54
موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي
الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية
المبحث الثالث:بدء الحرب الصليبية الأولى:
سابعا :الحملة الصليبية الثانية:
3-الهجوم الصليبي على دمشق :
توجهت الجيوش الفرنجية المتحالفة نحو دمشق التي كان يحكمها آنذاك معين الدين أنر أتابك الملك مجير الـدين أبـق بن محمد بن بوري، الذي كان أكثر الأمراء المسلمين قرباً من الفرنج وتعاوناً معهم () ، ولذلك لم يكن يتوقع أن يكون الضحية الأولى لهذه الجيوش الفرنجية الضخمة، لكنه لم علم بنوايا الفرنجة ومسيرهم نحو دمشق اتخذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن المدينة وأرسل يسأل المساعدة من نور الدين محمود وسيف الدين غازي () ، كان من عادة نور الدين محمود تحليل الأوضاع الدولية والإقليمية ومتابعة الأحداث الجارية – وتحليلها بعمق ثم – ويخرج بالدروس والعبر التي تفيده في تقرير سياسته المستقبلية، وقد شكلت الحملة الصليبية الثانية الحدث الأكبر في المنطقة والعالم كله عام 543ه/1148م وكانت بالنسبة لنور الدين محمود الحدث الأول من نوعه بعد توليه الحكم عام 541ه/1146م والذي يمارس عليه سياسته المذكورة، فقد كان نور الدين يتوقع أن تكون إمارته (حلب) الهدف الأول لهذه الحملة، لأنها تشكلت وتوجهت للشرق على خلفية سقوط مدينة الرها عاصمة إمارة الرها الفرنجية عام 539ه/1144م، على يد عماد الدين ولكن الذي حصل أن الحملة غيَّرت هدفها المتوقع وتوجهت إلى دمشق وحاصرتها محاولة احتلالها، وكان هذا التغيير مفاجأة كبيرة لنور الدين، ومفأجاة أكبر لمجير الدين آبق حاكم دمشق وأتابكه معين الدين أنر المدبر الحقيقي لشؤون إمارة دمشق، كانت مفأجاة نور الدين معروفة الأسباب أما مفاجأة حكام إمارة دمشق فلأنهم كانوا أصدقاء الفرنجة الوحيدين من المسلمين في المنطقة وجرى بين الطرفين تعاون وثيق ضد عماد الدين زنكي عندما كان يحاول الاستيلاء على دمشق، ولم يكن متوقعاً من الفرنجة مهاجمة أصدقائهم في دمشق وترك عدوهم الأول في حلب، ولكن نور الدين محمود استفاد من هذا التغيير المفاجئ في هدف الحملة التي لم يحصل ارتجالا ولم يكن حماقة كما يذكر بعض المؤرخين () بل جاء بعد دراسة وتحليل للأوضاع في المنطقة قام بها قادة الحملة في اجتماعات مكثفة اشترك بها ملك بيت المقدس وقادته في مدينة عكا قبل الهجوم على دمشق () . لقد تأكد لنور الدين محمود المغزى الحقيقي لغزو الفرنجة السابق في الحملة الأولى والحالي في الحملة الثانية والذي لايمت بصلة إلى استرجاع قبر المسيح عليه السلام من المسلمين وتأمين طريق الحج إلى القدس على طوال الساحل شمالاً إلى القسطنطينية، كما كان يزعم زعماء الدين المسيحي الذين خططوا لهذه الحروب كما أن الهدف الحقيقي للحملة الفرنجية الثانية أبعد ما يكون عن الانتقام لسقوط الرها لأن الحملة توجهت إلى دمشق حليف الفرنجة في المنطقة ولم تتوجه إلى حلب أو الرها حيث يوجد من يتوجب الانتقام منه، فقد أدرك نور الدين محمود أن هدف الفرنجة الحقيقي هو احتلال المشرق الإسلامي والسيطرة عليه كما كانت الإمبراطورية الرومانية تسيطر عليه قبل الإسلام وأنهم لا يمَّيزون في عملهم لتحقيق هذا الهدف بين إمارات ودول المسلمين فالحليف المتعاون معهم سواء عندهم مع المقاوم لسيطرتهم وتوسعهم المجاهد لتحرير البلاد من احتلالهم، فهم يقصدون احتلال بلاد الجميع والسيطرة على الجميع، وعلى هذا الأساس فإنه من الأفضل لهم البدء بدمشق التي تعتبر قلب بلاد الشام وأكثر الإمارات الإسلامية فيها مساحة وموارد ولكونها الأضعف عسكريا، ثم يتم بعد ذلك التحول إلى حلب والرها والموصل وغيرها، فالأمر إذن حرب شاملة لن يسلم منها المراقب عن بعد ظناً منه أن الخطر بعيد عنه، فدوره قادم ولو بعد حين، وإذا كان الأمر كذلك فإن نور الدين بما اشتهر به من سياسة بعيدة النظر، لابد أن يخوض هذه الحرب من بدايتها فدمشق بالنسبة له، كحلب تماماً وهي في الوضع الراهن تشكل الخط الأول للدفاع عن حلب والموصل وباقي بلاد المسلمين ولذلك نراه يحشد جيشه إلى جانب جيش أخيه سيف الدين غازي أمير الموصل بالقرب من حمص وبعلبك لإجراء التنسيق اللازم مع حكام دمشق حول العمل المشترك لمواجهة الغزو الأجنبي، وكان لهذا الحشد الأثر الرئيسي في فشل الهجوم الصليبي على دمشق وقد خرج نور الدين محمود من هذا الحدث الكبير بدروس مهمة تؤكد قناعاته وتوجهاته السابقة. من هذه الدروس: الأهمية القصوى للوحدة بين الإمارات الإسلامية لمواجهة الخطر الفرنجي وتحرير البلاد من احتلالهم، ثم الأهمية الاستراتيجية لإمارة دمشق في المواجهة مع الفرنجة، وضرورة الاستيلاء عليها بأي ثمن، ومنها وضع التدخل الأوروبي في الصراع مع الإمارات الفرنجية في الاعتبار ().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق