إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

399 موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين" الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب المبحث الرابع:الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية: ثالثا:مناقشة عقائد النصارى: 3-مناقشة قولهم في المسيح عليه السلام:


399

موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"

الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب

المبحث الرابع:الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية:

ثالثا:مناقشة عقائد النصارى:

3-مناقشة قولهم في المسيح عليه السلام:

أ-إبطال التثليث:

إتخذ النصارى المسيح عليه السلام إلهاً بجعله واحداً من ثلاثة وقد بدأ بذرة التثليث في النصرانية بولس، بعد المسيح عليه السلام، حيث استقرت فرقها المختلفة على هذه العقيدة بعد ذلك في مجمع نيقية عام 325م بتأليه الأب وتأليه الابن، ثم تأليه روح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381م، وعرفت هذه العقيدة بالتثليث. وكان النصارى قبل مجمع نيقية مختلفين بين موحدين ومشركين على ديانة بولس حتى جمعهم قسطنطين ()، على الشرك بالله في هذا المجتمع ()، وإيمان النصارى بالتثليث سماعاً وتقليداً بما ورثوه عن آبائهم مع هدم الخوض في كنه هذه العقيدة أو التعمق فيها قال أحدهم: .. وهذه – أي التثليث – حقيقة تفوق الإدراك البشري عن إدراكها ()، وقال أحد القساوسة : إن الثالثوث سر يصعب فهمه وإدراكه كمن يحاول وضع مياه المحيط كلها في كفه ()ولهذا التعقيد في فهم عقيدة التثليث لدى النصارى اختلفوا في تحديدها وفي المراد منها ().

وقد عرض بعض العلماء المسلمين في عصر الحروب الصليبية عقيدة التثليث لدى النصارى كما يعتقدونها، حيث قال نصر بن يحي المتطبب : إن الله سبحانه وتعالى جوهر واحد وثلاثة أقانيم الأب، وأقنـوم الابـن، وأقنـوم روح القـدس، وأنها – أي الذات الإلهية – واحدة في الجوهر مختلفة الأقانيم ()وقال القرافي في عرض عقيدة التثليث عند النصارى: ... النصارى مجمعون على القول بالثالوث، وهو أن ربهم أب، وابن، وروح فالأب الذات، والابن النطق الذي هو الكلام النفساني والروح الحياة، فالأب جوهر، واختلفوا في الكلام والحياة هل هما صفتان للأب أو ذاتان قائمتان بأنفسهما، أو خاصيتان لذلك الجوهر ()؟ وبعد عرض هؤلاء العلماء لعقيدة التثليث لدى النصارى تصدوا لمناقشتها وتفنيد أدلتهم عليها على النحو التالي:

- بيان فساد هذه العقيدة وكفر من يعتقدها ابتداءً :

ففي تفسير قوله تعالى : "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إلهٌ واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليَمَسَّسنَّ الذين كفروا منهم عذاب أليم* أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" (المائدة، الآية : 73 – 74). قال ابن عطيه بعد أن بين أن هذا القول لبعض فرق النصارى: .. وهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الإلهية عدداً ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكماً إلهياً .. ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه المقولة الكفرية العظيمة بمس العذاب بالدنيا من القتل والسبي، وبعذاب الآخرة بعد لا يفلت منه أحد ()وبعد أن وضع الرازي تثليث النصارى عقب لقوله: .. ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى ().

وقال الجعفري : .. عند النصارى ثلاثة ألهة قديمة أزلية ..وذلك باطل وكفر (). وقال القرطبي : .. وفيه – أي التثليث – خروج عن التوراة والإنجيل والمزامير والنبوات وسائر الكتب ().

- إيراد الأدلة من كتب النصارى على وحدانية الله : حيث ساق كثير من العلماء في معرض مناقشتهم للنصارى وإبطالهم لعقيدة التثليث لديهم الأدلة من التوراة والإنجيل التي تثبت وحدانية الله سبحانه وتعالى وتنقص التثليث الذي يعتقدونه، فمنها أورده الجعفري من ذلك قول الله في التوراة: يا موسى أنا الله أنا إله غيور، أنا الله وحدي، وليس معي غيري ().

وقوله لموسى عليه السلام: لا يكن لك إله غيري (). ومن الأدلة التي أوردها القرافي من التوراة على التوحيد وإبطال التثليث قول الله سبحانه وتعالى لبني إسرائيل: أنا الله ربكم الذي أخرجتكم من أرض مصر من بيت العبودية لا يكون لكم إله غيري (). ومن الإنجيل قول يوحنا: إن المسيح رفع بصره إلى السماء وتضرع إلى الله وقال: إن الحياة الدائمة تجب للناس أن يعلموا أنك أنت الله الواحد الحق، وأنك أرسلت يسوع المسيح ()، ثم علق القرافي على ذلك بقوله: وهذا هو التوحيد المحض ()

- إبطال عقيدة التثليث من خلال بيان اختلاف النصارى في تفسير هذه العقيدة اختلافاً شديداً، حتى أن بعض فرقهم تكفر البعض الآخر وفي مناقشة القرافي لذلك وضح أن اختلافهم في أصل ديانتهم دليل على أنهم ليسوا على دين، ولا في شيء من أمرهم على يقين ()وقال القرطبي في ثنايا عرضه لعقيدة التثليث لدى النصارى، وسياقه لاختلافاتهم فيها: .. وهم مع ذلك فيما ذكرناه من الأقاليم مختلفون، وبالحيرة عمون (). وقال: وإذا وقفت على هذه الأقاويل الضعيفة والآراء السخيفة لم تشك في تخبطهم في عقائدهم وحيرتهم في مقاصدهم ().

- إبطال عقيدة التثليث من خلال تفنيد أدلة النصارى عليها:

حيث عرض بعض العلماء المسلمين أمثلة من أدلة النصارى على عقيدة التثليث، بياناً لهشاشتها، وإيضاحاً لضعفها ومن ثم : إبطالاً لهذه العقيدة المعتمدة عليها ().

- بيان فساد عقيدة التثليث بالأدلة العقلية:

وقد توسع العلماء المسلمون في عصر الحروب الصليبية في إبطالة عقيدة التثليث من خلال طلبهم من النصارى عرض هذه العقيدة على العقل السليم المجرد من الهوى وتحكيمه فيها، وسيظهر لهم فساد ماهم عليه ومن ذلك أنه قد كتب أحد علماء النصارى في الأندلس كتاباً سماه – تثليث الوحدانية – وبعث به إلى المسلمين في قرطبة، فرد عليه القرطبي منتقداً عنوان الكتاب، وموضحاً، أن قوله: تثليث الوحدانية – مركب من مضاف ومضاف إليه، فالتثليث تعدد وكثرة والوحدانية مأخوذة من الوحدة، ومعناها راجع إلى نفي التعدد والكثرة، فمعنى هذا القول – تكثير مالا يتكثر – وتكثير مالا يتكثر باطل بالضرورة ()، وألزم الجعفري النصارى بلوازم لا مفر لهم منها في قولهم بالتثليث، فإن كانوا يقولون : إن الثلاثة بمجموعها إله واحد، وإن كل واحد على انفراده ليس بإله فإنهم حينئذ يخالفون أمانتهم التي هي أصل إيمانهم والتي يقولون فيها: إن الأب إله واحد، وإن الابن إله واحد، وإن روح القدس إله واحد (). وإن قالوا : إن الإله أحدهم والباقي صفات له أبطلوا ثالوثهم، وفسدت أمانتهم ووافقوا المسلمين في أن الإله تعالى واحد وله صفات من العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام، وإن شيئاً من الصفات ليس بإله وإنما الإله ذات موصوفة بالصفات ()، وإن أثبتوا الإلهية لكل واحد من الثلاثة فإنهم حينئذ كالثنوية من المجوس الذين يقولون بأصلين قديمين مدبرين للعالم، حيث وضع ابن الأنباري استحالة ذلك وأن الله سبحانه وتعالى بين هذا الأمر بقوله جلّ وعلى :" ولعلا بعضهم على بعض" (المؤمنون، آية: 91) وقوله سبحانه وتعالى ""لو كان فيهما، ءالهة إلا الله لفسدتا"(الأنبياء، آية: 23) ().


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق