394
موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي
الفصل الثالث:معركة حطين وفتح بيت المقدس والحملة الصليبية
المبحث الثالث:الحملة الصليبية الثالثة ووفاة صلاح الدين:
ثامناً:خراب عسقلان :
بعد معركة أرسوف، توجه ريتشارد نحو يافا وأخذها دون مقاومة إذ لم يكن بها أحد من المسلمين ليدافعوا عنها، على حد قول ابن الأثير ( ) وشرع في إعادة بناء استحكاماتها، أما صلاح الدين فتوجه نحو الرملة، وعقد فيها مجلس حربه، واستشارهم فيما يفعل، فأشار عليه الأمير علم الدين سليمان بن جندر، بإخلاء عسقلان ومن ثم تخريبها لأن هدف العدو، بعد عكا ويافا هو عسقلان ومن ثم القدس، ولأن يافا، التي نزل عليها ريتشارد تتوسط القدس وعسقلان ولا سبيل إلى حفظ المدينتين معا ( ) وقد أعلن الأمراء الداعين إلى تخريب عسقلان أن الدفاع عن هذه المدينة يتطلب وجود حامية كبيرة فيها، تعدادها ثلاثون ألف مقاتل، أو عشرون ألفا ( ) . وأعلنوا لصلاح الدين : قد رأيت ماكان منا بالأمس، وإذا جاء الفرنج إلى عسقلان، ووقفنا في وجوههم نصدهم عنها، فهم لاشك يقاتلوننا لننزاح عنها، فينزلوا عليها، فإذا كان ذلك عدنا إلى مثل ما كنا عليه على عكا، ويعظم الأمر علينا، لأن العدو قد قوي بأخذ عكا وما فيها من من الأسلحة وغيرها، وضعفنا نحن بما خرج عن أيدينا، ولم تطل المدة حتى نستنجد غيرها، فاعترض صلاح الدين هذا الرأي وطلب من بعض أمرائه الدخول إلى عسقلان ، وتنظيم الدفاع عنها، فامتنعوا، بل إنهم ردوا عليه بخشونة غير مألوفة، اعتادوا عليها من الآن فصاعداً، كما يظهر من رواية العماد وابن الأثير وقالوا: إن أردت حفظها فأدخل أنت معنا أو بعض أولادك الكبار، وإلا فما يدخلها منا أحد لئلا يصيبنا ما أصاب أهل عكا ( ) ، ولم يستطع صلاح الدين إقناع الأمراء ولذلك حزن كثيراً، وبات ليلة مهموماً، يقول ابن شداد إنه: ما نام الليلة إلا قليلاً، ولقد دعاني إلى خدمته سحراً، فحضرت وأحضر ولده الملك الأفضل وشاوره في الأمر. ثم قال : والله لأن أفقد أولادي كلهم أحب إليَّ من أن أهدم من عسـقلان حجـراً واحداً، ولكن إذا قضى الله بذلك وعينه لحفظ مصلحة المسلمين طريقاً فكيف أصنع ( ) . واضطر أخيراً إلى الإنصياع إلى قرار أمرائه، ووافق على تخريبها، فأمر والي المدينة بأن يتولى ذلك بنفسه، فوضع الوالي المعول عليها فجر 19شعبان 587ه/12أيلول 1191م، ثم استنفر الناس، وقسم سور المدينة عليهم، وجعل لكل أمير وطائفة جزءاً من السور واشترك هو وولده في تخريبها وأرسل إلى أخيه العادل، الذي كان نازلاً على بلدة يبني بالقرب من الرملة ويافا وطلب منه أن "يسوف القوم ويطول حديث الصلح معهم، ريثما نتمكن من خراب البلد ( ) . وقد تألم الناس على ما يفعلونه ووقع فيهم الضجيج والبكاء، لأن عسقلان كانت مدينة نضرة خفيفة على القلب، محكمة الأسوار، عظيمة البناء، مرغوبة في سكناها حتى سميت عروس الشام لحسنها ( ) . وبعد إكمال تخريبها أمر بإضرام النار فيها، وهاجرها وأهلها وتفرقوا بين مصر والشام واستمرت أعمال التخريب والحرق إلى مستهل رمضان 587ه/نهاية أيلول 1191م. ولم يكد الجيش يفرغ من تخريب عسقلان حتى سار إلى يبني مقر قيادة العادل، ثم مضى إلى الرملة ( ) ، أما ريتشارد فإنه انشغل بإقامة التحصينات في يافا، ولم يخاطر في الهجوم على بيت المقدس، لأنه إذا غامر بالمسير نحو هذه المدينة، فثمة احتمال قوي أن يقوم جيش صلاح الدين بقطع طريق الاتصال بينه وبين البحر، فكان من الحكمة والتعقل أن يتأكد من مناعة يافا قبل أن يشرع في مغامراته، لأن الخسارة تكون أشد وجعاً لسمعة الصليبيين إذا استولوا على المدينة ثم يضطرون إلى تركها ثانية ( ) . ومع ذلك فإن التمهل والإرجاء أضحيا بالغي الطول، فتهيأت لصلاح الدين الفرصة لتدعيم وسائل الدفاع عن المدينة المقدسة، وتنظيم صفوف جيشه للجولة التالية في وقت كان الصليبيون ينعمون بأسباب الراحة يافا، فاهتمام ريتشارد بيافا وتعميرها لم يقل عن اهتمام صلاح الدين بتدمير عسقلان، لأن القائد الصليبي أدرك أنه يتعذر عليه أخذ بيت المقدس دون إحكام سيطرته على يافا لاسيما وأن عسقلان قد تم تخريبها ( ) .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق