285
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثالث "عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب
المبحث الثاني:الحملة الصليبية السابعة:
أولاً:أسبابها:
لم تمضي ثلاث سنين على انتهاء الحملة الصليبية السادسة التي استهدفت مصر، حتى توجهت الحملة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا إلى هذا البلد بهدف الاستيلاء عليه وتحقيق الحلم الصليبي القديم وهو استعادة بيت المقدس وأراضي بلاد الشام، وتدعيم الكيان الصليبي المتداعي، وحدث عقب المعركة التي انتصر فيها الملك الصالح أيوب وحلفاؤه الخوارزميون على التحالف الدمشقي الصليبي والتي سمي معركة أرِبيا، أن أرسل روبرت، بطريرك بيت المقدس، سفارة إلى أوروبا الغربية مؤلفة من جاليران، أسقف بيروت، وألبرت بطريق أنطاكية، لتشرح للبابا إنوسنت الرابع (1242 – 1254م) خطورة الموقف في بلاد الشام وتطلب منه المساعدة العاجلة حتى لا يتعرض الصليبيون للفناء ().
وفي شهر محرم عام 643ه/شهر حزيران عام 1245م، عقد البابا مجمعاً في مدينة ليون الفرنسية للتباحث فيما ينبغي اتخاذه من تدابير لمقاومة أطماع الأمبراطور، ولحق به أعضاء السفارة وقدَّموا للجميع تقريراً عن أوضاع الصليبيين في الشرق، فتقرر إرسال حملة صليبية جديدة لتدارك الموقف قبل فوات الأوان() وكان عند الملك الفرنسي لويس التاسع من الدوافع ما حمله على الاشتراك بها، بينما أحجمت ألمانيا وإيطاليا عن مساندتها، بفعل الصراع الذي كان قائماً آنذاك بين البابوية والأمبراطورية والحقيقة أن الأمبراطور فريدريك الثاني انتهج سياسة مزدوجة تجاه الحملة، حيث قام بتزويدها بالمؤن عند مرورها بصقلية في طريقها إلى قبرص، كما احتفظ بعلاقات طيبة مع حلفاء الكامل محمد، فاتصل سراً بالصالح أيوب وأرسل إليه سفارة يعلمه بتحرك الصليبيين ونواياهم، لقد تعَّدت وتشعَّبت أسباب هذه الحملة، فمنها أسباب رئيسية تنطوي على الدوافع الحقيقية لقيامها، كما أن هناك عوامل ثانوية ساعدت على التنفيذ () ولعل من أهم الدوافع الحقيقية التي أثارت المجتمع الغربي بعامة شعور الملك الفرنسي بخاصة وحضَّرت الجميع للثأر هي:
1- تعُّرض الصليبيين في الشرق إلى مضايقات خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي على يد الخوارزميين، بشكل خاص.
2- ضياع بيت المقدس منهم، حيث استعادها الصالح أيوب بمساعدة الخوارزميين الذين نكَّلوا سكانها النصارى، ونهبوا دورهم وأموالهم، حتى أضحى وضعهم مقلقاً من وجهة النظر الصليبية.
3- لقد أنزل المسلمون ضربات قاسية بباقي الممتلكات الصليبية في بلاد الشام تمثَّل بعضها باستعادة الصالح أيوب، طبرية وعسقلان، حتى أضحت باقي ممتلكاتهم ومعاقلهم مهَّددة بالخطر والضياع().
وأما فيما يتعلق بالعوامل الثانوية فلعل أهمها:
لقد حدث أن مرض لويس التاسع حتى أشرف على الموت، ولما أفاق من شدة المرض، نذر إن منَّ الله عليه بالشفاء أن يحمل الصليب ويذهب لغزو الأراضي المقدسة.
يرى بعض المؤرخين أن الملك الفرنسي حمل الصليب، وتعهد بالقيام بحرب مقدسة لإنقاذ صليبي الشرق، إثر رؤيا ظهرت له أثناء مرضه فحواها أنه رأى فيما يرى النائم شخصين يتقاتلان أحدهما مسلم والآخر نصراني، وقد انتصر الأول على الثاني، ففسّر هذه الرؤيا بحاجة صليبي الشرق للمساعدة، وأن الله أناط به هذه المهمة.
كان للآثار والذخائر الدينية المقدسة التي حصل عليها لويس من حنادي بريين، الملك الإسمي لبيت المقدس، وبلدوين الثاني، أمبراطور القسطنطينية اللاتيني، أثر غير مباشر، دفعه للقيام بحملته على مصر من أجل استعادة بيت المقدس.
نتيجة لوقوع الكوارث بالصليبيين في الشرق، فقد أرسل هؤلاء الرسل إلى الغرب الأوروبي يستنجدون به، كما أشرنا، وأنذروا الأوروبيين باحتمال ضياع ما تبقَّى من ممتلكاتهم إذا لم يلبوا نداء الاستغاثة().
ساند البابا إنوسنت الرابع مشروع لويس التاسع، فدعا إلى الاشتراك بالحملة الصليبية السابعة، خشية أن يطغى نفوذ الملك الفرنسي، الذي اشتهر بالورع والتقوى، وعُرف بمواقفه الحازمة حيال الكنيسة ورجال الدين، على نفوذه كرجل دين ورئيس أعلى للكنيسة اللاتينية ().
ومن الأهمية بمكان، دراسة دوافع الملك لويسع التاسع الفرنسي في مشاركته للمشروع الصليبي، ويلاحظ أن مؤرخ سيرته جان دي جوانفيل، قد أضفى عليه طابعاً دينياً على نحو فعل العديد من الباحثين يتصورون ذلك الجانب في الملك الفرنسي المذكور، وجاء المؤرخون الفرنسيون المحدثون ليعمقوا الفكرة بشأن القديس لويس، فهل صفة القداسة التي ارتبطت بلويس التاسع تعني أننا أمام قائد صليبي يحركه الدين في المقام الأول ؟ خاصة أنه الملك الوحيد من بين الذين شاركوا في دعم الحركة الصليبية من بين ملوك أوروبا من وصف بالقداسة، ونجد له – على ذلك – مادة مستقلة في الدراسات الخاصة بمعاجم القدسين ()؟ وفي تصور المؤرخ الدكتور محمد مؤنس عوض: أن ذلك الملك الفرنسي من التجني على الموضوعية التاريخية الواجبة أن نتعامل معه مع الرؤية الجوانقيلية التي صيغت في القرن الثالث عشر الميلادي/السابع الهجري والمنطق يدعونا إلى تصور البواعث الحقيقية المحركة لذلك الملك الفرنسي، وفي هذا النطاق نعرف أن لويس التاسع أراد تدعيم نفوذ آل كابيه الفرنسية فيما وراء البحر لدى ذلك الملك رؤية اقتصادية لتكوين مستعمرات فرنسية جديدة في النطاق البحر المتوسط كذلك لا تغفل رغبته في زعامة أوروبا للمشروع الصليبي في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي/السابع الهجري، ولا تغفل زاوية أخرى على جانبها الكبير من الأهمية في صورة رغبة ذلك الملك الداهية الذي اتشح بثياب الدين في تكوين حلف مغولي/صليبي ضد المسلمين (). وهذا الموقف يكشف لنا كيف أن ذلك الملك الفرنسي اتبع أسلوباً جديداً في صنع التحالفات السياسية مع القوى الدولية حتى تلك الواقعة خارج النطاق الجغرافي الأوروبي من أجل تطويق المسلمين على نحو يكشف لنا مدى تنامي الحركة الصليبية ودخولها أطواراً جديدة، تعكس استعار العداء الأوروبي تجاه الإسلام وأهله والتفكير في أساليب جديدة للصراع، خاصة بعد أن فشلت العديد من الحملات الصليبية في تحقيق أهدافها، ولا ريب في أن ما أورده مؤرخ سيرته في هذا الصدد خير دليل يدعم ذلك التصور() ويتضح لنا بجلاء، أن لويس التاسع حركته عدة دوافع مجتمعه كل منها له شأنه في الصراع الإسلامي – الصليبي حينذاك أما اتجاه المؤرخين الأوروبيين ولاسيما الفرنسيين على نحو خاص – لإضفاء طابع المجد حول ذلك الملك الفرنسي على نحو خاص، فكان الهدف منه خلق نموذج للبطولة الأوروبية في المرحلة القروسطية لتعميق فكرة الحروب الصليبية والتضحية من أجل المسيحية حتى في عصرنا الحالي وقد ساهم الجانب الدعائي على نحو كبير في جعل ذلك الملك وكأنه أسطورة أوروبية، وقد بدأ ذلك الجانب منذ جان دي جوانقيل، وحتى الآن على الرغم من أن انجازاته في عالمي الحرب والسياسة لا تضمن له البتة، ذلك المستوى الرفيع الذي صورته به أقلام الغرب () الأوروبي.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق