230
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثاني:عهد الملك الكامل بن العادل الأيوبي
المبحث الرابع:الحملة الصليبية السادسة:
خامساً:ردود فعل الأمة الإسلامية من تسليم بيت المقدس:
أثارت هذه المعاهدة موجة عارمة من السخط والأسى في الرأي العام الإسلامي كله، وعند الفقهاء والعلماء بوجه خاص، وقد اعتبر المسلمون أن تسليم بيت المقدس للصليبيين بهذه السهولة يعتبر تفريطا في حق الإسلام والمسلمين وأصبحت هذه المعاهدة وصمة عار في جبين البيت الأيوبي بصفة عامة، وللملك الكامل محمد بصفة خاصة () وأخذ العلماء يحركون العامة للضغط على أمرائهم لإستعادتها وكان لكثير منهم مجالس علمية ركزوا في بعضها على ذكر فضائل بيت المقدس، وفضائل الجهاد، كما أن بعضهم عمد إلى إنشاد الشعر في هذه الحادثة والتشنيع على الكامل وتحريك العامة والخاصة للعمل على إستعادة القدس، ومن ذلك ما كان يجري في جامع دمشق من تجمعات ودروس لتحريك الناس للضغط على الكامل، كما كانت تنشد فيه الأشعار لهذه الغاية () وعندما وصلت هذه الأنباء إلى دمشق توغرت قلوب المسلمين بها على الملك الكامل محمد واجتاحتها حالة عارمة من السخط العام، لدرجة أن المسلمين أقاموا المآتم حزناً على تسليم القدس للصليبيين وأخذ الملك الناصر داود بن المعظم في التشنيع على عمه الكامل محمد وطلب من العالم الشيخ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي الواعظ، أن يجلس بجامع دمشق للوعظ، ويندد بما فعله عمه الكامل، ويثير الناس ضده، وأمره أن يذكر في وعظه فضائل القدس، وما ورد فيها من الأخبار والآثار، ويوضح للناس العار والوصمة التي لحقت بالمسلمين من جراء ذلك التصرف، فنفذ ما طلب منه وكان يوماً مشهوداً لم يتخلف من أهل دمشق أحد ()وكان قد ورد في وعظه : وانقطعت عن البيت المقدس وفود الزائرين يا وحشة المجاورين، كم كان لهم في تلك الأماكن من ركعة، كم جرت لهم على تلك المساكن من دمعة، تالله لو صارت عيونهم عيوناً لما وفت، ولو انقطعت قلوبهم أسفاً لما شفت، أحسن الله عزاء المؤمنين، يا خجلة ملوك المسلمين، لمثل هذه الحادثة تسكب العبرات، ولمثلها تنقطع القلوب من الحسرات() ، كما ذكر سيف ابن الجوزي في مجلسه هذا قصيدة تائيه جاء فيها:
على قبة المعراج والصخرة التي
تفاخر ما في الأرض من صخرات
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات()
ويذكر القاضي ابن واصل أنه كان حاضراً في هذا المجلس، فيصفه بقوله: وعلا يومئذ ضجيج الناس وبكاؤهم وعويلهم، وحضرت أنا هذا المجلس ().
وحضر المؤذَّنون والأئمة الذين كانوا في الصخراء والمسجد الأقصى إلى باب دهليز الملك الكامل، فأذنَّوا على باب الدهليز في غير وقت الأذان، فعسر ذلك على الكامل وأمر أتباعه بأخذ ما معهم من أثاث المسجد وطردهم ورُبمَّا كان هذا الاعتراض المباشر الوحيد الذي جُوبه به الكامل من قبل مؤذَّنين والأئمَّة لا حول لهم، ولا قوَّة، وإذا كان الاستحكار الرَّسمي معدوماً أو خجلاً فقد كان الاستنكار الشعبي قوياً جداً إلى درجة اضطر الملك الكامل لتسيير رسله إلى البُلدان لتسكين الناس، وكذلك أرسل إلى الخليفة يُبَّرر له ما فعل ().
ومما قيل من شعر في المصير الذي آلت إليه القدس:
قول شاعرمجهول:
عزيز علينا أن نرى القدس تَخْْربُ
وشمسُ مبانيه تزول وتغُربُ
وقلت له منا الدموع لأنَّه
على مثله تجري الدُّموع وتسكبُ ()
وقد تّم التعريض بأولئك الحكام الذين تنازلوا عن بيت المقدس:
إن يكن بالشام قلَّ نصيري
وتهدَّمتُ ثم دام هُلوكي
فلقد أصبح الغداة خرابي
سمة العارِ في حياة الملوك ()
ومما قيل ما قاله صلاح الدين الإربلي أرسله إلى الملك الكامل:
زعم اللعين الانبرور بأنّه
سلم يدوم لنا على أقواله
شرب اليمين فإن تعَّرض ناكثا
فلنأكلنَّ لذاك لحم شماله ()
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق