4
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الأول:الأيوبيون بعد صلاح الدين:
المبحث الأول:خلفاء صلاح الدين:
ثالثاً:النزاع بين الأخوين الأفضل والعزيز:
خالف الملك الأفضل سيرة أبيه، وأقدم على عدة إجراءات أساءت إليه فكرهه الناس ومن هذه الإجراءات:
1- خالف نهج والده صلاح الدين في الحكم، فأقصى أمراء والده ومستشاريه بتأثير الوزير ضياء الدين ابن الأثير أخ المؤرخ المشهور، فهربوا إلى القاهرة مستنجدين بالعزيز عثمان الذي رفعهم وأعزهم، فالتقوا من حوله، واعترفوا به زعيماً على الأيوبيين وزينوا له الاستيلاء على دمشق.
2- بعد اختياره ضياء الدين ابن الأثير وزيراً، تركه يسيء التصرف في أمور الرعية وقد أثار سخط الأمراء بسوء تصرفاته ومضايقاته لهم، كما زين للأفضل التنازل عن بيت المقدس لأخيه العزيز عثمان بذلك وشكر للأفضل علي، ولكن الأمراء ولاة القدس خشوا من محاسبة العزيز لهم، فاتفقوا مع الأفضل علي على بقاء القدس بأيديهم دون الحاجة إلى أمواله، فوافق وكتب إلى أخيه بذلك، فتغير لذلك الملك العزيز عثمان وتكدَّر باطنه وبدأت العلاقة تسوء بين الأخوين.
3- عجز "الأفضل علي" عن مجابهة الصليبيين الذين أخذوا جبيل ( ).
ويبدو أن الأفضل ساءة سيرته، وضعفت إرادته ولا يصلح أن يتولى السلطنة بعد والده إذ أقبل على اللعب وسماع الأغاني وتظاهر بلذاته ( ).
استاء الملك العزيز لسوء تصرف الملك الأفضل وتركه أمر الدولة في يد وزيره ( ) ، وهم بانتزاع الشام منه إثر تشجيع الأمراء الصلاحية له، وعندما علم الملك الأفضل بذلك هم بمراسلة أخيه العزيز يستعطفه فمنعه وزيره ضياء الدين ابن الأثير وحسن له محاربته، فمال الأفضل لرأي وزيره ( ) وزادة الوحشة بين الأخوين ( ). قصد الملك العزيز الشام عام 590ه/1194م فنزل بالقصير من الغور ثم حاصر دمشق، وضيق الخناق عليها، فاستنجد الملك الأفضل بعمه الملك العادل ( ) والواضح أن هذا الأخير لم يكن راضياً عن وضعه، ولاسيما وأن نصيبه من الإرث الصلاحي لم يتناسب مع أهمية الدور الذي أدّاه في خدمة الدولة الأيوبية، كما لم يشأ أن يتعجَّل الأحداث عقب وفاة أخيه صلاح الدين، بإعادة توحيد الدولة الأيوبية تحت حكمه، وهو الهدف الذي وضعه نصب عينيه لذلك اتجه بتمهل إلى تحقيق هذا الهدف، وأخذ يتصرف بأناة ريثما تتضح الأمور، وفعلاً أتيحت له الفرصة باستغاثة الأفضل علي، فاستجاب لنداء الاستغاثة، وساند كل من الظاهر غازي صاحب حلب، وناصر الدين محمد، صاحب حماة، وأسد الدين شيركوه الثاني، صاحب حمص، والأمجد، صاحب بعلبك، وكلهم ساندوا الأفضل علي، واتفق الجميع على منع العزيز عثمان من الاستيلاء على دمشق ( ) : علماً منهم أن العزيز عثمان إن ملكها أخذ بلادهم ( ). وهكذا تكّون حِلْف أيوبي مناهض لحركة التفرد التي قادها العزيز عثمان انطلاقاً من مصر، عندئذ أدرك العزيز عثمان أنه لا قِبَلَ له بمواجهة قوى التحالف فمال إلى التفاهم، واجتمع بعمه العادل في صحراء المزة غربي دمشق في 24 شعبان سنة 590ه/15 آب عام 1194م، وقد نصحه عمه بالعودة إلى مصر قائلاً له: لا تخرَّب البيت وتُدخل الآفة، والعدوّ وراءنا من كل جانب وقد أخذوا جَبَلة، فارجع إلى مصر واحفظ عهد أبيك، وأيضاً فلا تكسر حرمة دمشق وتطمع فيها كل أحد، وعاد الملك العادل عنه إلى دمشق، وأقام في منزلته، وبعث العادل إلى العزيز في منزلته، وقدمت العساكر على الأفضل وبعث العادل إلى العزيز يقول له: إرْحل إلى مرج الصُّفَّرة، فرحل وهو مريض وكان قصد العادل أن يبُعده عن البلد... واشتد مرض العزيز فاحتاج إلى المصالحة، ولولا المرض ما صالح، فأرسل الملك العزيز كبراء دولته فخر الدين إياز جَهَاركس وغيره يحلّف الملوك وطلب مصاهرة عمّه العادل فزوَّجه ابنته الخاتون، ورجع كل واحد إلى بلده، وذلك في شعبان سنة تسع وثمانين ( ) وقال العماد الكاتب الأصفهاني : خرج الملوك لتوديع الملك العزيز إلى مرج الصُّفَّر واحد بعد واحد وأوّل من خرج إليه أخوه الملك الظاهر غازي صاحب حلب، فبات عنده ليلة وعاد، فخرج إليه أخوه الأفضل صاحب الواقعة، فقام إليه واعتنقا وبكيا، وأقام عنده أيضاً يوماً وكان قد فارقه منذ تسع سنين فلما عاد كتب إلى العزيز من إنشائه من عدة أبيات:
نَظَرْتُك نظرة من بعد تِسِع
تقضَّت بالتفرُّق من سنين
وغَضَّ الدَّهُر عنها طرفَ غَدْرِ
مسافة قُربِ طَرْفِ من جبين
وعاد إلى سَجيَّته فأجرىِ
بفرقَتناِ العيون من العيُون
فويح الدَّهْرِ لم يَسْمَحْ بِوَصْلٍ
يُعيِدُ به الهُجوعَ إلى الجُفُون
فراقاً ثم يُعقِبهُ بَبيْنٍ
يُعيدُ إلى الحشَا عَدمَ السُّكون
ولا يُبْدي جيُوشَ القُرب حتى
يُرتَب جَيْشَ بُعدٍ في الكمين
ولا يُدْنى محلىَّ منك إلا
إذا دارت رحى الحرب الزَّبون
فليت الدهُر يَسْمحُ لي بأخرى
ولو أمضى بها حُكم المنُون ( )
وقد تقرر وضع ترتيب جديد لحكم الأسرة الأيوبية ويقضي بأن:
- يحتفظ الأفضل علي بدمشق وطبريه وأعمال الغور.
- يتخلى الأفضل علي عن بيت المقدس وما جاوره لأخيه العزيز عثمان.
- يتخلىَّ الأفضل علي عن جبلة واللاذقية لأخيه الظاهر غازي.
- يعترف العزيز عثمان بسيادة الأفضل علي.
ولم يحظ العادل من الصفقة بشيء سـوى ما جـازه من مكانة بأن أصبح الحكم بين أفراد الأسرة الأيوبية ( ).
ولما انفصل العساكر عن دمشق شرع الأفضل على عادته في اللهو واللعب، فاحتجب عن الرعية فسُمَّى "الملك النّوام" وفّوض الأمر إلى وزيره ضياء الدين الجَزّرِي وحاجبه الجمال محاسن بن العجميّ، فأفسد عليه الأحوال، وكانا سببا لزوال دولته وهذا الأمر من الآفات التي تصيب بعض الملوك، واستمر الملك العزيز هذا بمصر وأمره ينمو ويزداد إلى سنة تسعين ( ) وفيها عاد الاختلاف ثانياً وسببه إغراء الجند والوسائط وكان أكبر المحرضين الأمير عز الدين أسامه – صاحب عجلون وكوكب – الذي فارق الأفضل وانضمّ للعزيز وهو من أجلاء الأمراء الصلاحية، فإنه لما رأى من الأحوال مالا يعجبه فارق الأفضل وتوجه إلى الملك العزيز، ففرح بوصوله إليه وأكرمه غاية الإكرام ولما استقر عز الدين أسامه عند الملك العزيز أخذ في تحريضه على الملك الأفضل، وتقوية عزمه على قصده وأخذ دمشق منه قال له: إن لم تَنصر الدولة الصلاحية خُذلت، وإن لم تصُنها ابتذلت، وأخوك (الملك الأفضل) قد غُلب على اختياره وحكم عليه وزيره الضياء الجزري، وقد أفسد أحوال الدولة، فهو يتصرف فيها برأية الفاسد، ويحمل أخاك على مقاطعتك ومباينتك، فإن أغفيت أُغفلت، وإن أمهلت أهملت، وإن لنت غلظوا، وإن نمت تيقظوا ولا تلتزم باليمين فإن من شرطها صفو الوداد وصحة النيَّة، ولم يوجد ذلك، فحنثهم في أيمانهم قد تحقق وبَرِئت أنت من العهدة، فاقصد البلاد فإنها في يدك قبل أن يحصل للدولة من الفساد مالا يمكن تلافيه ( ) ، ثم فارق الملك الأفضل الأمير شمس الدين ابن السلار وهو من أكابر الدولة الصلاحية.
وتوجَّه إلى الملك العزيز، فساعد عز الدين أسامة على التحريض على الملك الأفضل، وتقوية عزم الملك العزيز على قصده، ثم وصل إلى الملك العزيز القاضي محي الدين بن الشيخ شرف الدين ابن أبي عصرون، فاحترمه الملك العزيز وولاه القضاء بالديار المصرية، وضم إليه النظر في أوقافها ( ) وحث القاضي بن أبي عصرون العزيز على ضم دمشق وقال له: لا تسلم يوم القيامة ( ). وبلغ الأفضل قول أسامة وابن أبي عصرون فأقلع عمّا كان عليه وتاب وندم على تفريطه وعاشر العلماء والصلحاء، وشرع يكتب مصحفاً بخطّه وخطّه في النهاية، فلم يُغن عنه ذلك وتحّرك العزيز يقصده، فسار الأفضل إلى عمه العادل ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق