69
موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي
الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية
المبحث الرابع :فقه نور الدين في التعامل مع الدولة الفاطمية:
ثانياً:الحملات النورية العسكرية على مصر:
قام الوزير الفاطمي ابن السلار السني المذهب بمحاولة الاتصال بنور الدين من أجل شن عمليات حربية مشتركة على أساس أن يتقدم نور الدين بقواته من الشمال ويقوم الأسطول الفاطمي بمهاجمة المدن الساحلية الشامية الصليبية وتوسط أسامة بن منقذ بين الجانبين وعرض عليه ابن السلار أن يأخذ الأموال والهدايا لسلطان حلب عارضاً عليه القيام بمنازلة طبرية، وفي نفس الحين يقوم الأسطول الفاطمي بمهاجمة غزة، وفي حالة موافقة نور الدين على ذلك يقدم له ابن منقذ الأموال لمساعدته، فإن رفض فعلى الأخير أن يجند بالأموال عدداً من الفرسان لقتال الصليبيين عند عسقلان، غير أنه عندما بلغ بصرى وقابل نور الدين أوضح له مدى إنشغاله بأمر دمشق وأنها تقف سداً منيعاً دون التعاون المشترك مع الفواطم إذ أنها لم تكن حينذاك قد سقطت بعد في قبضته () ، ويلاحظ أن ابن السلار استمر في صراعه مع الصليبيين فجهز في عام 546ه/1151م أسطولاً أنفق عليه مالاً وفيراً وهاجم به المدن الساحلية الصليبية وبلغ ذلك وقد تحدث الذهبي عن ابن السلار فقال: وكان بطلاً شجاعاً، مقداماً مهيباً شافعياً سنيّاً، ليس على دين العُبيدية، احتفل بالسَّلفَي، وبنى له المدرسة، لكنه فيه ظلم وعسف () وجبروت وتجددت المحاولات السابقة في عهد وزارة طلائع ابن رزُيك الذي اتصل بنور الدين محمود عن طريق أسامة بن منقذ غير أن نور الدين لم يتعجل وكان يرأى أن الفرصة المناسبة لم تأتي بعد وكانت بين أسامة بن منقذ والملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رُزَّيك مسجلات شعرية منها ما قاله طلائع بن رُزيك:
فقولوا لنور الدين لا فُل حدُّه
ولا حَكَمت فيه الليالي الغواشُم
تجهز إلى أرض العدوَّ ولا تَهِن
وتُظهر فتوراً إن مضت منك حارم ()
ومنها مما كتبه إلى أسامه بن منقذ
يا سَيَّداً يسموا بهمتَّه
ج
إلى الرُّتب العَلبَّة
فينال منها حين يُحرم
غيره أوفى مًزٍبَّة
أتت الصديق وإن بعدت
وصاحب الشََّيَم الرَّضية
نُنبيك أن جيوشنا
فعلت فِعال الجاهلية
سارت إلى الأعداء من
أبطالها مئتا سَرِيَّة
فتُغيرُ هذي بُكرةً
وتُعاوِدُ الأخرى عَشِيَّه
فالويل منها للفرنج
فقد لقوا جهد البَليَّه
جاءت رؤوسهُم تلوح
على رؤوس السَّهمرِيَّة
وقلائع قد قُسَّمَتْ
بين الجنود على السَّويَّه
وخلائقٌ كثرت من
الأسرى تقادُ إلى المنية
فانهض فقد أنبيت مجد
ج
الدين بالحال الجَلِيَّة
والمم بنور الدين وأعلمه
بهاتيك القضيّة
فهو الذي ما زال يخلص
ج
منه أفعالاً ونيَّه
ويُبيُد جمع الكفر بالبيض
الرَّقَاق المشرفيه
فعساه ينهض نهضة
يفني بها تلك البقيَّه
إمَّا لنُصرة دينه
أو ملكه أو للحميَّه ()
وكتب إلى أسامة بن منقذ أيضاً فقال:
قل لابن منقذ الذي
قد حاز في الفضل الكمالا
فلذلك قد أصحى الأنام
ج
على مكارمه عِيالا
كم قد بعثنا نحوك
الأشعار مسرعة عجالا
وصددت عنها حين رامت
من محاسنك الوِصَالا
ج
هلاَّ بَذَلْتَ لنا مقالا
حين لم تبذُل فعالا
ج
مع أنّنا نُوليك صبراً
في المودة واحتمالا
ونبثُّك الأخبار إن
أضحت قصاراً أو طِوالا
جج
سارت سَرايان لقصد
الشام تعتسف الرَّمالا
تُزجي إلى الأعداء
جُرد الخيل أتباعاً تَواَلى ()
إلى أن قال:
فلو أنَّ نور الدين
يجعل فعلنا فيهم مثالاً
وَيُسَيَّرُ الأجناد جهراً
كي يُنازِلَهم نِزالا
ووفى لنا ولأهل دولته
بما قد كان قالا
لرأيت للإفرنج طُرَّا
في معاقلها اعتقالا
وتجهَّزوا للسَّير نحو
الغرب أو قصدوا الشَّمالا
وإذا أبى إلاَّ اطَّراحاً
ج
للنصيحة واعتزالا
عُدنا بتسليم الأمور
لحكم خالقنا تعالى ()
فأجابه بن منقذ بقصيدة منها:
يا أشرف الوزراء أخلاقاً
ج
وأكرمهم فعالا
نَبَّهْت عبداً طالما
نَبَّهته قدراً وحالا
وَعَتَبْتَه. فأنَلْتَهُ
ج
فخراً ومجداً لن يُنالا
لكن ذاك العَتْبَ يُشعلُ
ج
في جوانحه اشتعال
إلى أن قال:
واشدُد يديك بودَّ
ج
نور الدين والقَ به الرَّجالا
فهو المحامي عن بلاد
الشام جمعاً أن تُذَالا
ومُبيدُ أملاكِ الفرنج
وجمعهم حالاً فحالا
مَلِكٌ يتيه الدهُر
والدنيا بدولته اختيالا
جمع الخِلال الصَّالحات
فلم يَدَع منها جلالا
فإذا بدا للنَّاظرين
ج
رأت عيونهم الكمالا
فبقيتما للمُسلمين
حِمىً وللدُّنيا جمالا ()
ولم يدخل نور الدين في تحالف عسكري مع طلائع بن رُزيك إلا أنه اهتم بالاتصالات الدبلوماسية وقد وصلت في 552ه/1157م سفارة من جانب نور الدين وتكرر ذات الأمر في العام التالي أي 553ه/1158م وردت الدولة الفاطمية على تلك السفارة بأن تم إعادة السفير النوري إلى بلاده، ومعه هدايا وأسلحة تقدر بثلاثين ألفاً من الدنانير، وعينيات تقدر بسبعين ألفاً من أجل دعم صراع نور الدين مع الصليبيين () ونجد سفارة أخرى من نور الدين في عام 554ه/1159م ومن جهة أخرى أظهرت الدولة الفاطمية ودها له، فأرسل العاضد في عام 555ه/1160م بالخلع إليه والواقع أن التعليل المنطقي لذلك أن الفاطميين بعد أن فقدوا عسقلان عام 548ه/1153م أدركوا أكثر من ذي قبل؛ خطورة الصليبيين عليهم وضرورة الاستفادة من قوة الدولة النورية وثقلها السياسي والعسكري () .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق