناؤها بالوسائل، كاعتنائا بالمقاصد أولى ()، واعتبرت الوسائل بمثابة التممات والتكملات ()، وصارت كل وسيلة تخدم مقتصداً مطلوبة التحصيل، وكل وسيلة لا تؤدي إلى ذلك مطلوبة الترك ()، كما أنه قد تتحد الوسائل إلى المقصد الواحد، فيقدم أقواها تحصيلاً للمقصد المتوسل إليه، بحيث يحصل كاملاً ميسوراً يقدم على ما هو دونه في هذا التحصيل ().

إن الله عز وجل قد أكرم الأمة بهذا العالم الجليل صاحب الفهم السليم، والطبع المستقيم، والعلم المتين، في مرحلة حرجة من المراحل التي مرت بها الأمة الإسلامية، من تمزق سياسي، وصراع بين المشاريع، المشروع المغولي، والمشروع الصليبي، وبقايا المذهب الباطني، وكان الابتلاء الكبير بسقوط بغداد في يدي التتار عام 656ه، فكان للاجتهادات المقاصدية، وفقه المصالح ومراتبه والمفاسد ودراجته أثر كبير في نهوض الأمة من كبوتها وإعادة دورها الحضاري، فبفضل الله ثم جهود العلماء من أمثال العز بن عبدالسلام، وسلاطين المماليك، استطاعت الأمة التصدي للمشروع المغولي والمشروع الصليبي ثم القضاء على المشروعين وانتصار الإسلام العظيم في عهد المماليك وهذا ما سوف نعرف تفاصيله بإذن الله تعالى في كتابنا عن المماليك.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق