7
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الأول:الأيوبيون بعد صلاح الدين:
المبحث الأول:خلفاء صلاح الدين:
رابعاً:تآمر الملك العادل على الأفضل:
2-جهود القاضي الفاضل في الإصلاح:
استمر الفقهاء والعلماء في دورهم القيادي البارز في الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين ولم ينقطعوا عن العطاء، وواصلوا مسيرتهم لمساندة أبناء صلاح الدين وتأييدهم ونصحهم لتخطي العقبات التي تعترض طريقهم حفاظاً على وحدة الدولة الأيوبية وسلامتها لتقف صامدة متماسكة أمام التحدي الصليبي بعد فقد عاهلها وقائدها صلاح الدين فقد ظل القاضي ابن شداد بدمشق مع الملك الأفضل يشاوره في جليل الأمور ودقيقها ( )، ويعتمد عليه اعتماداً كبيراً ولكنه تنازل عنه إلى أخيه الملك الظاهر غازي الذي أخذ يرجوه أن يتحفه بالقاضي ابن شداد ليكون عنده بحلب ويتيمن برأيه ويستفيد من خبرته، ولما وصل ابن شداد إلى حلب استقبله الملك الظاهر أحسن استقبال، وفوض إليه قضاء بلاده، وصار أقرب الناس إليه منزلةً، وأعظمهم مكانةً عنده وأصبح له الإقطاع الجليل، والحرمة التي لم يصل إليها أحد من المعممين ( )، وكان ابن شداد طوال إقامته بحلب يعتني بترتيب أمورها وتنظيمها، وجمع بها الفقهاء، واهتم ببناء المدارس الكثيرة بها، حتى أصبحت حلب مقصد الفقهاء، والعلماء من البلاد( ) وكان القاضي الفاضل آنذاك مقيماً بدمشق عند الملك الأفضل، وقد رأى في تصرفاته ما استنكره، مثل وضعه لكل ثقته في وزيره الجديد القاضي ضياء بن الأثير ( )، الذي حسن للملك الأفضل أبعاد أمراء أبيه وأكابر أصحابه ( )، ولكن الملك الأفضل لم يستجب لنصح القاضي الفاضل وعندئذ عزم القاضي الفاضل عن ترك دمشق والتوجه إلى الديار المصرية، فاستأذنه وتوجه إلى الملك العزيز عثمان بمصر الذي أحسن استقباله وجعله عنده في محل والده، احتراماً وتعظيماً له، لما يعرفه من مكانته، وصار الملك العزيز لا يصدر أمراً إلا عن رأيه ومشورته ( )، وعلى عكس ما كان الملك الأفضل يفعل من استبعاد أمراء الدولة أصحابه، قام الملك العزيز بتقريبهم إليه وأحسن إليهم، فعظم بذلك شأنه، وأجمعوا كلمتهم على نصرتهم وتقرير قواعد ملكه ( ) . بل شجعوه على أخيه الأفضل الذي وقف عاجزاً أمام تسلم الفرنج لثغر جبيل من بعض مستحفظيه ( )، وكان للقاضي الفاضل دور كبير في فض منازعات البيت الأيوبي في كثير من الأحيان، فكان يخشى عليهم من أطماع الأعداء فيهم، ويصف لنا ابن واصل حالة القاضي الفاضل قائلاً: وكان القاضي الفاضل قد تنزه عن ملابستهم ومخالطتهم، واعتزل بنفسه عنهم لما رأى من اختلال أحوالهم وفساد أمورهم وأحوجه الملك العزيز أن يلبي دعوة عمه الملك العادل ويخرج إليه ليفرج هذه الغمة ( ) فركب من القاهرة وخرج إليه ولما علم بذلك الملك العادل، ركب وتلقاه أحسن تلقٍ، واجتمع به، واتفق معه على ما فيه المصلحة الشاملة للكل ( ) واستقر الصلح على الشكل التالي:
- أن يقيم العادل بمصر عند العزيز ليقرر قواعد ملكه، وأن يرجع الأفضل إلى دمشق، وتعاهد الجميع على ذلك ( ).
وفي الوقت نفسه كان القاضي بهاء الدين بن شداد دور كبير في تهدئة الأمور وفض كثير من المنازعات بين العزيز عثمان صاحب مصر والملك العادل من جانب، والملك الأفضل من جانب آخر ( )، ومما يؤكد استياء القاضي الفاضل وتألمه من هذه الأوضاع وتلك المنازعات التي انجرف فيها أبناء البيت الأيوبي، ذلك الكتاب الفاضلي الذي ذكره أبو شامه، والذي جاء فيه: أما هذا البيت، فإن الآباء منه اتفقوا فملكوا، وإن الأبناء منهم اختلفوا فهلكوا، وإذ غرب نجم فما الحيلة في تشريقه، وإذا بدأ تخريق في ثوب فما يليه إلا تمزيقه، وهيهات أن يسد على قدر طريقه وقد قدر طروقه، وإذا كان الله مع خصم على خصم فمن كان الله معه فمن يقدر عليه ( ). ويتضح مما تقدم أن الفقهاء والعلماء كانوا أكثر من أهتم بتصفية الخلافات والمنازعات بين أبناء البيت الأيوبي ليتفرغوا لقضية الجهاد ويكملوا ما بدأه والدهم الناصر صلاح الدين خاصة وأن هؤلاء الفقهاء والعلماء كانوا يدركون بثاقب بصرهم وبسريرتهم النافذة أن العدو الصليبي يراقب بكل دقة وبكل شغف ما يجري على الساحة الإسلامية من منازعات بعد وفاة صلاح الدين، ويترقب اللحظة المناسبة كي ينقض ليسترد البلاد وينتقم من المسلمين ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق