428 والاخيرة
موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي
الفصل الثالث:معركة حطين وفتح بيت المقدس والحملة الصليبية
المبحث الثالث:الحملة الصليبية الثالثة ووفاة صلاح الدين:
الرابع عشر:المفاوضات وصلح الرملة:
مرض صلاح الدين ووفاته : عام 589ه
11- قصيدة العماد الأصفهاني في رثاء صلاح الدين:
شَمْلُ الهُدى والمُلكِ عَمَّ شَتَاتُهُ
والدَّهرُ ساء وأقلعت حسناته
أين الذي مُذْ لم يَزَل مخشيَّة
مرجَّوة هبّاتُهُ وَهِبَاته
أين الذي كانت له طاعاتنا
مبذولةً ولرَبَّهِ طاعاته
بالله أين الناّصر الملك الذي
لله خالصةّ صفت نيّاتُهُ
أين الذي ما زال سُلطاناً لنا
يُرجى نَدَاه وتُتَّقى سَطَواتُهُ
أين الذي شَرُفَ الزَّمان بفضله
وسَمَتْ على الفُضَلاء تشريفاته
أين الذي عَنَتِ الفرنجُ لبأسه
ذُلا ومنها أدركت ثاراته
أغلالُ أعناقِ العِدَى أسيافه
أطواق أجياد الورى مِنّاتُهُ
لم يُجْدِ تدبيرُ الطَّبيب وكم وكم
أجدت لطبَّ الدَّهر تدبيراته
مَنْ في الجهاد صِفَاحه ما أغمدت
بالنصر حتى أُغمدت صفحاته
من في صدور الكفُر صدرُ قَناتِهِ
حتى توارث بالصِّفيح قَنَاتُهُ
لَذَّ المتاعب في الجهاد ولم تكن
مُذ عاش قَطُّ لذاتِهِ لَذَّاتُهُ
مسعودةٌ غدواتُهُ محمودةٌ
روحاته ميمونة ضَحَواتُهُ
في نصرة الإسلام يسهُر دائماً
ليطول في روض الجنان سُُبَاتُهُ
لا تحسبوه مات شخص واحدٌ
س
فممات كلَّ العالمين مماته
مَلِكٌ عن الإسلام كان محامياً
أبداً لماذا أسلمته حُمَاتُهُ
قد أظلمت مُذ غاب عنها دُوُره
لما خلت من بدره دَارَاتُهُ
دُفن السَّماحُ فليس تُنثَرُ بعدما
أودى إلى يوم النُّشور رُفاتُهُ
الدين بعد أبي المظفَّر يوسف
أقوَت قُواه ( ) وأقفرت ساحاته
جبلٌ تضعضع من تَضَعضع رُكنه
أركانُنا تَهُدُّنا هدّاتُهُ
ما كنت أعلم أنّ طوداً شامخاً
يَهْوي ولا تَهْوِي بنا مَهْوَاتُهُ
ما كنت أعلم أنَّ بحرً طامياً
فينا يُطَمُّ وتنتهي زَخَراتُهُ
بحرٌٌ خلا من وارديه ولم تَزَل
محفوفةً بوفوده حافَاتُهُ
من لليتامى والأرامل راحم
متعطَّفٌ مفضوضة صَدَقاُتُه
فعلى صلاح الدين يوسُفَ دائماً
رضوانُ ربَّ العرش بل صَلَوَاتُهُ
لضريحه سُقْيا السَّحابِ فإن يَغِبْ
تحضُر لرحمة ربه سُقْياتُهُ
وكعادة البيت المقَّدسِ يحزُنُ
البيت الحرامُ عليه بل عرفاته
من للثغور وقد غدَاها حِفظُهُ
من للجهاد ولم تَعُدْ عاداتُهُ
بكت الصَّوارمُ والصّواهلُ إذ خلت
من سَلَّها وركوبها غزواته
وبسيفه مدأٌ لحُزن مصُابه
إذ ليس يُشفى بعده صَدَياتُهُ
يا وحشتاً للبيض في أغمادها
لا تنتفيها للوغى عزماته
يا وحشة الإسلام يوم تمكنت
في كل قلب مؤمن رَوْعَاتُهُ
يا حسرتا من يأسِ راجيه الذي
يُقضى الزمان وما انقضت حسراته
ملأت مهابته البلاد فإنه
أسدٌ وإنَّ بلاده غاباته
ما كان أسرع عصره لما انقضى
فكأنَّما سنواته ساعاته
لم أنس يوم السَّبت وهو لما به
يُبدي السُّباتَ وقد بَدَتْ غشياتُهُ
والبشرُ منه تَبلَّجَت أنوارُهُ
والوجه منه تلألأت سُبحُاتُهُ
ويقول لله المهيمن حُكُمهُ
في مرضةٍ حَصَلَت بها مَرْضَاتُهُ
وقف الملوكُ على انتظار ركوبه
لهمُ ففيم تأخَّرت رَكَباتُهُ
كانوا وقوفاً أمسِ تحت ركابه
واليوم هُمْ حَوْلَ السَّريرِ مُشاتُه
وممالك الآفاق ساعية له
فمتى تجيءُ بفَتْحِهنَّ سُعَاتُهُ
هذي مناشيُر الممالك تقتضي
توقيعه فيها فأين دَواتُهُ
هذي الجيوش من البلاد تواصَلَت
فعلام لا تسمو لها راياته
قد كان وعدُك في الرّبيع بجمعها
هذا الربيع وقد دنا ميقُاتُه
والجنُدُ في الديوان جُدَّدَ عَرْضُهُ
وإذا أمرت تجَّددت نفقاته
والقدس طامحة إليك عيونه
عَجَّلْ فقد طَمَحَت إليه عُداتُهُ
والغربُ منتظرٌ طلوعك نحوه
حتى نفيءَ إلى هُدَاك بُغاتُهُ
والشَّرق يرجو غَرْبَ عَزمِكَ ماضيا
في مُلكه حتى تطيع عُصاتُهُ
مُغْرىً بإسداء الجميل كأنَّما
فُرِضَت عليه كالصًّلاة وصِلاتُهُ
هل للملوك مَضَاؤه في مَوقَفٍ
شُدَّت على أعدائه شَدَّاتُهُ
وإذا الملوكُ سَعَوْا وقصَّرَ سَعْيُهُم
رَجَحت وقد نَجَحَتْ به مَسْعَاتُهُ
كم جاءه التّوفيق في وقعاته
من كان بالتوفيق توقيعاتُهُ( )
وقال أيضاً:
يا راعيا للدين حين تمكّنَتْ
منه الذَّئاب وأسلمتهُ رُعاتُهُ
ما كان ضَرَّك لو أقمت مُراعيا
ديناً تَوَلىَّ منُذ رَحَلْتَ وُلاتُهُ
أضجرت مِنَّا أم أَنِفت فلم تكن
ممن تصابُ لشَّدةِ ضَجَراتُهُ
أرضيت تحت الأرضِ يا من لم تَزَلْ
فوق السماء عليّه درجاته
فارقت مُلكْا غيرَ باق مُتْعبِا
ووَصلت مُلْكا باقيا راحاتُهُ
أعزِز على عيني برؤية بهجة الدنيا
ووجهك لا تُرى بهجاتُهُ
أبني صلاح الديَّن إنَّ أباكُم
ما زال يأبى ما الكِرامُ أباتُهُ
لا تقتدوا إلا بسُنَّةِ فضلهِ
لتطيب من مهد النَّعيم سِنَاتُهُ
وَرِدُوا موارد عَدْلِهِ وسماحِهِ
لِتُرَدَّ عن نهج الشَّمَاتِ شُمَاتُهُ
ولئن هوى جبلٌ لقد بنيت لنا
ببنيه من هَضبَاتِهِ ذُرَوَاتُهُ
وبفضل أفضل وعزَّ عزيزه
وظهور ظاهره لنا سَرَواتُهُ
الأفضل الملكُ الذي ظَهَرت على الدنيا
بزهر جلاله جَلَواتُهُ
والدين بالملك العزيز عِمَادُه
عثمان حالية لنا حالاته
والمَلْك غازي الظَّاهرِ العالي الذي
صَحَّت لإظهار الُعلَى مغزاتُهُ
ولنا بسيف الدَّين أظهرُ نصرةٍ
بالعادل الملك المُطَهَّرِ ذاته( )
وقال أيضاً:
من للعُلا من للذُّرى من للهُدى
يحميه مَنْ للبأس من للنائل
طلب البقاء لملكه من آجل
إذ لم يثق ببقاء مُلك العاجل
بحرٌ أعاد البَرَّ بحراً بِرُّه
وبسيفه فتحت بلاد الساحل
مَنْ كان أهلُ الحَقَّ في أيامه
وبعزَّه يُرْدُون أهل الباطل
وفتوحُهُ والقُدسُ من أبكارَها
أبقت له فضلاً بغير مساجل
ما كنت أستسقي لقبرك وابلاً
ورأيتُ جُوْدَكَ مُخْجلاً للوابل
فَسَقاك رِضوانٌ الإله لأنني
لا أتقي سُقيا الغَمَام الهاطل( )
لقد تأثر الناس بوفاة صلاح الدين حتى المؤرخون الأوروبيون ترحموا على صلاح الدين وأشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وأما مكانة صلاح الدين فستظل عظيمة أبد الدهر، إذ يكفى ما قام به في سبيل توحيد صفوف المسلمين والدفاع عن كيانهم، ثم مواصلة الجهاد في صورة لا تعرف الملك لطرد الغزاة الدخلاء ( ) . ولقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاءاً عظيماً، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلاته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه وسكنه وسائر بلاده وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة ( ) ، ولا شك أن وفاة صلاح الدين جاءت خسارة كبرى للجبهة الإسلامية المتحدة، إذ أنذرت هذه الوفاة بقيام المنازعات بين أبناء البيت الأيوبي والذي سنتحدث عنه تفصيلاً بإذن لله تعالى في كتابنا الرابع من سلسلة موسوعة الحروب الصليبية والذي عنونه "الأيوبيون بعد وفاة صلاح الدين".
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الثلاثاء الساعة الثالثة فجراً بتاريخ 05/05/1428ه -22/05/2007م والفضل لله من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده قال تعالى : " ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسك لها وما يمُسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" (فاطر، آية:2).
ولا يسعني في نهاية هذا الكتاب إلا أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم، معترفاً بفضله وكرمه وجوده متبرئاً من حولي وقوتي ملتجئاً إليه في كل حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي، فلله خالقي هو المتفضل، وربي الكريم هو المعين وإلهي العظيم هو الموفق فله الحمد على ما منّ به عليّ أولا وآخراً وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملى لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي وأن يثيب إخواني الذين أعانوني من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه قال تعالى : "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمـت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" (النمل، آية :19).
وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى: "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إن رءوف رحيم" (الحشر، آية: 210) وبقول الشاعر ابن الورديَّ لابنه:
أطلبُ العلم ولا تكسل فما
أبعد الخير على أهل الكسل
احتفل للفقه في الدَّين ولا
تشتغل عنه بمال وَخَوَلْ
واهجر النوم وحصله فمن
يعرف المطلوب يَحْقِر ما بَذَل
لا تَقُل قد ذهبت أربابُه
كلُّ من سار على الدَّرْب وَصَلْ
"سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك، وأتوب إليك"
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربَّ العالمين
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه
علي محمد محمد الصَّلاَّبيَّ
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
الإخوة الكرام يسرني أن تصل ملاحظتكم وانطباعاتكم حول هذا الكتاب، وغيره من كتبي وأطلب من إخواني الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص لله رب العالمين والصواب للوصول للحقائق ومواصلة المسيرة في خدمة تاريخ أمتنا.
Mai : abumohamed2@maktoob.com
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق