إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 29 أغسطس 2014

338 موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين" الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب: خامساً :تلاميذ العز بن عبدالسلام: 2-القرافي:


338

موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"

الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب

المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب:

خامساً :تلاميذ العز بن عبدالسلام:

2-القرافي:

هو أحمد بن عبدالرحمن القرافي، أبو العباس، شهاب الدين الصنهاجي، من علماء المالكية، نسبته إلى صنهاجة من برابرة المغرب ()عالم زمانه، أحد الأعلام، انتهت إليه رياسة المالكية في عصره وبرع في الفقه والأصول والعلوم العقلية والتفسير، ولا عجب فهو تلميذ العز بن عبدالسلام النجيب الذي عاش فقيراً ونشأ في أسرة مغمورة ثم بعلو همته وجده، وعزيمته التي لا تلين ملاء الدنيا علمه، تخرج على يديه عدد من العلماء الأفاضل، وكتب وألف حتى أصبحت كتبه أعلاماً للسالكين ومن أجلها: " الذخيرة" و"الفروق" و"شرح التهذيب" وغيرها.

أ- وقد تأثر القرافي بالعز من خلال الموازنات الفقهية التي عقدها القرافي في الذخيرة بين المذهبين المالكي والشافعي، وحتى في كتابه الفروق، وكان منهج الإمام العزّ الذي تتلمذ على يديه عدد كبير من الطلبة مع اختلاف مدارسهم الفقهية، عدم الإنسلاخ عن مذاهبهم التي يتمذهبون بها والأخذ بمذهبه الشافعي، بقدر ما كان يحاول رسم الطريق والمنهج في التعامل مع الأحكام الشرعية، والنصوص استنباطا واجتهاداً وتعليلاً.

ب- التفريق بين القواعد الفقهية: فكرة التفريق بين القواعد الفقهية أخذها القرافي من العز بن عبدالسلام – رحهمها الله – حيث يذكر في ثنايا كتابه "قواعد الأحكام" فروقاً بين الفروع الفقهية المتشابهة في الظاهر ولكن بينهما وجه مفارقة ومثاله : من سقى الأشجار بماء مغصوب من حين غرسها حين بسَقَت ضَمِن الماء بمثله، ولاحقَّ لمالكه فيما استحال إلى صفات الأشجار لأنه صار ملكاً لصاحب الشجرة، كما صار الغذاء ملكا لصاحب الحيوان لمَّا تعذر وصول مالكه إليه.. حتى قال: فإن قيل: كيف يملك الغاصب ذلك بتعدَّيه بسقي الماء المغصوب للشجر، وإطعام الطعام المغصوب للحيوان، ومن مذهب الشافعي رحمه الله – أن الغاصب لو أتلف أكثر منافع المغصوب لم يملكه؟ قلنا : الفرق بينهما إمكان الرَدَّ إذا أُتلف معظم منافع المغضوب، وتعذر الردَّ ههنا مع حدوث المالية فيما بقي بقوى الأشجار والحيوان، المختصين بملك الغاصب ().

ج- النظر إلى سبب تأليف القرافي للفروق: بالنظر إلى سبب تأليف القرافي للفروق على أنه في القواعد خاصة، التي نثرها في الذخيرة ثم جمعها في الفروق، وزاد في شرحها، وبيانها، والكشف عن أسرارها وحِكمها وأمّا كتاب قواعد الأحكام فقد صرّح العز بسبب تأليفه فقال: الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعاملات، وسائر التصرفات ليسعى العباد في اكتسابها، وبيان مقاصد المخالفات ليسعى العباد في درئها، وبيان مصالح المباحات ليكون العباد على خِيَرة منها، وبيان ما يقَدَّم من بعض المصالح على بعض، وما يؤخر من بعض المفاسد عن بعض، مما يدخل تحت اكساب العباد، دون مالا قدرة لهم عليه ().

ح- نبذ القرافي للتعصب المذموم للمذهب: تأثر القرافي – رحمه الله – بمنهج شيخه في نبذ التعصب المذموم للمذاهب، والدعوة إلى الاجتهاد المبني على أسس علمية متينة، فاصبغت آراؤه الاجتهادية بمحاربة التقليد، وضرورة مراقبة المذاهب الفقهية، خاصة الفتاوى المبنية على الأعراف والمصالح مما كانت في عصر الأئمة على اعتبار معين، ثم زال ذلك الاعتبار () قال الإمام العز – رحمه الله – والفقيه من رأى الواضح واضحاً، والمشكل مشكلا، ومن تكلف أن يجعل المشكل واضحاً، فقد كلفّ نفسه شططاً، فإن كان عاقلاً كان أوّل ما قتِ لنفسه والتعصب للحق على الرّجال أولى من التعصب للرّجال على الحق () ووضَّح القرافي كلام شيخه غاية التوضيح فقال: تنبيه: كل شيء أفتى فيه المجتهد، فخُرجَّت فتياه فيه على خلاف الإجماع أو القواعد أو النَّص أو القياس الجِليَّ السَّالمِ عن المعارض الرّاجح لا يجوز لمقلدّه أن ينقله للنّاس ولا يفتي به في دين الله، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضاه، حتى قال : فعلى هذا يجب على أهل العصر تفقد مذاهبهم، فكل ما وجدوه من هذا النوع، يحرم عليهم الفتيابه ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه، لكنه قد يَقِلُّ وقد يكثر ().

خ- توظيف القواعد المقاصدية في الاجتهاد: لم يَضع القرافي – رحمه الله – كتاباً خاصاً بمقاصد الشريعة وأسرارها، بحيث يعّرفها ويذكر فروعها ويفُصَّلُ القول في قواعدها ومباحثها، كما فعل شيخه العز بن عبدالسلام، لكنه اتجه إلى توظيف هذه القواعد المقاصدية للاجتهاد، وتعليل الفروع الفقهية، وجزئيات الأحكام ويكون بذلك قد فَعَّلَ من مُهمةَّ هذه القواعد وأعطاها صفة عملية وأخرجها من النظرية إلى التطبيق، خاصة في الفروق عندما قصد إظهار هذه النظرة المصلحية بين القواعد الفقهية التي تظهر عند المقارنة بينها مناسبات الأحكام وعللها، أكثر مما إذا كانت فروعاً جزئية، فإذا كان للشيخ العزّ، فضل السبَّق والتنظيم والتبويب فللقرافي – رحمه الله – شرف الاجتهاد والمواصلة والتفعيل:


وهو بسبق حائز تفضيلا
              
    مستوجبٌ ثنائَي الجميلا
      
والله يقضي بهبات وافره
          
    لي وَلَهُ في دَرَجَات الآخرة()
   

س- التمثيل للقاعدة بالفروع الفقهية: على عكس القرافي، يكثر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، من التمثيل للقاعدة التي بصَدَدِ دراستها بالفروع الفقهية حتى يقرّرها في ذهن المطالع، ونجد القرافي يكثر من حشد القواعد التي تكون في محل الخلاف بين طرفين متنازعين أو تدعم فرقاً يعتقده أو يدافع عنه، فالعزّ لما مثل لقاعدة رُجحان المصالح والمفاسد ذكر لها 63 مِثالاً ولما مثَّل لقاعدة اجتماع المصالح المجرّدة عن المفاسد ذكر لها 63مثالاً، ولما مثَّل لأنواع الحقوق المتعلقة بالقلوب ذكر لها 29 مثالاً، ولما مثل تساوي المصالح وتعذر جمعها ذكر لها "مثالاً ().

ش- حرص القرافي على نقل وتدوين آراء شيخه، حتى لو خالفه في الرأي والاجتهاد ويظهر هذا التأثير البالغ من القرافي عند ما يذكر شيخه العزّ، فيغدق عليه عبارات الثناء والإعجاب، فهو يقول مَثلاً في الفرق الخامس والتسعين: ولم أرَ أحداً حرَّره – هذا الفرق – هذا التحرير إلا الشيخ عز الدين بن عبدالسَّلام – رحمه الله وقدّس روحه الكريمة – فلقد كان شديد التحرير لمواضع كثيرة في الشريعة، معقولها، ومنقولها، وكان يُفْتَحُ عليه بأشياء لا توجد لغيره رحمه الله رحمة واسعة ()، ورغم المكانة العظيمة التي أحلّها القرافي شيخه من نفسه، فإنه في كثير من المواضع يناقشه في مسائل يختلف معه فيها كل ذلك بأدب وتواضع كبيرين ().

ومن القواعد التي ذكرها القرافي في كتاب الفروق:
تصرف الولي منوطٌ بالمصلحة.
اعتماد الأوامر المصالح، والنواهي المفاسد.
خمس اجتمعت الأمم مع الأمة المحمدية عليها وهي وجوب حفظ النفوس والعقول، والأعراض، والأنساب والأموال.
درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
تقدم المفسدة الخاصة على العامة عند التعارض.
إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما بإرتكاب أخفَّهما.
احتياط الشارع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من خروجه من الإباحة إلى الحرمة.
الوسائل لها حكم المقاصد.
الوسائل أخفض رتبة من المقاصد.
الوسيلة إذا لم تقض إلى المقصود سقط اعتبارها.
المقصد إذا كان له وسيلتان يُخيرَّ بينهما.
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
المشقة تجلب التيسير.
الضرورات تبيح المحظورات.
الأجر على قدر المصلحة والعقاب على قدر المفسدة.

وقد قام الشيخ قندوز محمد الماحي بتقديم رسالة ماجستير اسمها، قواعد المصلحة والمفسدة عند شهاب الدين القرافي من خلال كتابه الفروق، فتحدث عن القواعد المتعلقة بجلب المصالح ودرء المفاسد، فتحدث عن صياغة القاعدة وشرحها وأدلتها وضابط القاعدة وفروعها، ومستثنياتها، وتكلم عن قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد وقواعد الوسائل وقواعد المشقة والتيسير، وقام بتعريف المشقة، وبيان القاعدة وأدلتها وأقسامها وضابطها وفروعها ()... إلخ.

إن ميراث الأمة الإسلامية في عهد العز بن عبدالسلام، والقرافي في ميراث علمي زاخر، مستمد من الأصول التشريعية المعتمدة عند علماء الشريعة ومجتهديها، كان منطلقهم الكتاب والسنة وما يلحق بهما من أصول اجتهادية، بحيث عاشوا واقعهم وتفاعلوا مع أحداث أزمانهم ورسموا لمن يأتي بعدهم رُؤى ومعالم يسيرون عليها حتى لا يحيدوا عن الجادة المستقيمة والمحجة البيضاء الناصعة، فعلى خطاهم يسير الخلف من هذه الأمة وعلى اجتهاداتهم يبنون، فأي محاولة لتخطي التراث العلمي الزاخر وتلك الاجتهادات الفقهية، والمدونات العلمية، تحت دعوة التجديد والتطوير؛ إنما هي ضرب من المسخ لهذه الأمة، وتجريد لها عن سلفها الذين جمعوا بين فقه الواقع وفقه التنظير، وفواجهوا مستجدات عصرهم بالحلول الشرعية السليمة().

إن دراسة تاريخ الأمة الإسلامية، وأوضاع كل قرن له دورُهُ الفَعَّال في الاستفادة من تاريخ السابقين وتجاربهم حتى لا نقع في نفس الأخطاء التي وقعوا فيها، لأن عدونا قد أحسن قراءة تاريخنا، وأمسك بمفاصل الضّعف فينا، فأخذ يحرّكها كيف يشاء، وواقعنا خير شاهد على ذلك.
التركيز على الشخصيات التي كانت لها قدرات علمية كبيرة، وكانت متحرّرة من ربقة التقليد والجمود بحيث أثرت في واقعها التي عاشت فيه، إما بالجهاد القولي أو العلمي، وهذا ما لمسناه في شخصية الإمام القرافي وشيخه العز بن عبدالسلام، فالأول كان قائد حركة علمية جهادية كبيرة في مصر، والثاني جمع بين الجهاد باللسان والبنان ().
كل اجتهاد فقهي عار عن النظرة المصلحية والبعد المقاصدي ومرتكزات الواقع المعاش لا سبيل إلى التفاعل معه، لأنه أبعد ما يكون عن روح الشريعة ومقاصدها.
الخروج عن النمط التقليدي في الدّراسات الفقهية والأصولية وهذا ما لمسناه في فروق القرافي – حيث ابتدع نمطاً تعقيديا في الدراسات الفقهية، نلمسه من خلال تفريقه بين القواعد الفقهية في حّد ذاتها، لا بين الفروع الجزئية، وفي هذه العملية تظهر أسرار الشريعة ومقاصدها الكلية.
لقد جمع الإمام القرافي – رحمه الله – بين معارف عصره الفقهية، والأصولية، واللغوية والمادية والفلكية، بحيث أعطته زاد علمياً فاق به كثيراً من أقرانه وتحرّر من ربقة التقليد، وكانت فتاواه ملائمة ليسر التشريع وسماحته.
لم يكتف القرافي، بتقعيد القواعد الفقهية بل تعّداها إلى تقعيد القواعد الأصولية والمقاصدية، واللغوية والمنطقية وتفعيل هذه القواعد في عملية الاجتهاد والاستنباط.
في التكوين العلمي لشخصية القرافي، نلمس التحرّر من المذهبية الضيّقة، والعصبية الممقوته، وهذا ما نعيشه في عصرنا من الانفتاح على الثقافات المختلفة ومحاولة إلزام قوم بمذهب واحد إعنات لهم، فلا بأس من الأخذ من المذاهب السنية – شرط أن يكون الأخذ له أهلية الأخذ والترجيح حتى لا تختلط الأحكام وتتسيب الفتاوى().
استخلاص القواعد الفقهية، واستخراجها من بُطون الموسوعات الفقهية وإفرادها بالدّراسة والتدليل لها وإيراد المستثنيات منها، يسهل على الباحث الإطلاع على الفروع الفقهية في كل مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة.
أهمية إدراج علم الفروق في المناهج الدّراسية، لطُلاب التخصصات الشرعية، لأنه يجمع بين التقعيد والتفريع والتقصيد ().

وفاة القرافي: بعد حياة حافلة بالتدريس والتعليم والتأليف، توفي شهاب الدين القرافي – رحمه الله – بدير الطين؛ وهي قرية على شاطئ النيل قرب الفسطاط بظاهر مصر وكان ذلك سنة 684ه على أرجح الأقوال ولنا عودة مع القرافي في حديثنا عن الصراع الثقافي في عهد الحروب الصليبية، بإذن الله تعالى.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق