إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

363 موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين" الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب: ثامناً:أهم صفات العز بن عبدالسلام:


363

موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"

الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب

المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب:

ثامناً:أهم صفات العز بن عبدالسلام:

تميزت شخصية الشيخ عز الدين بن عبدالسلام بمجموعة من الصفات من أهمها:

1-الشجاعة:

من الصفات التي لازمت العز بن عبدالسلام طيلت حياته الشجاعة في الحق ذلك لأنه كان مع الحق يدور حيث دار، وما قصته مع نائب السلطان عندما عزم على بيع المماليك إلا دليل ساطع على شجاعته، وجرأته وأنه لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يخشى سلطانا، ولا يهاب الموت في سبيل الله وقد ذكر ابن السبكي: أن جماعة من المفسدين قصدوه في ليلة معتمة وهو في بيت عالم في بستان متطرف عن البساتين وأحاطوا بالبيت، فخاف أهله خوفاً شديداً، فعند ذلك نزل إليهم، وفتح باب البيت، وقال: أهلاً بضيوفنا، وأجلسهم في مقعد حسن، وأخرج لهم ضيافة حسنة فتناولوها وطلبوا منه الدعاء، إذ كان مهيباً له موقع حسن في القلوب فهابوه وعصم الله أهله وجماعته منهم بصدق نيته وكرم طويته وانصرفوا عنه ()ومن المواقف التي تدل على شجاعته.

- إنكاره على الملوك التنازل عن ديار المسلمين وعقد الصلح مع الصليبيين المعتدين:

لما تحالف الصالح إسماعيل مع الصليبيين، وأسلمهم قلعة صفد وقلعة الشقيف، وصيدا، وبعض ديار المسلمين؛ ليساعدوه على الصالح نجم الدين أيوب، حاكم مصر، لأن الصالح إسماعيل خاف منه، فكاتب الفرنجة، ليساعدوه ضد ابن أخيه حاكم مصر، فكان الثمن تسليم ديار المسلمين، وتطبيع العلاقات وفتح الحدود، فدخل الصليبيون دمشق ()وكان ذلك في عام 638ه وزيادة على ذلك أذن الصالح إسماعيل للصليبيين بدخول دمشق لشراء السلاح لقتال المسلمين في مصر، وهذه خيانة عظمى، واستسلام ذليل، وخروج عن الدين والشرع، وجاء دور الشيخ العز الذي يغضب لله، وينتصر لدينه، ويدافع عن أرض الإسلام وحقوق المسلمين، ويجاهر بالنهي عن المنكر لا يخشى في الله لومة لائم، وتصدى كالأسد الهصور للمواجهة والنزال، وشق عليه ما حصل مشقة عظيمة وبدأت الجولة الأولى باستفتاء الشيخ العز في مبايعة الفرنج للسلاح، فقال: يَحْرم عليكم مبايعتهم، لأنكم تتحققون أنهم يشترونه، ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين، ثم صعد الشيخ العز منبر المسجد الأموي الكبير، وذمَّ موالاة الأعداء، وقبّح الخيانة وذمَّ الأعمال المشينة التي حصلت، وشنَّع على السلطان، وقطع الدعاء له بالخطبة وصار يدعو أمام الجماهير بما يوحي بخلعه واستبداله، ويقول: اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رَشَداً، تُعِزّ فيه وليَّك وتذل فيه عدوك وُيعمل فيه بطاعتك ويُنهى فيه عن معصيتك والناس يبتهلون بالتأمين والدعاء للمسلمين، والنصر على أعداء الله الملحدين (). وكان الملك الصالح إسماعيل خارج دمشق، فلما وصله الخبر أحسَّ بالخطر الذي يحدق به والثورة المتوقعة عليه، فسارع إلى إصدار الأمر الكتابي بعزل الشيخ العز من الخطابة والإفتاء وأمر باعتقاله، واعتقال الشيخ ابن الحاجب المالكي الذي شاركه الأنكار على فعل السلطان ولما قدم إسماعيل إلى دمشق أفرج عنهما، وألزم الشيخ العز بملازمة داره، وألا يفتي ().

- العز يرفض المساومة، ولو قبَّل السلطان يده:

توجه الصالح إسماعيل إلى مصر، تحرسه الجيوش الصليبيةَّ الحاقدة، ليحارب الصالح أيوب، وكأنه تأسف لإطلاق الشيخ وأوجس في نفسه خيمته، فأرسل إلى سلطان العلماء بعض أعوانه وأمره أن يستنزله على وجه السياسة في زعمه، ليقع منه مداهنة، ولو في بعض الأوقات أو في بعض الأحوال، فقال السلطان لرسوله : تتلطَّف به غاية التلطَّف، وتستنزله وتعده بالعودة إلى مناصبه على أحسن حال؛ فإن وافقك فتدخل به علي، وإن خالف، فاعتقله في خيمنه إلى جانب خيمتي، فلما اجتمع رسول السلطان مع سلطان العلماء، شرع في مسايسته وملاينته، ثم قال له : بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة، أن تنكسر للسلطان وتقَّبل يده لاغير. فقال له: يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدي، فضلاً أن أقبَّل يده، ياقوم، أنتم في وادٍ، وأنا في واد والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، فقال له: قد رسم لي إن لم تُوافق على ما يطلب منك وإلا اعتقلتك فقال: فعلوا ما بدا لكم، فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان ()، فأخذ سلطان العلماء – رحمه الله – يقرأ القرآن، والسلطان يسـمع، فقال يوماً لملوك الصليبيين : أتسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن؟ قالوا: نعم. قال السلطان – هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته، لإنكاره علي تسليمي لكم حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق، وعن مناصبه، ثم أخرجته، فجاء القدس وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم (). فقال ملوك الفرنجة: والله لو كان هذا قسيسنا؛ لغسلنا رجليه، وشربنا مرقتها ()ولله در القائل:


ومَن يَهُن يَسْهُلُ الهوان عليه
              
    ما لِجُرحٍ بميَّتٍ إبلام
   

ثم جاءت الجيوش الإسلامية من مصر، ففرَّقوا عساكر الصليبيين، ونصر الله أهل طاعته، وخذل المنافقين، ونجّى الله الشيخ من كيد الشيطان وحزبه، ودخل مصر ()آمناً.

- نصحه للملوك:

 دخل سلطان العلماء العز بن عبدالسلام يوم العيد القلعة، والسلطان نجم الدين أيوب بن الكامل في زينته، وجنوده بين يديه، وأمراء الدولة تقبَّل الأرض له؛ فالتفت سلطان العلماء إليه منادياً باسمه المجرَّد : يا أيُّوبُ؛ ما حُجَّتُك عند الله، إذا قال لك: ألم أُبَوَّئ لك مصر، تبيح الخمور؟ فتجاهل أيوب حقيقة السؤال تجاهل العارف وتنمُّرَ المريب قائلاً: هل جرى هذا ؟ فرفع الشيخ عز الدين بن عبدالسلام صوته: نعم، الحانة الفلانية يُباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة. فقال: سَّيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمن أبي، فأجابه الشيخ عز الدين: أنت من الذين يقولون : "إنا وجدنا آباءنا على أمة ويتسلل الرعب إلى نفس السلطان؛ فيرسم بإبطال بتلك الحانة وبدأ الناس يتساءلون عن سر هذه الجرأة ويوجَّه هذا الاستغراب والتساؤل إلى سلطان العلماء على لسان تلميذه الباجي:


يا سيدي؛  كيف الحال؟ فقال الشيخ – رحمه الله :

 يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينهُ، لئلا تكبر نفسه، فتؤذيه فقال تلميذه، أما خفته؟ قال الشيخ والله يا بني، استحضرت هيبة الله، فصار السلطان قدَّامي كالقط ().

- سلطان العلماء وبيع الأمراء في المزاد:

رأى سلطان العلماء أن المماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب ودفع ثمنهم من بيت مال المسلمين، واستعملهم في خدمته وجيشه، وتصريف شؤون الدولة يمارسون البيع والشراء وهو تصرف باطل؛ لأن المملوك لا ينفذ تصرفه، فأخذ سلطان العلماء لا يمضي لهم بيعاً ولا شراءً فضايقهم، ذلك وشجر بينهم وبينه كلام حول هذا المعنى فقال لهم بائع الملوك : أنتم الآن أرقَّاء لا ينفذ لكم تصرف، وإن حكم الرق مستصحب عليكم لبيت مال المسلمين، وقد عزمت على بيعكم فاحتدم الأمر، وبائع الملوك مصمَّم، لا يصحَّح لهم بيعاً ولا شراءً ولا نكاحاً، فتعطلت مصالحهم، وكان من جملتهم نائب السلطان الذي اشتاط غضباً، واحمر أنفه، فاجتمع مع شاكلته، وأرسلوا إلى بائع الملوك فقال: نعقد لكم مجلساً، ويُنادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع، فخرجت من السلطان كلمة فيها غلظة، حاصلها الإنكار على الشيخ – رحمه الله – في دخوله في هذا الأمر، وأنه لا يتعلق به (). وهنا أدرك الشيخ العز أن أعوان الباطل تمالؤوا عليه، ووقفوا في وجه الحق وتطبيق الشرع، وتنفيذ الأحكام التي لا تفرق – في الدين – بين كبير وصغير، وحاكم ومحكوم وأمير ومواطن فلجأ إلى سلاحه الضعيف الباهت في ظاهره، القوي الفعال المدمر في حقيقته وجوهره وسنده، وأعلن الإنسحاب وعزل نفسه عن القضاء وقرر الرحيل عن القرية الظالم أهلها، والتي ترفض إقامة شرع الله، ونفذ العز قراره فوراً، وحمل أهله، ومتاعه على حمار، وركب حماراً آخر، وخرج من القاهرة، وما أن انتشر الخبر بين الناس في مصر، حتى تحركت جموع المسلمين وراءه، فلم تكد امرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤبه إليه يتخلف، ولاسيما العلماء، والصالحين، والتجار، وأمثالهم ولسان حالهم يقول : لا خير في مصر إن لم يكن فيها العز بن عبدالسلام وأمثاله، القائمون بالكتاب والسنة، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، المجاهدين في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، ولا شماته شامت ورُفِعَت التقارير حول هذه الظاهرة إلى القاهرة، وكانت التوصيات : متى راح ذهب ملكك فركب السلطان بنفسه، ولحقه واسترضاه، وطيبَّ قلبه، فرجع بشرط أن يُنادي على ملوك مصر وأمرائها ويبيعهم، فأرسل إليه كبيرهم – نائب السلطان – بالملاطفة والشيخ لم يتغير؛ لأنه يريد إنفاذ حكم الله، عندئذ، انزعج نائب السلطان، وأصدر قراره بتصفية الشيخ جسدياً وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبُيعنا ونحن ملوك الأرض، والله لأضربنَّه، بسيفي هذا، بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ، والسيف في يده صلتاً، فطرق الباب فخرج إليه ولد الشيخ، فرأى أمراً جلداً، فعاد إلى أبيه، وأخبره الحال، فقال بائع الملوك ممتلئاً، إيماناً بربه؛ قائلاً لولده: يا ولدي : أبوك أقلُّ من أن يُقْتل في سبيل الله، فلما رآه نائب السلطان؛ اهتزت يده وارتعدت فراصه وسقط أرضا، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعوا له قائلاً:

يا سيدي ! خيرا، أي شيء العمل؟ فقال الشيخ: أنادي عليكم وأبيعكم. قال نائب السلطان: ففيم تصرف ثمننا ؟ قال الشيخ: في مصالح المسلمين. قال نائب السلطان: من يقضيه؟ قال الشيخ: أنا. وأنفذ الله أمره على يد الشيخ – رحمه الله – فباع الملوك منادياً عليهم واحد تلو الآخر، وغالى سلطان العلماء في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير التي تعود بالنفع على البلاد والعباد ().

ومن هنا عرف الشيخ العز، بأنه "بائع الملوك" واشتهر أمره في الآفاق، وسجل له التاريخ موقفاً فريداً لم يشهده العالم أجمع، وعلا صوت الحق، وعزَّ العلماء، وتمّ تطبيق شرع الله تعالى، وهزم الباطل وطاشت سهام السلطة والقوة المادية، أمام سلطان الله تعالى، وأحكامه، وصدق على العز حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ()، وعاد العز إلى عرينه في كنف الله تعالى ورعايته، وهو القائل: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خّوان كفور" (الحج، آية: 38) والقائل : "والله غالب على أمره، ولكـن أكثر الناس لا يعلمون"(يوسف، آية 21).

العز يهدم قاعة المنكر، ويسقط عدالة الوزير:

لم تمض سنة واحدة على حادثة بيع الأمراء في المزاد العلني حتى وصل إلى علم الشيخ عز الدين ما فعله أستاذ الدار عند السلطان، وهو ما يعادل اليوم "كبير أمناء الملك أو الرئيس"، وهو معين الدين بن شيخ الشيوخ، والذي كان يجمع إلى منصبه، اختصاصات الوزير، وقائد الجيش في المعارك وفتح دمشق لكنه كان متحللاً وعابثاً ومعتداً بقوته ومنصبه، ولذلك تجرأ على منكر كبير، يخالف أحكام الدين ويسخر بالشرع، ويسيء إلى مشاعر المسلمين، فبنى فوق أحد مساجد القاهرة طبلخانة أي قاعة لسماع الغناء والموسيقى وذلك سنة 640ه وما أن ثبت ذلك عند الشيخ العز وهو يتولى منصب قاضي القضاة، حتى غضب لله تعالى وإهانة بيت الله، وإعلان المنكر، وإرتكاب الفواحش، وأصدر أمره بهدم البناء، ولكنه خشي من جبن الناس في التنفيذ، أو المعارضة في الهدم، فقام بنفسه، وجمع معه أولاده والموظفين عنده، وذهب إلى المسجد، وحمل معوله معهم، وقاموا بإزالة المنكر، وهدم البناء المستحدث فوق المسجد، ولم يكتف العز بهذا التحدي للوزير والسلطان معاً، بل أسقط عدالة الوزير بما يعني عدم قبول روايته وشهادته، وعزل نفسه عن القضاء، حتى لا يبقى تحت رحمة السلطان، وتهديده بالعزل أو غيره وكان لهذا العمل دوي هائل، أثر عجيب، وتنفس الناس الصعداء من تسلط الحكام، وإرتكاب المخالفات وممارسة التجاوزات الشرعية، ولم يجرؤ أحد أن يمس الشيخ العز بسوء، بل أدرك السلطان نجم الدين أنّ الحق مع الشيخ وتلطف معه للعودة إلى القضاء ولكن الشيخ أصر على ذلك، وظن الوزير رسمياً وشعبياً في ذلك، وأن كلام الشيخ العز سيذهب مع الرياح، ولكن الواقع غير ذلك، وطار الخبر في الآفاق حتى وصل إلى الخليفة في بغداد وأخذ صداه الواسع في العالم الإسلامي ()قال السبكي: واتفق أن جهزّ السلطان الملك الصالح رسولاً من عنده إلى الخليفة المستعصم ببغداد، فلما وصل الرسول على الديوان، ووقف بين يدي الخليفة، وأدى الرسالة، خرج إليه وسأله: هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال: لا ولكن حملنيّها عن السلطان معين الدين ابن شيخ الشيوخ استاذ داره، فقال الخليفة: إن المذكور  أسقطه ابن عبدالسلام فنحن لا نقبل روايته فرجع الرسول إلى السلطان بمصر حتى شافهه بالرسالة، ثم عاد إلى بغداد وأدَّاها ().

- معارضته لشجرة الدر سلطنتها على مصر:

قال ابن إياس فلما وقع الاتفاق على سلطنتها حضر القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز، وبايعها بالسلطنة على كره منه، قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام: لما تولت شجرة الدر على الديار المصرية، عملت في ذلك مقامه، وذكرت فيها بماذا ابتلى الله به المسلمين بولاية امرأة عليهم، وكانت سـلطنتها يوم الخميس ثاني صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة ()، وفي هذا رد على من يزعم بأنه لا أحداً من علماء الدين لم يبد اعتراضاً على ذلك()وسيأتي الحديث عن حكم تولي المرأة للسلطنة في كتابنا القادم بإذن الله تعالى عن المماليك.

- في حرب التتار وفتاويه الشجاعة:

ومن مواقفه رحمه الله : في حرب التتار الذين داهموا البلاد الإسلامية ودمروا بغداد، وأبادوا المسلمين وعظم خطرهم على العالم الإسلامي وجبن الناس عن ملاقاتهم وحربهم، وخاف أهل مصر، وضاقت بالسلطان وعساكره الأرض، عندها تدخل الشيخ رحمه الله وبث الهمة في نفوس الناس وذكرهم بضرورة الجهاد، وعندما استشاره السلطان قطز بأمر المملكة وحرب التتار قال رحمه الله: أخرجوا وأنا ضامن لكم على الله النصر، فقال السلطان له: إن المال في خزانتي قليل، وأنا أريد أن أقترض من أموال التجار ما استعين به على قتال التتار ()، وكان في مجلس السلطان كبار العلماء والفقهاء والقضاة فكان الرأي ما ذهب إليه ابن عبدالسلام حيث قال: إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على الإمام قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة، والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوب وسلاحه ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقائه في أيدي الجند من الأموال والآلآت الفاخرة فلا (). فنفذ الملك والأمراء والجند فتوى العز وامتثلوا أمره، فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم، وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئاً في الباطن، ولما جمعت هذه الأموال وضربت سكت ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش، ولم تكف هذه الأموال نفقة الجيش أخذ السلطان قطز ديناراً واحداً من كل رجل قادر في مصر، فجمع بذلك الأسلوب الفريد المال الحلال الذي لا ظلم ولا عدوان فيه، ومع الاستعداد النفسي الذي قام به العـز واخوانه من العلماء تنزَّل نصر الله على عباده المؤمنين، وهزم الله التتار في عين جالوت سنة 658ه (). ومن أساب النصر شعور الناس بقيمة العدل التي ساهمت في جعل روح جديدة تسري في كيان الشعب المسلم تحت قيادة السلطان قطز، من خلال الفتاوى الفذة التي أفتى بها الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وهكذا كانت مواقف العز بن عبدالسلام من حكام عصره، في حياته المديدة كلها آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، صادعاً بالحق، حرباً على الباطل وأهله عاش أحداث عصره فأثر به وتفاعل معها، وتأثر بها، فجاهد باليد، كما جاهد بالقلم واللسان، حتى كتب اسمه بأحرف من نور في سجل الخالدين، وترك خلفه مدرسة غنية لكل باحث وسيرة عبقة يقتدي بها الباحثون عن الحق وأنصار الشرع، والعدالة ().


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق