إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

358 موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين" الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب: سادسا:مؤلفاته: 8-الشيخ العز بن عبدالسلام وتطوير الفقه السياسي والعلاقات الدولية:



358


موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"

الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب

المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب:

سادسا:مؤلفاته:

8-الشيخ العز بن عبدالسلام وتطوير الفقه السياسي والعلاقات الدولية:

-ترابط العلاقات الدولية:

تقوم العلاقات الدولية المعاصرة على أساس فكرة الترابط أو التداخل أو التشابك والتي يرجع تفسيرها أساساً إلى حاجة أفراد المجتمع الدولي بعضهم لبعض، وإذا كان العز بن عبدالسلام لم يتحدث عن المجتمع الدولي صراحة إلا أن ذلك يمكن استنباطه مما قاله في الفقرة الآتية: أعلم أن الله تعالى خلق الخلق وأحوج بعضهم إلى بعض لتقوم كل طائفة بمصالح غيرها، فيقوم بمصالح الأصاغر الأكابر والأصاغر بمصالح الأكابر، والأغنياء، بمصالح الفقراء والفقراء بمصالح الأغنياء، والنظراء بمصالح النظراء، والنساء بمصالح الرجال، والرجال بمصالح النساء، والرقيق بمصالح السادات والسادات بمصالح الرقيق، وهذا القيام منقسم إلى جلب مصالح الدارين أو أحدهما أو إلى دفع مفاسدها أو أحدهما ().
- ضرورة تدرج العلاقات الدولية لبلد ما: نحن نعتقد أن العلاقات الدولية إذا كانت تتسم حالياً بصفة الشمولية أو الكلية إلا أنها – بالنسبة لبلد معين – يجب أن يتم تخطيطها في إطار ظروف هذا البلد وعلى ضوء إمكانياته ومقدراته، والنتيجة اللازمة والمترتبة على ذلك المفهوم هو منع التهور أو التخبط في رسم أو اتخاذ سياسة خارجية معينة، ولعل ذلك ما قصده الإمام ابن عبدالسلام حينما قرر أنه إذا اجتمعت المصالح فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح والأفضل فالأفضل ()، ويضرب لذلك أمثلة دولية من بينها:

أن الجهاد لو وجب في الابتداء لأباد الكفرة أهل الإسلام لقلة المؤمنين وكثرة الكافرين.
أن القتال في الشهر الحرام لو أحل في ابتداء الإسلام لنفروا منه لشدة استعظامهم لذلك وكذلك القتال في البلد الحرام كل ذلك دلالة قاطعة على أنه لا يجوز تقرير شيء أو اتخاذ قرار إلا على ضوء البيئة التي سيطبق فيها ومع مراعاة كافة الظروف والمواقف وأن اتخاذ قرار في إطار العلاقات الدولية قد تحتم الظروف ضرورة تدرجه ().
نظرية الضرورة: تعتبر حالة الضرورة من المبادئ المسلم بها في إطار النظرية العامة للقانون وهي مبدأ مطبق في مختلف النظم القانونية، بما في ذلك النظام القانوني الدولي ()، فالضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلباً لمصالحها، ذلك أنه إذا اجتمعت المفاسد مع تعذر درئها جميعاً درأنا الأفسد فالأفسد والأرذل فالأرذل ويضرب الإمام عز الدين بن عبدالسلام مثالاً لذلك بما جرى في إطار العلاقات الدولية أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص صلح الحديبية : فإن قيل لم التزم في صلح الحديبية إدخال الضيم على المسلمين وإعطاء الدنية في الدين؟ قلنا : التزام ذلك دفعاً لمفاسد عظيمة وهي قتل المؤمنين والمؤمنات فاقتضت المصلحة إيقاع الصلح على أن يرد إلى الكفار من جاء منهم إلى المؤمنين وذلك أهون من قتل المؤمنين الخاملين().

ج- أسس العلاقات بين المسلمين وغيرهم مع الأعداء في تقدير الإمام عز الدين بن عبدالسلام:

تحدث الإمام عز الدين بن عبدالسلام عن بعض الأسس التي تحكم العلاقة بين المسلمين وغيرهم وأهم هذه الأسس ما يلي:
- الجزية: اتهم كثير من غير المسلمين الإسلام بأنه دين يهدف إلى تقرير أمور مالية على غير المسلمين تعتبر وسيلة لإجبارهم على الدخول فيه؛ ومن بين هذه الوسائل الجزية التي يدفعها أهل الكتب السماوية ويعتبر ما قال الإمام ابن عبدالسلام في هذا الصدد رداً حاسماً : ولا تؤخذ الجزية عوضاً عن تقريرهم على الكفر، وشتمه ونسبته إلى مالا يليق بعظمته، ومن ذهب إلى ذلك فقد أبعد، وإنما الجزية مأخوذة عوضاً عن حقن دمائهم وصيانة أموالهم وحرمهم وأطفالهم، مع الذب عنهم إن كانوا في ديارنا، وليست مأخوذة عن سكن دار الإسلامُ إذ يجوز عقد الذمة مع تقريرهم في ديارهم ().

- مراعاة القواعد الإنسانية:

تلعب قواعد القانون الدولي الإنساني الآن دوراً هاماً في إطار المنازعات المسلحةن باعتبار أنها تهدف إلى تجنيب المشتركين فيها أو الذُين قد يتورطون، بطريقة أو بأخرى في إرتكابها أو يتعرضون لويلاتها، لمظاهر المعاناة غير المفيدة باعتبار أنهم في النهاية كائنات بشرية يجب احترام آدميتها لذلك يقرر مثلاً الإمام عز الدين بن عبدالسلام: إذا اختلط قتلى المسلمين بقتلى الكفار فإنا نغسل الجميع ونكفنهم توسلاً إلى إقامة حقوق المسلمين من الغسل والدفن والتكفين، وكذلك إذا تعارضت شهادتان في كفر الميت وإسلامه فإنا نغسـله ونكفنـه ونصلي عليه وندفنه في قبور المسلمين ().

ويضيف الإمام في موضع آخر عدم جواز قتل غير المشاركين في الحرب إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة فيقول: قتل الكفار من النساء والمجانين والأطفال مفسدة، لكنه يجوز إذا تترس بهم الكفار بحيث لا يمكن دفعهم إلا بقتلهم ().

- أسرى الحرب:

غالباً ما يترتب على الحرب وقوع أسرى من الجانبين أو على الأقل من جانب واحد، ودائماً ما تبذل محاولات من أطراف محايدة لحمل الأطراف المتحاربة على إجراء عمليات تبادل الأسرى بالعدد وفي المكان المتفق عليه، وللإمام عز الدين بن عبدالسلام رأي في هذا الصدد، إذ يقول: وقد تجوز المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصيان لا من جهة كونه معصية، بل من جهة كونه وسيلة إلى مصلحة وله أمثلة منها ما يبذل في افتكاك الأسارى فإنه حرام على آخذيه مباح لباذليه وليس هذا على التحقيق معونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصيان وإنما هو إعانة على درء المفاسد، فكانت المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصيان فيها تبعاً لا مقصوداً ().

ح- استيلاء الأعداء على إقليم من أقاليم المسلمين:

- أثر تصرفات سلطة الاحتلال في مجال الإدارة والقضاء:

من آثار الحرب المحتملة قيام أحد الطرفين بالاستيلاء على جزء من إقليم الطرف الآخر، وقد يقوم المحتل بإجراء تغييرات في الإدارة والقضاء والتشريع بما يتفق ونزعته الإحتلالية وبما يضمن له الإستقرار والولاء وقد عالج الإمام عز الدين أحد المظاهر بقوله: ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء، لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر، إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشرع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها، وفي ذلك احتمال بعيد().

- موقف ابن عبدالسلام من احتلال إقليم مسلم:
قدم العز بن عبدالسلام سلطان العلماء سنة 639ه إلى مصر من دمشق بسبب أن سلطانها الصالح إسماعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف، فأنكر عليه الشيخ عز الدين وترك الدعاء، له في الخطبة، وساعده في ذلك الشيخ جمال الدين أبو عمر المالكي، فغضب منهما السلطان، فخرجا إلى الديار المصرية، فأرسل السلطان إلى الشيخ عز الدين وهو في الطريق قاصد يتطلف به في العودة إلى دمشق، فاجتمع به ولاينه، وقال له : ما نريد منك شيئاً إلا أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير، فقال له الشيخ: يا مسكين، ما أرضاه يقبل يدي فضلاً عن أن أقبل يده يا قوم أنتم في واد وأنا في واد والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به ().

- ضرورة الإنشغال بالأعداء وعدم محاربة المسلمين: هناك موقف آخر مشهور للعز بن عبدالسلام يتمثل في المبدأ القاضي بضرورة: الإنشغال بالأعداء، ومحاربتهم بدلاً من الإلتفات للمسلمين ومعاداتهم، ذلك أنه لما مرض الملك الأشرف من بني أيوب أرسل للشيخ يتحلل ويسأله أن يعوده ويوصيه بما ينفعه، فأنعم الشيخ وكان السلطان قد وقعت بينه وبين أخيه الكامل وحشة فأمر وهو في مرضه أن ينصب دهليزه صوب مصر: فقال الشيخ للسلطان: إن الملك الكامل أخوك الكبير ورحمك وأنت مشهور بالفتوحات، والتتار قد خاضوا بلاد المسلمين فتترك ضرب دهليزك إلى أعداء الله وأعداء الإسلام وتضربه صوب أخيك؟ غير الحال ولا تقطع رحمك وانو مع الله نصر دينه، وإعزاز كلمته فإن منّ الله بعافيتك رجونا من الله إدالتك على الكفار وكانت في ميزانك هذه الحسنة العظيمة، وإن قضى الله بانتقالك كان السلطان في خفارة نيتك، فقال جزاك الله خيراً عن إرشادك ونصيحتك، وأمر بنقل دهليزه صوب التتر ().

س- حقوق الإنسان عند الإمام ابن عبدالسلام: تعرض الإمام ابن عبدالسلام للعديد من مسائل حقوق الإنسان، يمكن أن تجمعها في أمرين؛ مسؤولية السلطة الحاكمة، وأنواع حقوق الإنسان.

- مسؤولية السلطة الحاكمة: يقول ابن عبدالسلام: وأما ولاة السوء وقضاة الجور فمن أعظم الناس وزراً وأحطهم درجة عند الله لعموم ما يجري على أيديهم من جلب المفاسد العظام ودرء المصالح الجسام، وإن أحدهم ليقول الكلمة الواحدة، فيأثم بها ألف إثم وأكثر على حسب عموم مفسدة تلك الكلمة، وعلى حسب ما يدفعه بتلك من مصالح المسلمين، فيالها من صفقة خاسرة وتجارة بائرة (). ويشير ابن عبدالسلام إلى أمر هام يعاجل نفوس كثير من الحكام وهو وقوعهم في المظالم فيحثهم على فعل العدل وترك الظلم حيث ابن عبدالسلام: أن ما فوتوه من الأموال مضمون عليهم في الدين، فإن فنيت حسناتهم طرح عليهم من سيئات من ظلموه وكذلك الحكم في الدماء والإبضاع والأعراض وفيما أخروه من الحقوق التي يجب تقديمها أو قدموه من الحقوق التي يجب تأخيرها فقد قال رب العالمين : "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً".

- تقسيمات الحقوق والأمور التي تتعلق بها:

يقسم ابن عبدالسلام حقوق الرب وحقوق العباد أقسام : أحدها متساوي وثانيها متفاوت، والثالث مختلف في تساويها وتفاوتها.
- فقد تطرق إلى تقديم حقوق بعض العباد على بعض لترجيح التقديم على التأخير في جلب المصالح ودرء المفاسد، مثال ذلك تقديم نفقة زوجه وكسوتها وسكناها على نفقة أصوله وكسوتهم وسكناهم.
- وأشار ابن عبدالسلام أيضاً إلى حالة التساوي في حقوق العباد، فيتخير فيه المكلف جمعاً بين المصلحتين ودفعاً للضررين، مثال ذلك التسوية بين الزوجات في القسم والنفقات وتسوية الحكام بين الخصوم في المحاكمات().
- وأشار كذلك إلى تقديم حقوق الرب على حقوق عباده إحساناً إليهم في أخراهم، مثال ذلك التغرير بالنفوس والأعضاء في قتال من يجب قتاله.
- وأشار أيضاً إلى تقديم بعض حقوق العباد على حقوق الرب رفقاً بهم في دنياهم، كالأعذار المجوزة لقطع الصلوات ولترك الجهاد ().

وتعرض ابن عبدالسلام لأمور أخرى تتعلق بحقوق الإنسان منها:
- قاعدة لا يجوز تعطيل الإنسان عن منافعه وأشغاله إلا ما استثنى كاستدعاء الحاكم للمدعي بناء على طلب خصمه، أو استدعائه للشهود().
- ويقول ابن عبدالسلام: إنما شرعت القرعة عند تساوي الحقوق دفعاً للضغائن والأحقاد، وللرضا، بما جرت به الأقدار وقضاء الملك الجبار ()، وتعليقاً على قوله تعالى: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" يقول ابن عبدالسلام: وإذا كان هذا في حقوق اليتيم فأولى أن يثبت في حقوق عامة المسلمين فيما يتصرف فيه دائماً من الأموال العامة، لأن اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوفر وأكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة().

- قواعد ومبادئ أخرى قررها ابن عبدالسلام: يمكن إيجاز بعض القواعد والمبادئ التي قررها ابن عبدالسلام، والتي يمكن الاستفادة منها في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية، كما يلي:

- قاعدة: وأما مصالح الدنيا وأسبابها، ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته، ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحها ومرجوحها، فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن المسرع لم يرد به ثم يبني عليه الأحكام فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك، وبذلك تعرف حسن الأعمال وقبحها.

- الإمام والحكم: إذ أتلف شيئاً من النفوس أو الأموال في تصرفها للمصالح فإنه يجب على بيت المال دون الحاكم والإمام ودون عواقلهما لأنها لما تصرفا للمسلمين صار كأن المسلمين هم المتلفون ولأن ذلك يكثر في حقهما فيتضررون به ويتضرر عواقلهما..

- ويرى ابن عبدالسلام: أن من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحهما على مفاسدها؛ وجوب إجارة رسل الكفار مع كفرهم، لمصلحة ما يتعلق بالرسالة من المصالحة الخاصة والعامة، ولعل ابن عبدالسلام يكون – بهذه القاعدة الأخيرة، قد أشار إلى مبدأ حصانة وحرمة السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين وهو مبدأ استقر عليه القانون الدولي المعاصر ().

هذه بعض الخطوط العريضة فيما يتعلق في جهد الشيخ عز الدين في تطوير قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق