إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 أغسطس 2014

377 موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين" الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب: عاشرا:التربية والآداب والتصوف عند العز بن عبدالسلام: 2-التصوف عند العز بن عبدالسلام:



377


موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"

الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب

المبحث الثالث:الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب:

عاشرا:التربية والآداب والتصوف عند العز بن عبدالسلام:

2-التصوف عند العز بن عبدالسلام:

اتفقت آراء العلماء والكتاب والمصنفين قديماً وحديثاً على معظم أخبار العز وصفاته وأحواله وكتبه، ولكنهم اختلفوا اختلافاً واسعاً في وصفه بالتصوف أو براءته منه، وتشعب القول في ذلك، لاختلاف الناس في حقيقة التصوف، ومشروعيته، واتفاقه مع الإسلام أو مخالفته، واختلاف صورته في التاريخ الإسلامي، ووجود الجذور الأصيلة لمعاينة في القرآن والسنة من جهة، وخلطه بالمصطلحات والمبادئ الدخيلة من جهة ثانية، والتستر وراءه من ذوي النوايا الخبيثة والماكرين والحاقدين من جهة ثالثة، وهل تتفق هذه الأحوال مع حياة العز ومواقفه وكتبه؟ وذهب معظم المؤرخين القدامى، وبعض المعاصرين إلى إثبات نسبة التصوف للعز، واتفاقه مع الكتاب والسنة، واستندوا إلى أدلة كثيرة، أهمها صلته بكبار علماء الصوفية في زمانه كأبي الحسن الشاذلي والسهروردي وحضور مجالسهم وقراءة كتب الصوفية وممارسته لبعض أعمالهم ()ونقل ابن السبكي : أن الشيخ عز الدين لبس خرقة التصوف من الشيخ السُّهروردي، وأخذ عنه وذكر أنه كان يقرأ بين يديه "رسالة القشيري" ثم السبكي: وقد كان للشيخ عز الدين لبس خرقة التصوف من الشيخ السُّهروردي، وأخذ عنه، وذُكر أنه كان يقرأ بين يديه "رسالة القشيري" ثم قال ابن السبكي: وقد كان الشيخ عز الدين اليد الطولى في التصوف وتصانيفه قاضية بذلك ()، وقال ابن العماد الحنبلي : وله مكاشفات، قال الذهبي: كان يحضر السماع، ويرقص ()، وقال السيوطي : وله كرامات كثيرة ولبس خرقة التصوف من الشهاب السُّهروردي، وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ويسمع كلامه في الحقيقة ويعظمّه () وذهب فريق من المعاصرين إلى نفي التصوف عن العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالى، وأن التصوف يتنافى مع عقلية العز الفكرية والاجتهادية، القائمة على إعمال العقل في النصوص، وتتعارض مع سيرة العز في الحياة ومواقفه وفتاويه وكتبه ومصنفاته، ومما يؤيد أصحاب هذا الرأي ما صدر عن العز رحمه الله تعالى من شدة وصراحة في بعض أمور التصوف، فمثلاً قوله عن بعض الدخلاء: قد يتشبه بالقوم من ليس منهم ولا يقاربهم في شيء من الصفات وهم شر من قطاع الطريق، لأنهم يقطعون طرق الذاهبين إلى الله تعالى، وقد اعتمدوا على كلمات قبيحة (). ويندد العز رحمه الله بكثير من اصطلاحات الصوفية والرموز التي يستعملها المتصوفة ويُشكل ظاهرها، ويخفي باطنها فيقول: ولهم ألفاظ يستطعمها سامعها منها: التحلي، وهو عبارة عن العلم والعرفان وكذلك المشاهدة ومنها الذوق، وهو عبارة عن وحدات لذة الأحوال ووقع التعظيم والإجلال، ومنها الحجاب، وهو عبارة عن الجهل والغفلة والنسيان، ومنها قولهم : قال لي ربي، وإنما ذلك عبارة عن القول بلسان الحال دون لسان المقال، كما قالت العرب: امتلأ الحوض ومنها قولهم، القلب بيت الرب، ومعناه القلب بيت معرفة الرب، شبهوا حلول المعارف بالقلوب بحلول الأشخاص في البيوت، ومنها: القرب، وهو عبارة عن الأسباب الموجبة للأبعاد ومنها: المجالسة، وهو عبارة عن لذة يخلقها الرب سبحانه وتعالى مجانسة للذة الأنس، وبمجالسة الأكابر ()، ويقول: الفناء الناشيء عن الاستغراق ببعض هذه الأحوال، وحقيقة الفناء غفلة وغيبة ()ويصل العز قمة الإنكار والاستهجان لما يصدر عن المتصوفة من الرقص والسماع فيقول: وأما الرقص والتصفيق فخفه ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن، أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرفض المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه، وذهب قلبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم : خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ! ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يقتدي بهم يفعل شيئاً من ذلك، وإنما استحوذ الشيطان على قوم، يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل ولقد مالوا فيما قالوا، وكذبوا فيما أدعوا .. ومن هاب الإله وأدرك شيئاً من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل ولا يصدران من عاقل فاضل ()ولما سئل العز عن الإنشاد والتواجد والرقص والسماع أجاب: الرقص بدعة، لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء، وأما سماع الإنسان المحرك للأحوال السنية بما يتعلق بالآخرة، فلا بأس به، بل يندب إليه عند الفتور، وسامة القلوب وهذا شبيه بما يعرف في يومنا هذا بالأناشيد الإسلامية، لأن الوسائل إلى المندوب مندوبة والسعادة كلها في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واقتفاء أصحابه الذين شهد لهم بأنهم خير القرون، ولا يحضر السماع من قلبه هوى خبيث، فإن السماع يحرك ما في القلوب من هوى مكروه أو محبوب والسماع يختلف باختلاف السامعين والمسموع منهم وهم أقسام ().

إن العز بن عبدالسلام امتداد لمدارس التزكية السنية التي سبقه إليها كبار الصحابة وسادة التابعين، ومن أمثال الحسن البصري، ومالك بن دينار وأيوب السختياني واستمرت مدرسة التصوف السني إلى يومنا هذا، فهي تهتم بالورع والتقوى والزهد والثقة بالله والاعتماد عليه ودوام الصلة به، وشدة مراقبة العبد لربه في الخلوة والجلوة، والسر والعلن ولا يقصد إلا مرضاته في كل ما يصدر عنه ولقد ضرب العز بن عبدالسلام في عصره أروع الأمثلة لهذه المعاني الإسلامية الثابتة في القرآن والتي طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وعبادته وتربيته، وسار عليها معظم السلف الصالح وأولياء الله، وعبَّاده الأتقياء ويوافق عليها كل مسلم يزداد في هذا المحال وازداد في هذا المجال تعلقاً والتزاماً وقرباً وشوقاً كلما تقدمت به السن وعرف حقيقة الحياة وجرب ما فيها، وأيقن مصيره إلى لقاء الله وحسابه وجنته ورضوانه وهذه المعاني الإسلامية الثابتة والمهمة والجليلة يدعو إليها كل عالم عامل ومسلم صادق وداعية مخلص ومن هذا الإطار صنف العز كتبه التي وصفت من غيره وصُنَّفت بعنوان "كتب التصوف، كما كثرت هذه المعاني في سائر كتبه في التفسير والعقيدة والفقه وأصول الفقه، والتربية، وفضائل الأعمال، وفي الأخلاق والآداب، لأنها انعكاس عن سريرته وما يكنه في قلبه وما يلتزمه في حياته وسلوكه، كما أن المسلم الصادق يقدر من يتصف بهذه المعاني الإسلامية السامية ويحترم أشخاصهم ويتقرب منهم، ويثني عليهم، ومن هذا المنطلق نعلل احترام العز لمعاصريه من علماء التصوف كالسُّهروردي والشاذلي، وأبي العباس المرسي، وصداقته لهم، والتقاءه معهم، وحضور مجالسهم ومشاركتهم في بعض الجوانب التربوية والسلوكية، بل حتى في قبول الشارات الشكلية التي يتعلقون بها، ما دامت لا تخالف الكتاب والسنة، ومن هذا المنطلق نقبل جميع ما ذكره مترجمو العز باعتباره متصوفاً، وأنه كان يقرأ "رسالة القشيري" في التصوف، وأن له اليد الطولى في التصوف وتصانيفه قاضية بذلك، وإن أريد بالتصوف معناه الإصطلاحي، كمذهب وطريقه بحسب السائد والمعروف والمألوف في العصور المتأخرة، فنستطيع أن نجزم أن الشيخ العز لم يكن متصوفاً ولا صوفياً على الإطلاق ونستدل على ذلك بأمور كثيرة وواضحة، منها أن كتب العز الموسومة بالتصوف هي بذاتها إما للرد على المفاهيم الباطلة التي تسربت باسم الصوفية إلى الإسلام، فهدم العز وجودها ونسبتها إلى الدين والإسلام كالقطب والأبدال، وإما لتقريب المتصوفة إلى الطريق الصحيح والإيمان السليم، والعمل بالشرع، مثل كتابه "مسائل الطريقة" إن صحت نسبته إليه، فلعله أراد أن يأخذ بيدهم – وهو يحبهم ويحترمهم – إلى الطريق الأقوم، والمنهج السديد، والإلتزام بالكتاب والسنة والسيرة وأعمال السلف الصالح، وإما للتخفيف من غلواء المتصوفة، لبيـان المعنى الصحيح للمصطلحـات الشرعية التي عرضها الحارث المحاسبي في كتابه "مقاصد الرعاية" . ()

والخلاصة، إننا نرى أن العز كان صوفياً حسب قواعد الشرع ومن الناحية الفكرية والقلبية والروحية، وبحسب المعنى العام الوارد في الشرع عن هذا الجانب التربوي في الإسلام، وأنه ملتزم بكل ما جاء في القرآن والسنة من التربية الروحية والقلبية والتهذيب النفسي، ولم يكن متصوفاً بالمعنى الإصطلاحي والعرفي ولم يتلزم بطريقة يلتزم طقوسها ومصطلحاتها وقواعدها، ولم يدخل في المتاهات الغامضة التي تحتمل الظاهر والباطن، والصحيح والفاسد وفيها ركام طيب  وخبيث وغث وسمين وبساطة وغموض وشك وحقيقة وارتياب، وطعن أو سوء ظن بإطلاق الكلمات، مهما كان معناها، ومهما كان المراد منها.. إلخ فالعز مع الشرع والدين والنصوص والأحكام، فما أجازه الشرع قال بحله، ولو كان سماعاً، وما حرمه الشرع قال بمنعه، ووقف بشكل صلب في وجه البدع والمنكرات وفي وجه التطرف والمغالاة التي تسربت إلى المسلمين بصور عديدة ()، فالصوفي عند الشيخ عز الدين بن عبدالسلام: من صفت سريرته ونارت بصيرته وعلت همته ونطقت حكمته وارتفعت رتبته، وتعلم العلم وعلمه وطلبته من الله لا من غيره وأن يكون متصفاً بالرضا والسير في الطريق ومراعاة الرفيق، والهدى والتحقيق وفعل الخيرات وترك المنكرات، وإقالة العثرات، وأن يكون مجتهداً في العمل الصالح المرفوع وأن يكون متأدباً مع شيخه وإخوانه، حافظاً غالباً على شيطانه ().

وملخص القول في تصوف العز بن عبدالسلام في النقاط الآتية:

درس الشيخ عز الدين التصوف كعلم من علوم الشريعة في مرحلة الطلب واستفاد منه كثيراً.
قام العز بحركة إصلاح في التصوف عموماً وصحح الكثير من المفاهيم الموهمة، وجعل مقياسه الشرع الإسلامي في قبول مفردات التصوف.
رفض الشيخ عز الدين بعض السلوكيات التي يمارسها بعض مدعي التصوف، كالرقص وغيرها من الأمور.
يعتبر تصوف العز بن عبدالسلام امتداد للتصوف السني الذي مارسه الحسن البصري ومالك بن دينار وغيرهم كثير.

وقد قام الاستاذ محمد حسن عبدالله بدراسة جميلة عن عز الدين بن عبدالسلام في كتابه عز الدين بن عبدالسلام بائع الملوك وانتهى إلى القول بأن العز بن عبدالسلام لم ينتسب إلى طريقة صوفية مما شاع في عصره ولم يلبس خرقة الصوفية من السهروردي ولم يبايع الشاذلي وإن كان صديقاً له وإنما كان متصوفاً على طريقة السلف في التصوف وكان بعيد عن الرقص والتواجد والتصفيق لئن ذلك خفه ورعونه، لقد كان العز رجل كفاح ونضال وكان يهتم بالتصوف السني من طهارة القلب وصفاء النفس وخلوص النية لله تعالى وتخلية الذكر من غير الله وتحليته بذكره ().


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق