إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 18 أغسطس 2014

موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"(المقدمة )


موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"(المقدمة )

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

"يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تُموُتُنَّ إلا وأنتم مسلمون" (آل عمران: 102).

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "(النساء، آية: 1).

"يا أيها الذين ءامنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذُنُوبكم ومن يطع الله ورسوله فق فاز فوزاً عظيما "(الأحزاب، آية: 70 ، 71).

أما بعد:
يارب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى، هذا الكتاب امتداد لما سبقه من كتب درست عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة وعهد الدولة الأموية، وعهد السلاجقة وعصر الدولة الزنكية، ودولة المرابطين والموحدين، وعهد صلاح الدين الأيوبي، والدولة العثمانية وقد صدر منها: السيرة النبوية وأبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي، ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبدالعزيز، وفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، والوسطية في القرآن الكريم، والثمار الزكية للحركة السنوسية، والسلطان محمد الفاتح، والشيخ عبدالقادر الجيلاني، والإمام الغزالي، وحقيقة الخلاف بين الصحابة، وفكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة والجماعة وعقيدة المسلمين في صفات رب العالمين، وقد سميت هذا الكتاب: الحملات الصليبية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والأيوبيون بعد صلاح الدين ويعتبر حلقة مهمة في سلسلة الحروب الصليبية والتي خرج منها: السلاجقة والزنكيون وصلاح الدين، والتي نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن تكون لوجهه خالصة ولعباده نافعة، ويطرح فيها القبول والبركة، ويرزقنا حسن القصد وإخلاص النية لوجهه الكريم، ويوفقنا لإكمال الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها وهذا الكتاب يتحدث عن استمرار صراع المشاريع بين المشروع الصليبي والمشروع الإسلامي، وظهور المشروع المغولي على مسرح الأحداث، فقد لخص الفصل الأول الأيوبيون بعد صلاح الدين، فتحدث عن أقاليم الدولة والنزاع بين خلفاء صلاح الدين وبين الأخوين الأفضل والعزيز، وتآمر الملك العادل على الأفضل، وجهود القاضي الفاضل في الإصلاح بين البيت الأيوبي والتحالف بين الملك العادل والعزيز ابن صلاح الدين، وجهاد الملك العادل للصليبيين وتشجيع القاضي الفاضل له على التصدي للغزاة وتعرض الكتاب لعهد الملك العادل بالتفصيل فذكر الأحلاف السياسية ضد الأيوبيين في الجزيرة والعلاقات مع الزنكيين في عهد الملك العادل والعلاقات السلجوقية الأيوبية في عهد العادل والعلاقات بين الخوارزميين والأيوبيين، وبين الأيوبيين والفرقة الإسماعيلية، والعلاقات مع الخلافة العباسية وآثار الكتاب الحديث عن الحملة الصليبية الرابعة وسقوط القسطنطينية، وإلى جذور الصراع بين الأمبراطورية البيزنطية وبابا الفتيكان، ومقتل الإمبراطور ميخائيل الثالث وتجدد العداء بين البابوية وبيزنطة والمشكلة الأنطاكية، وجهود البابا أنوسنت الثالث في الحملة الصليبية الرابعة، وبعض المصاعب والمشاكل التي أثرت في مسيرة الحملة، وسقوط القسطنطينية وإقامة إمبراطورية لاتينية والسياسة الخارجية للبابوية والحملات الصليبية، ومسؤولية سقوط القسطنطينية ونتائج الحملة الصليبية الرابعة، ومحاولة الصليبيين السيطرة على بلاد الشام، وفصل الكتاب مجريات الحملة الصليبية الخامسة وموقف أباطرة وملوك أوروبا من الحملة واستعدادت التجهيز، ونزول الصليبيين لدمياط، وبداية العمليات العسكرية والصراع على برج السلسلة ووفاة الملك العادل أخو صلاح الدين، وتحدثت عن دور العلماء والفقهاء في الجهاد في عهد الملك العادل وعن أهم معاهدات الملك العادل مع الفرنج وعن سياسة دول المدن الإيطالية تجاه الأيوبيين وعن أهم الدروس والعبر والفوائد والوفيات في عهد الملك العادل والتي من أهمها؛ غلاء وفناء ووباء بمصر عام 597ه، وزلزلة عظيمة في سنة 597ه في بلاد الشام والجزيرة والروم والعراق ووفاة الشيخ أبو الفرج بن الجوزي، ووفاة العماد الكاتب الأصبهاني والحافظ عبد الغني المقدسي وفخر الدين الرازي ومحمد بن أحمد بن قدامة وإبراهيم عبدالواحد المقدسي، وطبيعة البيت الأيوبي في الصراع الداخلي، وإعلان الباطنية رجوعهم إلى الإسلام عام 608ه، وعمارة قلعة الطور عام 609ه وتخلل عهد الملك العادل وقفات تربوية وعلمية وتأملات في بعض سنن الله في طبيعة الصراع بين المشاريع وفي الفصل الثاني كان الحديث عن عهد الملك الكامل بن العادل الأيوبي، وجهوده للتصدي للغزاة الصليبيين في الحملة الصليبية الخامسة ومرابطته في العادلية، ومساومات الملك الكامل على القدس، وإعداده لمصر والشام لقتال الصليبيين، وسقوط مدينة دمياط وإضطرار الصليبيين للصلح، وأسباب فشل الحملة الخامسة، منها توفيق الله للمسلمين ثم الخطط العسكرية الجيدة التي وضعها الكامل محمد ونفذها جنوده وتعاون الملوك الأيوبيين، ودعم الجبهة الإسلامية بالمال والرجال والعتاد وإقامة التحصينات الكافية في الأماكن المناسبة، والاختلاف بين الصليبيين، واعتدادهم بالنفس وجهلهم بالوضع الطبيعي لأرض مصر، وعدم استغلال عامل الوقت، والخلافات التي نشبت بين أفراد الجيش الصليبي وغيرها، وتكلمت عن السياسة الأيوبية الداخلية في عهد الملك الكامل ابن الملك العادل، وكيف تولى السلطة وما هي المحاولات التي بذلت لخلعه؟ كمؤامرة ابن المشطوب وتخوف الملك الكامل من الأمراء، وشرحت سياسة الملك الكامل الإدارية والأمنية والقضائية والاقتصادية والمالية وإصلاح النظام النقدي وسياسته التعليمية وأصول ثقافته الدينية، وترجمت لأبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامه من مشاهير عصر الدولة الأيوبية في عهد الملك العادل والملك الكامل، فذكرت علمه ومصنفاته وجهوده في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد النصارى ومكانته وثناء الناس عليه ومنهجه في باب الأسماء والصفات والمحبة عند ابن قدامة والنذر ومسألة الإمامة والجهاد والغزو معهم والصلاة خلفهم وتحريم الخروج عليهم والصحابة، ووصية ابن قدامة، وأشرت إلى الملك الكامل وسياسته العمرانية والحياة الاجتماعية وبعض رجالاته في الدولة وسياسته الخارجية مع الخوارزميين وسلاجقة الروم والأراتقة والتتار والخلافة العباسية وتمّ ترجمت الخليفة العباسي الناصر لدين الله وسياسته المالية والاقتصادية ونظام الفُتُّوة وصحوة الخلافة وتصديها للنفوذ السلجوقي وعلاقته بالخوارزميين والإسماعيلية الشيعية، وعلاقته بحكام بلاد الشام وترجمت للخليفة الظاهر بن الناصر، والخليفة المستنصر بالله في المبحث الرابع من الفصل الثالث تحدثت حديثاً مستفيضاً عن الحملة الصليبية السادسة، وعن شخصية الإمبراطور فردريك الثاني وطموحاته وسير الحملة الصليبية السادسة والمفاوضات بين الملك الكامل والأمبراطور فردريك الثاني وصلح يافا وزيارة الأمبراطور بيت المقدس، وردود فعل الأمة الإسلامية من تسليم بيت المقدس ومعالجة الملك الكامل لموقف المسلمين الرافضين للصلح، وموقف الصليبيين من صلح يافا وذكرت نتائج الحملة السادسة وفي الفصل الثالث تكلمت عن عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب وماذا حدث بعد وفاة الملك الكامل ؟ وعن الأحلاف بين بعض الأيوبيين والصليبيين، والخوارزمية واسترداد بيت المقدس والصالح أيوب وتوحيد الدولة الأيوبية وعلاقة الملك الصالح أيوب بالخلافة العباسية، وتطوير الملك الصالح أيوب للجيش الأيوبي واهتمامه بتربية المماليك على تعاليم الدين الإسلامي ودخلت في المبحث الثاني من الفضل الثالث وتركت القارئ وجهاً لوجه مع الحملة الصليبية السابعة وسردت أحداثها بشيء من التفصيل مع وقفات تربوية واستخراج دروس وعبر وفوائد من هذا الحدث الكبير، كوقوع لويس التاسع في الأسر وشروط الصلح وأسباب هزيمة الحملة الصليبية السابعة، كالتطوير العسكري في الجيش الأيوبي ووحدة الصف الإسلامي وأهمية القيادة في أحراز النصر، ونزول العلماء والفقهاء أرض الجهاد، وجهل الفرنجة بجغرافية البلاد الإسلامية، وخطأهم في تقدير العامل الزمني والعصيان وعدم الطاعة في صفوفهم، وانحلال الحملة السابعة خلقياً، وفتور الروح الدينية عند الصليبيين، والتهور وقصر النظر ولخصت أهم نتائج الحملة الصليبية السابعة والتي كانت؛ عجز فرنسا عن تحقيق أهدافها، وأهمية دور المماليك في إفشال الحملة وسندهم التاريخي للوصول للحكم، تميز شجرة الدّر في قيادة الأحداث، تضرر الاقتصاد الأوروبي، والحزن العظيم الذي أصاب الأوروبيين واضطرابات سياسية في أوروبا، تخريب مدينة دمياط عدم الاستجابة للبابا أنوسنت الرابع، انقطاع الإمدادات ضعف الروح الصليبية، وذكرت مقتل تورنشاه وزوال الدولة الأيوبية وفي المبحث الثالث من الفصل الثالث كان الحديث عن الشيخ عز الدين بن عبدالسلام من مشاهير عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، فتحدثت عن اسمه ونشأته وشيوخه في طلب العلم وتلاميذه ومؤلفاته وسمات التأليف عنده، وأعماله في التدريس والافتاء والقضاء والخطابة وأهم صفاته، كالشجاعة، والزهد والقناعة والورع والتقوى والبلاغة والفصاحة، وأهم محاور التجديد عنده، كسعيه لتقنين أصول الفقه، ومجالات التربية والآداب والتصوف وابداعاته الجميلة فيها وجهاده ثم وفاته وثناء العلماء عليه قديماً وحديثاً وفي المبحث الرابع كان الحديث عن الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية، فتكلمت عن أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى كالدعوة إلى التوحيد، وإعتناق الإسلام والإيمان بالقرآن الكريم، ومناقشة عقائد النصارى، كنقض الأمانة، واختلاف الأناجيل، ومناقشة قولهم في المسيح عليه السلام، وإبطال التثليث، ونفي الألوهية عن المسيح، ونفي بنوة المسيح لله سبحانه وتعالى، وإبطال الصلب، ومناقشة شعائر النصارى وطقوسهم، كالتعميد والاعتراف وصكوك الغفران وأعياد النصارى، وصلاة النصارى وصيامهم، وتشريع النصارى في الزواج ومناقشة النصارى في تركهم الختان، وتعظيم النصارى للصور والتماثيل، وحقيقة خوارق العادات لدى النصارى وأهم الشبه التي أثارها النصارى في عصر الحروب الصليبية، كدعوى خصوصية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالعرب ودعوى أن القرآن ورد بتعظيم النصارى والثناء عليهم، وشبهات تعدد الزوجات في الإسلام، ودعوى انتشار الإسلام بالسيف ودعوى عدم جزم المسلمين بصحة القرآن الكريم لإختلاف الصحابة في جمعه وتعدد قراءاته وانتقادهم للطلاق في الإسلام، ودعوى أن المسلمين وثنيون كفار، وذكرت جهود القائمين على دعوى النصارى في عصر الحروب الصليبية، من القادة والولاة، وجهود صلاح الدين ونور الدين والملك العادل، ويوسف بن تاشفين في دعوى النصارى ودور العلماء، مثل صالح بن الحسين بن طلحة الجعفري وأحمد بن إدريس القرافي، ومحمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي في قيادة المعركة الثقافية ضد الصليبيين، ووضحت وسائل الدعوة الإسلامية في عصر الحروب الصليبية، من الكتب كالإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام للقرطبي، والأجوبة الفاخرة للقرافي، ووسيلة الجهاد كالتي قام بها عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين والملك العادل والمرابطون والموحدون، ووسيلة الرسل، والمسجد، والرسائل، وشرحت أساليب المسلمين في دعوى النصارى، كالأساليب العقلية، من السبر والتقسيم، وقياس الأولى، والقياس المساوي والمحاكمات العقلية، وأسلوب القلب وتناقض الخصوم وأسلوب المقاربة والاستدلال بمسلمات الخصم، والأساليب العاطفية، كأسلوب الترهيب، وأسلوب الاستهزاء والتهكم وأسلوب اللين والتلطف بالخطاب وأسلوب القسم، والأساليب الفنية، كأسلوب ضرب الأمثال، وأسلوب القصة وأسلوب التكرار، وأسلوب الأستفهام وأسلوب التعجب، وأسلوب استخدام الشعر في تأدية بعض المعاني، وبينت آثار دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية، كدخول أعداد كبيرة من النصارى في الإسلام، وتأثر النصارى بعادات المسلمين وأخلاقهم وتقاليدهم، وتحسن نظرة كثير من النصارى للإسلام والمسلمين ونجاح المسلمين في كسب بعض النصارى، وحسن معاملة النصارى لمن تحت أيديهم من المسلمين وظهور عزة الإسلام وتغير التكتيك الصليبي، وإعجاب بعض القادة الأوروبيين بالحضارة الإسلامية، واهتمام كثير من علماء الغرب بثقافة الشرق، وتأثر النصارى باللغة العربية، وفقدان الثقة بالبابا ورجال الدين ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية والتي من أهمها:
1-    وجوب الحذر من خصوم الإسلام في كل زمان ومكان وإن تغيرت الوسائل وتنوعت الأساليب.
2-    وجوب الدعوة إلى الله على بصيرة، ولا يكون ذلك إلا بوجود العلماء الربانيين.
3-    أهمية التدرج في الدعوة وعدم استعجال النتائج خاصة في المجال الدعوي.
4-    إن المقاومة الهادئة للغزاة على منهج سليم أساس النجاح والانتصار على الأعداء وتحصين الصف الداخلي.
5-    للأقليات الإسلامية في ديار الغرب رسالة هامة، ولذلك علينا الاتصال بها وتقوية العلاقة بيننا وبينها لتحقيق المقاصد المرجوة على المدى الطويل.
6-    إن ثبات المسلمين في ديارهم لمقاومة الغزاة من أهم أسباب بقاء الإسلام فيها، ومن ثم دحر العدو وهزيمته.
7-    كان لحركة التأليف التي قام بها علماء المسلمين أثر كبير في تقرير عقيدة الإسلام وبيان السنة وإبراز محاسن الدين وإبطال شبهات الأعداء حوله بمختلف اللغات.
8-    ظهر مبدأ التخصص في دعوة النصارى والتصدي لشبهاتهم وكان من أبرز العلماء القرافي والقرطبي.
9-    إن الالتزام بالإسلام وأحكامه له تأثير في نشر الإسلام وقبوله عند الآخرين.
10-    خطورة الاختلاف والتناحر على الأمة وأثر الوحدة في عزتها وقوتها وهزيمة أعدائها.
11-    عدم القنوط واليأس مهما كبرت الرزايا وكثرت الفتن ونحب أن نبين أنه في الوقت الذي كانت تجري فيه رحى المعارك الحربية بين المسلمين والصليبيين، كان هناك معارك أخرى بين الطرفين في صورة السجال الديني والجدل الثقافي والردود المتبادلة ومحاولة كل طرف إثبات أفضلية معتقدة الديني وقد برز في هذا الجدال والسجال أعلام وقادة من أشهرهم القرطبي والخزرجي والقرافي، وغيرهم، فدافعوا عن ثقافة الأمة وعقيدتها وخلد الله ذكر مساعيهم الحضارية الرائعة التي لا تزال آثارها إلى يومنا هذا ونصر الله بهم الإسلام في المجال الفكري والدعوي وتحقق بهم قول الله تعالى: "ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرين"(التوبة، 32) قول الله تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" (الصف، آية: 9).

وقد لفت نظري أسلوب علماء الأمة في مناصرة الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الحروب الصليبية ونحن في أشد الحاجة إليه بحيث تكون مناصرتنا لرسول الله شاملة وفق رؤية استراتيجية متكاملة، ونخرج من موقع المدافع إلى الهجوم حيث أنه خير وسيلة للدفاع، فلنشغل القوم بأنفسهم، وندعوهم إلى الدين الصحيح، والعقيدة السليمة وخاتم النبيين والمرسلين، إن لدى أمتنا رصيداً زاخراً وتراثاً كبيراً، مما كتبه، القرطبي، والقرافي والخزرجي وابن تيمية وابن القيم والجهد المشكور الذي قام به الداعية أحمد ديدات – رحمه الله – وغير ذلك كثير، إذن فلتكن رؤيتنا واستراتيجيتنا لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وديننا العظيم يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه قدائف الحق: أن القوم لو شغلوا بترهات دينهم، ومضحكات عقيدتهم، لأجهدناهم أي جهد، وشغلناهم كل مشغل ( ) وهذا الكلام صحيح ولكنني أذهب إلى دعوتهم والحرص على سلامتهم، والأخذ بأيدي الباحثين عن الحقيقة منهم إلى بر السلام، وعلينا أن نترك أسلوب الدفاع ولنتقل إلى الهجوم على عقائدهم الفاسدة، يقول أبو الحسن الندوي – في تقديمه لكتاب العلامة رحمة الله الكيرانوي (إظهار الحق) مادحاً أسلوبه وخطته الهجومية: وهكذا ظهر هذا الكتاب إلى حيز الوجود ويمتاز بعدة ميزات منها: أن المؤلف آثر خطة الهجوم على خطة الدفاع، التي لا تزال أقوى وأكثر تأثيراً في النفس؛ فإنها تلجئ الخصم إلى أن يتخذ موقف الدفاع وأن يقف في قفص الاتهام ويدافع عن نفسه وينفي التهمة، لذلك لما طبع كتاب العلامة رحمة الله الكيرانوي أثار ضجة كبرى في الأوساط النصرانية والأوروبية ناهيك عما كتبته صحف إنجلترا تعليقاً على هذا الكتاب: لو دام الناس يقرأون هذا الكتاب لوقف تقدم المسيحية في العالم ( ). وقد اشترى القساوسة كميات كبيرة من طبعات الكتاب، وأتلفوها إحراقاً وإبادة، ليتغيب الكتاب عن السوق( ).

إننا اليوم في حاجة ماسة في إعادة النظر في التعامل مع المشاريع الغازية، سواء صليبية، أو غيرها، ولابد من المواجهة الشاملة وترتيب الأولويات في ذلك فالمشروع الصليبي الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والأعلامي ... إلخ بداية هزيمته في تحقيق انتصارات ساحقة في المجال الفكري والعقدي والثقافي، وهذا يسبق الانتصار العسكري والسياسي، كما بينا في كتبنا السابقة.
هذا وفي المبحث الخامس والأخير، وقفت متأملاً ومتدبراً في أسباب سقوط الدولة الأيوبية والتي كان جامعها الابتعاد عن شرع الله في أمور الحكم، فقد وقع الظلم على الأفراد وتورط بعض السلاطين في الترف، وحدث بينهم نزاع عظيم، سفكت فيه الدماء بين المسلمين وأدى ذلك إلى زوالهم، فعندما يغيب شرع الله تعالى في أمور الحكم – كما حدث للدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين – يجلب للأفراد والدولة تعاسة وضنكاً في الدنيا وإن آثار الابتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة في وجهتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وإن الفتن تظل تتوالى وتترى على الناس حتى تمس جميع شؤون حياتهم قال تعالى " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" (النور، آية: 63). لقد كان في ابتعاد سلاطين الأيوبيين بعد وفاة صلاح الدين عن تحكيم الشرع والعقل الذي يقود إليه في نزعاتهم وخلافاتهم آثار على أفراد البيت الأيوبي والأمراء والملوك والدولة، فقد أصيبوا بالقلق والجزع والخوف والشقاق والخلاف ونزع منهم الأمن وأصبحوا في ظنك من الحياة إن هلاك الأمم وسقوط الدول، وزوال الحضارات لا يحدث عبثاً في حركة التاريخ، بل نتيجة لممارسة هذه الأسرة الحاكمة، أو الدولة الظالمة، وأصناف الظلم والجور والانحراف وبعد أن يعطوا الفرصة الكافية حتى تحق عليهم الكلمة فيدفعوا ثمن انحرافهم وإجرامهم وطغيانهم وفسقهم والآيات صريحة في ذلك فالله إذا أنعم على دولة نعمة أيّا كانت فهو لا يسلبها حتى يكفر بها أصحابها قال تعالى: "ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"(الأنفال، آية: 53). والآيات في هذا كثيرة سواء ما يخص الفرد أو الأمة، بل إن القرآن الكريم ليذكر أن بعض ما يصيب الأمم والأفراد من استدراج حين يمهلهم الله تعالى وتواتيهم الدنيا وتفتح عليها خيراتها، فينسوا مهمتهم وما خلقوا له، بل ينسون المنعم جل جلاله وينسون ما عندهم لجهدهم وذكائهم وقد يفلسفون الأمر فيقولون: لو لم نكن نستحق هذه النعم لما منحت لنا وفي هؤلاء يقول تعالى : "فلما نسُوا ما ذُكرُّوا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" (الأنعام، آية: 44- 45). لقد نسى هؤلاء أن الله يمنح خيرات الدنيا لمن يطلبها ويجدّ فيها قال تعالى: "ومن يرُد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يُردِ ثواب الآخرة نؤته منها" (آل عمران، آية: 145) ولكن هناك من يريد الآخرة بحق ويسعى لذلك فهو الفائز : " من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كُلاَّ نُمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظور "(الأسراء، آية 18-20).

وقال تعالى: "وضرب الله مثلاً قرية كانت ءامنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون" (النحل، آية: 112- 113) ولنستمع لهذه الدعوة الكريمة "ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قّوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين" (هود، آية: 52). فكل إنسان وكل مجتمع وكل أمة مسؤولة عما يصدر عنها، ولا يتحمل أحد جريرة غيره ( ) "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عمّا كانوا يعملون"(البقرة، آية : 134).

والمهم أن الله تعالى لا يحجب نعمة عن أحد، بل يوزعها على المؤمن والكافر، ثم يراقب تصرف الكل فيها، فمن طغى وظلم ومن كفر بها واستعملها استعمالاً سيئاً فإن العقاب العادل سينزل به في الوقت المناسب وقد يطول ذلك العهد قبل نزول العقاب ولكنه يكون في الطريق وبعد هذا وذلك فإنه: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (البقرة، آية: 86). ومثل هذا في الأمم والمجتمعات وعلى مستوى الأفراد، فإن الله خلق النفوس ملهما إياها طريق الخير والشر يقول تعالى: "ونفس وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها" (الشمس، آية: 7 – 10 وقال تعالى: "وهديناه النجدين" (البلد: 10) ومن الملاحظ في دراسة أسباب سقوط الدول والحضارات بأنها لا تسقط بسبب واحد، كما لا تقوم بسبب واحد، بل تتجمع عدة أسباب لقيامها، وعدة أسباب لتدهورها وسقوطها، بعضها يعمل ببطء بينما يعمل البعض بسرعة أكبر، ولا تسقط الدولة أو الحضارة بضربة واحدة، بل يتظافر جملة من العوامل ، وهذا ما حدث للدولة الأيوبية التي زالت من الوجود في مصر عام 648ه وأهم هذه الأسباب في نظري:
1-    توقف منهج التجديد الإصلاحي.
2-    الظلم.
3-    الترف والإنغماس في الشهوات.
4-    تعطيل الخيار الشوري.
5-    النزاع الداخلي في الأسرة الأيوبية.
6-    موالاة بعض الأيوبيين للنصارى.
7-    فشل الأيوبيين في إيجاد تيار حضاري.
8-    ضعف الحكومة المركزية.
9-    ضعف النظام الاستخباراتي.
10-    غياب العلماء الربانيين عن القرار السياسي.
11-    وفاة الملك الصالح أيوب وعدم كفاءة وريثه.

وقد شرحت كل سبب من هذه الأسباب في هذا الكتاب وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الخميس الساعة السابعة إلا خمس دقائق ليلاً من تاريخ 25 ربيع الآخر/1429ه/01/05/2008م بالدوحة والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجعل عملي لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كل مسلم يصله هذا الكتاب أن لا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين "(النمل، آية: 19).

وقال تعالى "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" (فاطر، آية:2).

وقال تعالى " سبحان ربك رب العزة عما يصفون  * وسلام على المرسلين * والحمد الله رب العالمين" (الصافات، آية: 180 – 182).

"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين".

الأخوة الكرام: يسرني أن تصل ملاحظاتم وانطباعاتكم حول هذا الكتاب وغيره من كتبي من خلال دور النشر، وأطلب من إخواني الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص لله رب العالمين، والصواب للوصول للحقائق ومواصلة المسيرة في خدمة تاريخ أمتنا.


Mail: abumohamed2@maktoob.com



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق