294
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب
المبحث الثاني:الحملة الصليبية السابعة:
خامساً:معركة المنصورة وتورنشاه يقود المعركة النهاية:
وأضحى لروبرت أرتوا السيطرة على المعسكر الأيوبي، فاغتر بقوته، وتابع زحفه إلى المنصورة لاقتحامها، والقضاء على الجيش الأيوبي، وأعرض عن توسلات الداوية بأن ينتظر وصول الملك والجيش الرئيسي، ونصحه بعضهم بالحيطة والحذر، ثم بادر باقتحام المنصورة ()، فأضحت المنصورة ساحة لحرب الشوارع، وتولى قيادة المصريين الأمير بيبرس البندقارى فأقام جنده في مراكز منيعة داخل المدينة، وانتظروا حتى تدفق الصليبيون بجموعهم إلى داخلها ولما أدركوا أنهم بلغوا أسوار القلعة التي اتخذها المصريون مقراً لقيادتهم، خرج عليهم المماليك في الشوارع والحارات والدروب، وأمعنوا في قتالهم، ولم يستطع الصليبيون أن يلتمسوا لهم سبيلاً إلى الفرار، فوقع الاضطراب بين الفرسان، ولم يفلت من القتل إلا من القى بنفسه في النيل فمات غريقاً، أو كان يقاتل في أطراف المدينة ()، وكانت المنصورة مقبرة الجيش الصليبي ()، وأول ابتداء النصر على الفرنج ()، وجزع لويس التاسع لتلك الصدمة، لكنه تملك نفسه، وبادر إلى إقامة خط أمامي لمواجهة ما يتوقعه من هجوم، من قِبلَ فرسان المماليك ضد قواته، كما أقام جسراً من الصنوبر على مجرى البحر الصغير عبر عليه النيل مع رجاله، ووزعَّ رماته على مجرى البحر الصغير عبر عليه النيل مع رجاله، ووزَّع رماته على الطرف البعيد للنهر حتى يكفلوا الحماية للجند عند عبورهم متى دعت الضرورة إلى ذلك لكن المماليك لم يتركوه وشأنه، وبادروا إلى شن هجوم على المعسكر الصليبي وقاد الملك الفرنسي المعركة بنفسه وأجبر المسلمين على التراجع نحو المنصورة وعلى الرغم من الانتصار الصليبي، إلا أن موقف الصليبيين أخذ يزداد سوءاً بسرعة واضحة، بعد أن قلت المؤن، كما فقدوا نسبة مرتفعة من فرسانهم في معركة المنصورة، وانتشرت الأمراض في معسكرهم، وظل الملك الفرنسي، زهاء ثمانية أسابيع، في معسكره أمام المنصورة، آملاً بأن يحدث انقلاب في مصر أو يقوم المصريون بثورة على الحكم الأيوبي وصل تورانشاه إلى المنصورة في 17 ذي القعدة 647ه/21 شباط 1250م، بعد أن أُعلن سلطاناً في دمشق، وهو في طريقه إلى مصر فأعلنت عندئذ وفاة الصالح أيوب، وسلمَّته شجرة الدر مقاليد الأمور، فأعَّد خطة عسكرية كفلت له النصر النهائي على الصليبيين () وكان وصوله إلى مصر إيذاناً بإعادة إرتفاع الروح المعنوية عند المصريين، وبين صفوف المماليك "وتيمَّن الناس بطلعته" ().
وأمر بإنشاء أسطول من السفن الخفيفة نقلها إلى فروع النيل السفلى، وأنزلها في القنوات المتفرعة، فأخذت تعترض طريق السفن الصليبية التي تجلب المؤن للجنود من دمياط، فقطع، بذلك، الطريق عليها، وحال دون اتصال الصليبيين بقاعدتهم دمياط ()، وفقد الصليبيون عدداً كبيراً من سفنهم قدَّرتها المصادر بما يقرب من ثمان وخمسين سفينة : انقطع المدد من دمياط عن الفرنج، ووقع الغلاء عندهم، وصاروا محصورين لا يطيقون المقام، ولا يقدرون على الذهاب، وتشجع المسلمون وطمعوا فيهم، وأدرك لويس التاسع استحالة الزحف نحو القاهرة في ظل هذه الأوضاع وبدأ يفكر في العودة إلى دمياط وفعلاً أمر بالإرتداد وأحرق الصليبيون ما عندهم من الخشب، وأتلفوا مراكبهم ليفرُّوا إلى دمياط، كما أدرك أن عملية الانسحاب لن تكون سهلة، وأن المماليك سوف يطاردون جيشه لذلك لجأ قبل أن يبدأ بعملية الإنسحاب إلى فتح باب المفاوضات مع تورانشاه، على أساس ترك دمياط مقابل أخذ بيت المقدس ()، غير أن الوقت قد فات على مثل هذه المساومة، وكان طبيعياً لأن يرفض تورانشاه هذه الاقتراح، وبخاصة أنه علم بحرج موقف الملك وفي صباح (1محرم عام 648ه/نيسان عام 1250م بدأت عملية الإنسحاب المهندسون الصليبيون أن يدمَّروا الجسر الذي أقاموه لاجتياز البحر الصغير فلم يلبث المماليك أن عبروه وراءهم، وقاموا بعملية مطاردة منظمة، وهاجموهم من كل ناحية()، وبفضل ثبات الملك الفرنسي وحسن إدارته بعملية الإنسحاب، وصل الصليبيون إلى شرمساح عند منتصف الطريق بين المنصورة ودمياط، لكن هذا الملك مريضاً، وأحاط المماليك بجيشه من كل جانب، وراحوا يتخطفونهم، وشنوا عليهم هجوماً عاماً عند فارسكور ولم يقوا الملك على القتال، وتمّ تطويق الجيش بأكمله، وحلت به هزيمة منكرة، ووقع كل أفراده تقريباً بين قتلى وجرحى وأسرى، وكان الملك لويسع التاسع نفسه من بين الأسرى، حيث سيق مكبَّلاً إلى المنصورة، وسُجن في دار فخر الدين إبراهيم بن لقمان، وعُهد إلى الطواش صبيح المعظمى بحراسته وخُصَّص من يقوم بخدمته وكانت معظم الحرب في فارسكور، فبلغت عدّة القتلى عشرة آلاف في قول المقل وثلاثين ألفاً في قول المكثر، وأسر من الفرنج عشرات الألوف بما فيهم ضاعتهم وسوقتهم، وغنم المسلمون من الخيل والبغال والأموال مالاً يحصى كثرة، وأبلت الطائفة البحرية – لاسيما بيبرس البندقداري – في هذه النوبة بلاء حسان وبان لهم أثر جميل ()، وتعددت صور شجاعة هؤلاء المماليك في التصدي لأعداء الإسلام وشهد التاريخ ببسالة الدور الذي لعبه المماليك في مقاومة الصليبيين فذكر جوانفيل أن الكونت بواتييه والكونت فلاندر وبعض قادة قواتهم كانوا يرسلون إلى الملك لويس يتوسلون إليه: أن يقصر عن الحركة لعجزهم عن متابعته لضغط المماليك الشديد عليهم ()ويقول: ..ثم جاء للكونستابل جندي كان يحمل صولجانا ويرتجف خوفاً وأخبره أن الترك قد أحدقوا بالملك وأنه في خطر عظيم فرجعنا، فأبصرنا بيناوبينه ومالا يقل عن ألف مملوك والملك قريباً من النهر والمماليك يدفعون قواته ويضربون السيوف والصولجانات وأرغموا القوات الأخرى على التقهقر ()وقد وصفهم أحد المؤرخين في تلك المعركة بقوله: والله لقد كنت أسمع زعقات الترك كالرعد القاصف ونظرت إلى لمعان سيوفهم وبريقها كالبرق الخاطف فلله درهم لقد أحيوا في ذلك اليوم الإسلام من جديد بكل أسد من الترك قلبه أقوى من الحديد، فلم تكن إلا ساعة وإذا بالإفرنج قد ولوا على أعقابهم منهزمين وأسود الترك لأكتاف خنازير الإفرنج ملتزمين ()، وتضمنت انتصارات المماليك على الصليبيين أنهم استطاعوا الإستيلاء على ثمانين سفينة من سفن الصليبيين بعد أن قاموا بسحب بضعة سفن من سفن المسلمين إلى اليابسة ثم أنزلوها ثانية إلى الماء على بعد فرسخ من شمال معسكرهم، فاستحالت عودة الفرنج الذين ذهبوا إلى دمياط لجلب المؤنة وتم قتل جميع بحارة الثمانين سفينة كما استولوا على اثنين وثلاثين مركباً مما أضعفهم وطلبوا الصلح().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق