398
موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي
الفصل الثالث:معركة حطين وفتح بيت المقدس والحملة الصليبية
المبحث الثالث:الحملة الصليبية الثالثة ووفاة صلاح الدين:
الثاني عشر: تدابير صلاح الدين للدفاع عن القدس:
قام صلاح الدين بتدابير آنية للدفاع عن المدينة المقدسة منها :
1-قسَّم أسوارها على أمرائه وجهَّزهم بما يحتاجون إليه للمقاومة.
2-أفسد مصادر المياه المحيطة بالمدينة بحيث لم يبق حول بيت المقدس ما يُشرب أصلاً، مما سيجعل العدو في حالة عطش شديد إذا حاول الهجوم عليها.
3-استدعى القوات من الأطراف، فجاءه الملك الأفضل مع العساكر الشرقية وبدر الدين دلدرم الياروقي من التركمان وعز الدين بن المقدم ( ) .
4-قيام فرسان المسلمين بشن غارات مفاجئة وخاطفة على معسكر الصليبيين( ) .
ثم عقد صلاح الدين في 19 جماد الآخرة/ أول تموز) اجتماعاً في بيت المقدس، مع أركان حربه للتشاور في أفضل السبل للدفاع عن المدينة في وجه الحشود الصليبية وطلب السلطان من القاضي ابن شداد أن يفتتح الجلسة، فتحدث هذا في بداية كلامه عن فضل الجهاد، ودعاهم إلى الاقتداء بالرسول الأعظم، فاستحسن الجميع كلامه، ثم سكتو وكأن على رؤوسهم الطير، وبعد هنيهة شرع صلاح الدين في الكلام وضمن ما قاله: إن دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم معلقة في ذممكم، فإن هذا العدو ليس له من المسلمين من يلقاه إلا أنتم، فإن لويتم أعنتكم، طوى البلاد كطي السجل للكتاب وكان ذلك في ذمتكم، فإن أنتم الذين تصديتم لهذا وأكلتم مال بيت المال، فالمسلمون في سائر البلاد متعلقون بكم والسلام ( ) فانتدب لجوابه الأمير سيف الدين المشطوب وقال: يا مولانا، نحن مماليكك وعبيدك، وأنت الذي أنعمت علينا وكبرتنا وعظمتنا وأعطيتنا وأغنيتنا، وليس لنا إلا رقابنا وهي بين يديك، والله ما يرجع أحد منا عن نصرتك إلا أن يموت. ووافق على كلام المشطوب بقية الحضور، فسر بذلك السلطان، لكن الأمراء سرعان ما تراجعوا عن موقفهم في اليوم التالي، كما أخبر بذلك أبو الهيجاء فقد أعلنوا من الخطأ أن يحصروا أنفسهم داخل القدس لأنهم يخافون أن يجري عليهم ما جرى على أهل عكا.
وأنهم يرون أن يكون لقاؤهم خارج أسوار القدس، وقالوا: إن قدر الله أن نهزمهم ملكنا بقية بلادهم، وإن تكن الأخرى – أي الهزيمة – سلم العسكر ومضت القدس ( ) ، لم يقتنع صلاح الدين بجواب الأمراء لأن أمر القدس عنده أمر عظيم لا تحمله الجبال، بل إنهم ردوا عليه بخشونه اعتادوا عليها منذ أمد كما ذكرنا، ويبدو أن الصراع بين عناصر جنده وأمرائه من الأكراد والتركمان قد ذر قرنه، وبلغ مستوى خطير وظهر ذلك من كلامهم حين قالوا : إنك إن أردتنا فتكون (داخل القدس) معنا، أو بعض أهلك، حتى نجتمع عنده وإلا فالأكراد لا يدينون للأتراك والأتراك لا يدينون للأكراد ( ) والواقع أن صلاح الدين صار في وضع لا يحسد عليه وقد أحس ابن شداد بهذا العجز بوضوح حين طلب منه أن يفوض أمره إلى الله، وأن يعترف بعجزه أمامه فيما تصدى له، لعل الله يستجيب لدعائه وقد رآه المؤرخ وهو يصلي، ودموعه تتقاطر في مصلاه حين يسجد ومر يوم الجمعة الثقيل، ثم جاء رجال استخباراته ليعلنوا أن الصليبيين قرروا إيقاف زحفهم تجاه القدس ( ) . يقول ابن الأثير إن ريتشارد طلب من الصليبيين القدامى "الفرنج الشاميين" أن يصوروا له وضع مدينة القدس، والاستحكامات التي أقامها صلاح الدين حولها، فصوروا له كل ما طلب وحين دقق في وضع المدينة قال: هذه مدينة لا يمكن حصارها ما دام صلاح الدين حياً وكلمة المسلمين مجتمعة ( ) . وهذا الموقف جعل الصليبيين ينقسمون بين من يطالب بالهجوم على القدس وبين من ينادي بالتوقف، وكان ريتشارد مع الفريق الثاني. في حين كان الفرنسيون مع الرأي الأول حين قالوا : نحن إنما جئنا من بلادنا بسبب القدس، ولا نرجع دونها. ورد عليهم ريتشارد : إن هذا الموضع قد افسدت مياهه، ولم يبق حوله ماء أصلاً، فمن أين نشرب؟ فقالوا: نشرب من ماء نقوع ( ) . الواقعة بالقرب من القدس بمقدار فرسخ ونكتفي بالشرب في اليوم مرة واحدة ( ) وقد لجأ الصليبيون إلى مبدأ الانتخاب، وأخذ الأصوات، لتحكيم رأي الأغلبية، فكان القرار هو إيقاف الهجوم فرحلوا نحو الرملة ( ) ، وسر بذلك السلطان كثيراً ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق