175
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثاني:عهد الملك الكامل بن العادل الأيوبي
المبحث الثالث:سياسة الملك الكامل مع الممالك في عصره:
أولاً:موقف الملك الكامل محمد من الملوك الأيوبيية:
3-مرحلة الوفاق الأيوبي والاعتراف بسلطنة الكامل:
بدأت بوفاة المعظم عام 624ه/1227م وأخذ الأشرف دمشق وتسليمه بعض مدن الجزيرة للكامل عام 626ه/1229م لم يكن الناصر داود بن المعظمَّ مؤهَّلات والده، فبعد أن خلفه في حكم مملكة دمشق، عرض عليه الأشرف الإنضمام إلى حلف الشَّام ضد الكامل، فأبى، وانحاز إلى الكامل () ، لكنَّ الكامل، كشف سريعاً عن أطماعه بدمشقن وسار نحوها عام 625ه/1228م، فاستنجد داود بعمه الأشرف، فسارع إليه مع المجاهد، ولكنهما بدل دُخول دمشق أو الإقامة حولها للدفاع عنها، التقيا الكامل، وعقدا مؤتمر العوجا الذي تقرَّر فيه نزع دمشق من داود وتسليمها للأشرف مقابل، تسليم الأشرف للكامل عدَّة بُلدان في الجزيرة منها: الرقة، والرُّها، وغيرها () ، وتمتاز هذه المرحلة بنزوع الأشرف إلى حياة الترف والدعة بدمشق، وتحوُّل القُوَّة الكُبرى في الجزيرة من الأشرف إلى الكامل، الذي كانت مشكلته مع الجزيرة هي مشكلة المسافة والبُعد عنها، وغالباً ما كانت تسبقه الأحداث بها وكان الكامل قد أرسل إلى فريدرك بعده بالقدس إلى حضر لنصرته ضدَّ أخيه الملك المعظًَّم، ولكنَّ أيام الملك المعظم لم تطل، فقد توفي 624ه/1227م وخلفه ولده الناَّصر داود في دمشق، ممَّا سهل مهمَّة الملك الأشرف والكامل في أخذ مملكته ففي سنة 625ه/1228م، تحرّك الكامل من مصر: وأرسل داود يستدعى الملك الأشرف من بلاده الشرقيَّة .. ودخل الملك الأشرف دمشق، فأعجب بها، وعمل في الباطـن على انتزاعها لنفسه () ، بينما وثق داود بالملك الأشرف لمَّا خدعه بعذوبه لسانه، فَسيَّره إلى الملك الكامل، معتمداً في إصلاح أموره عليه، فلم يألُ جهداً أن ساق الحصار () وفي عام 626ه/1229م، تسلمَّ الملك الأشرف دمشق وأعطى للكامل – عوضاً عنها – حَّران والرّها، ورأس عين، والرقَّة والموزر، وبذلك، دخل الكامل عالم الجزيرة الشامَّية من أوسع أبوابه، وأصبح القوة السَّياسيَّة والعسكرية الأكبر في البلاد الجزرية، بعد أن تخلىَّ الملك الأشرف له عن مواقعة بها، ويبدو أن الملك الأشرف: اقتنع بدمشق، واشتغل باللهو والملاذ () وفي عام 627ه/1230م، تمكن خوارزم شاه من دخول خلاط بخيانة من القائد المكلفَّ بحراسة أحد الأبواب، ولحنقه من المقاومة الشرسة التي واجهته " فعل بأهلها ما يفعله التَّتر () ، فقتل كُلَّ من وجد في البلد وسبى عسكُرهُ الحريم وباعوا الأولاد كما يُفعل بالكفرة ()، وبلغ الملك الأشرف أخذ الخوارزميين خلاط وهو بدمشق، فخرج على وجهه، حتى أتى الرقَّة ثم سار إلى حرَّان، وكتب إلى حلب والموصل والجزيرة، فجاءته العساكر ورحل يُريد الروم () ، واتفق مع كيُقباذ سُلطان سلاجقة الروم وتمَّكنا من هزيمة جلال الدين الخوارزمي واسترجع الملك الأشرف خلاط عام 628ه/1231م وبعد استرجاع خِلاط، وكفّ شّر الخوارزمي بالإتفاق معه، والحلف القديم مع الرُّومي، وجد الملك الأشرف أن الوقت قد صفا له، فتخلىَّ عن الجزيرة ومشاكلها للكامل وتفرَّغ للهوه وملذَّاته بدمشق () ، مفسحاً المجال لأخيه الكامل للتحرُّك في الشام والجزيرة ومحاولة تحقيق مشروعه الكبير بضمَّ الشام إلى مصر وتشكيل مملكة واحدة منهما تحت حكمه () ولم تمتّد ممتلكات الكامل من مصر حتى الجزيرة، وحسب، بل اعترف به جميع ملوك بني أيُّوب سُلطاناً أعظم عليهم، ومرجعاً للبيت الأيوبي دون أن يخرج أيُّ منهم عن طاعته، وتحقَّق بذلك القسم الأوَّل من مشروع الكامل، وهو ضَمُّ الشَّام إلى مصر تحت حكمه، وهذا الحُلم كان يراود كُلَّ من شعر بتفوقه من ملوك بني أيوب، ولتحقيق كامل المشروع تحرَّك الكامل بقوَّاته من مصر عام 629ه-1231م بعد أن مهَّد لنجاح مشروعه بسلسلة من المصاهرات ربط بها، من يخشى معارضتهم من الملوك الأيوبية، فقد زوَّج ابنته فاطمة خاتون من الملك العزيز صاحب حلب، كما زوج الكامل ابنته الأخرى غازية خاتون من الملك المظُفرَّ صاحب حماة، وفي طريقه مرَّ بالكرك، فعقد لصاحبها ابن أخيه النَّاصر داود بن المعظمَّ على ابنته الثالثة عاشوراء خاتون، وغطىَّ الكامل تحركه العسكري بإظهار هدف يُمكن قبوله في الشَّام، ويُسوّغ به خُروُجه بهذه القوة فقد أعَّلن أنَّه يريد انتزاع آمد من يد ملكها المسعود بن الصَّالح محمود وكانت آمد مع قوَّة حُصوُنها لا تستحق هذا الجمع العسكري الهائل الذي وصل مع الكامل والذي قال عنه ابن واصل في أحداث 631ه/1234م ما يلي " شاهدت مع العساكر وكثرتها ما غلب على ظني إنه لم يجتمع مثله في الأعصار القريبة منَّا لملك من الملوك () وحاصر الكامل مدينة آمد بقوات هائلة الحجم والفعَّالية، وهاجمتها العساكر، ونقبت الأسوار، فطلب أهلها الآمان، فأجابهم الكامل () ، ونزل صاحبها إلى الكامل، فاعتقله وسجنه في حصن كيفا () وسلمَّ الكامل آمد لابنه الصالح أيوب ليكون نائباً عنه فيها () ، ورتبَّ معه الطواشي شمس الدين صواب العادلي لأنَّه كان من أكابر الخدم العادلية، وأوثقهم عنده وجعل إليه النقض والإبرام في جميع الأمُور والملك الصالح معه صورة (). وقّرر الكامل تنفيذ الجزء الثاني من مشروعه الكبير وذلك بالهجوم على دولة سلاجقة الروم واحتلالها لنقل إقطاعات ملوك الشام الأيوبية إليها وضمّ الشام بشكل كامل – إلى مصر بدولة واحدة وملك واحد لكن يبدو أن حسابات الكامل كانت غير دقيقة، فإمّا أنهّ قد بالغ في ثقته بنفسه بالسيطرة الكاملة على الملوك الأيُّوبية أو سوء تقديره لقوَّة خصمه الرُّومي، وبالأخص لطبيعة بلاده وحصانتها، واتساعها ().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق