218
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثاني:عهد الملك الكامل بن العادل الأيوبي
المبحث الثالث:سياسة الملك الكامل مع الممالك في عصره:
سابعاً:وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله في عهد الملك الكامل 622ه:
12-أقول المؤرخين فيه وأيامه الأخيرة:
- قال الذهبي: وكان مستقلاً بالأمور بالعراق، متمكناً من الخلافة يتولى الأمور بنفسه ما زال في عزَّ وجلالة واستظهار وسعادة () وكان : شديد الاهتمام بالملك، لا يخفى عليه كبير شيء من أمور رعيته، أصحاب أخباره في البلاد، حتى كأنه شاهد جميع البلاد دفعة واحدة، كانت له حيل لطيفة وخِدع لا يفطن إليها أحد، يوقع صداقة بين ملوك متعادين، ويوُقع عداوة بين ملوك متوادَّين ولا يُفطنون ()
- قال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر، ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين، وذلتَّ له العتاة والطًّغاة وانقهرت لسيفه الجبابرة، وفتح البلاد العديدة، وملك من الممالك مالم يملكه أحد ممن تقدّم من السلاطين والخلفاء والملوك وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين، وكان أسد بني العباس تتصدع لهيبته الجبال، وكان حسن الخَلْقِ، لطيف الخُلُق كامل الظرف، فصيح اللسان، بليغ البيانَ، له التوقيعات المسددة والكلمات المؤيدة، كانت أيامه غُرَّةً في وجه الدهر، ودُرَّةً في تاج الفخر ().
وقال ابن واصل: .. وكان مع ذلك ردئ السيرة في الرعية، مائلاً إلى الظُّلم والعَسْفِ وكان يفعل أفعالاً متضادة، وكان يتشيَّعُ ويميل إلى مذهب الإمامية، بخلاف آبائه، حتى إن ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أفضلهم بعده من كانت ابنتُه تحته فكنّى بفضل الصَّدِيق ولم يقدر أن يصرح ().
وهذا بعيد مع وجود الممالك السنية، كالأيوبية وغيرها والحاكم همه جمع الرعية والملوك حّوله وربما يكون قد وسع على الشيعة الإمامية أكثر من غيره وأحسن إليهم.
- وقال ابن الأثير: وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلاً عن الحركة بالكلية، وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصاراً ضعيفاً، وفي آخر الأمر أصابه دوسنطاريا عشرين يوماً ومات، ووزر له عدة وزراء، وقد تقدم ذكرهم، ولم يطلق في طول مرضه شيئاً كان أحدثه في الرسوم الجائرة، وكان قبيح السيرة في رعيته ظالماً، فخرب في أيامه العراق، وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أملاكهم وأموالهم، وكان يفعل الشيء وضده، فمن ذلك أنه عمل دور ضيافة ببغداد ليفطر الناس عليها، في رمضان، فبقيت مدة، ثم قطع ذلك، ثم عمل دور الضيافة للحجاج، فبقيت مدة ثم أبطلها، وأطلق بعض المكوس التي جددها ببغداد خاصة، ثم أعادها وجعل جل همه في رمي البندق، والطيور والمناسيب، وسراويلات الفتوة، فبطل الفتوة في البلاد جميعها، إلا من يلبس منه سراويل يدعى إليه، ولبس كثير من الملوك منه بسراويلات الفتوة وكذلك أيضاً منع الطيور المناسيب لغيره إلا ما يؤخذ من طيوره ومنع الرمي بالبندق إلا من ينتمي إليه، فأجابه الناس بالعراق وغيره إلى ذلك إلا إنساناً واحداً يقال له ابن السفت من بغداد، فإنه هرب من العراق ولحق بالشام، فأرسل إليه يرغبه في المال الجزيل ليرمي عنه، وينسب في الرمي إليه فلم يفعل، فبلغني أن بعض أصدقائه نكر عليه الإمتناع من أخذ المال، فقال يكفيني فخراً إنه ليس في الدنيا رمي للخليفة إلا أنا، فكان غرام الخليفة بهذه الأشياء من أعجب الأمور وإن كان سبب ما ينسبه العجم إليه صحيحاً من أنه هو الذي أطمع التتر في البلاد وراسلهم في ذلك فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم ().
- وقال ابن كثير: وقد ذُكَر عنه أشياءُ غريبة؛ من ذلك أنه كان يقول للرسل الوافدين عليه: فعلتم في مكان كذا كذا وكذا، وفي الموضع الفُلانيَّ كذا، حتى ظنَّ بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يُكاشف، أو أن جنَّياً يأتيه بذلك ().
وقال: وكان مرضه قد طال به، وجُمهوُره من عَسار البول، مع أنه قد كان يُجْلَبُ له الماء من مراحل عن بغداد ليكون أصفى، وشُقَّ ذكرهُ مرات بسبب ذلك، ولم يغن عنه هذا الحذر شيئاً، وكان الذي ولى غسله محي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزيَّ وصُلىَّ عليه ودفن في دار الخلافة، ثم نقل إلى التُّرابِ من الرُّصافةِ في ثانَي ذي الحجة من هذه السنة - 622ه - وكان يوماً مشهوداً ().
- وقال الدكتور فاروق عمر فوزي: لقد كان نظام الفتوة محاولة جادة من قبل خليفة داهية وسياسي محنك لبث روح جديدة وعزيمة فتية في نفوس الشباب والقادة في المجتمع العربي الإسلامي من خلال انخراطهم في تنظيم يتزعمه الخليفة ويقوده بنفسه من أجل مواجهة المخاطر التي تهدد الدولة كخطر الباطنية والغلو في الداخل والمغول التتار والإفرنج في الخارج، ولتحقيق روابط جديدة ومتينة بين ملوك الأطراف المسلمين للثبات أمام المحن والشدائد().
إن خليفة مثل الناصر أعاد هيبة الخلافة وقضى على النفوذ السلجوقي الأجنبي في العراق وهدم دار السلطنة السلجوقية في بغداد حتى أطلق عليه لقب "أسد بني العباس تتصدع لهيبته الجبال"، إن خليفة يمثل هذه المواصفات والإنجازات لابد وأن ينتقدوه منافسوه، وأعداؤه الذين كانوا يتوقون إلى ضعف الخلافة وسقوطها لكي يخلو لهم الجو السياسي، ومن هنا نلاحظ بعض الروايات التي تشكك في إجراءاته وسياساته وخاصة نظام الفتوة الناصرية حيث اعتبرته دلالة طيش ولهو أدى إلى أهمال الخليفة لشؤون الدولة والإنشغال برسوم الفتوة مثل الرمي بالبندقية وتربية الطيور وما إلى ذلك، ليس في هذه الروايات شيء من الصحة () ، إن النتائج السياسية والعسكرية للفتوة التي أعادت للدولة هيبتها وللتضامن الإسلامي بين أمراء الأطراف قوته ومتانته أكبر دليل على ضعف تلك الافتراءات، إن هذه المبالغات هي حلقة من سلسلة التشكيك الذي تعرضت إليه شخصية الناصر وسياساته من أعدائه ومنافسيه داخل دار الإسلام وخارجها وقد وصلت هذه الحملة ذروتها في اتهامه بمراسلة المغول () وحثهم على غزو دار الإسلام وهو أمر لا يعقل أن يقوم به خليفة عربي عباسي هاشمي () ، لقد كان الخليفة الناصر لدين الله من خلفاء بني العباس المتأخرين الذين يستحقون التقدير لأنهم حققوا مكاسب مهمة للخلافة والمجتمع في وقت صعب اشتدت فيه الأزمات().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق