152
موسوعة الحروب الصليبية (4)الحملات الصليبية "الأيوبيون بعد صلاح الدين"
الفصل الثاني:عهد الملك الكامل بن العادل الأيوبي
المبحث الثاني:السياسة الأيوبية الداخلية في عهد الملك الكامل
خامساً:أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه من مشاهير عصر الدولة الأيوبية في عهد الملك العادل والملك الكامل:
1-علمه ومصنفاته:
أمضى ابن قدامه وقتاً طويلاً من حياته في رياض العلم والمعرفة، يلازم الشيوخ والعلماء ويأخذ عنهم، حتى برز في جوانب علمية كثيرة، فذاع صيته بين العلماء وسار الركبان بإنتاجه الوفير، الذي كان شاهداً حيَّاً على سعة إطلاعه ووفرة علمه وتنوع ثقافته، ولم يقتصر ابن قدامه على الأخذ بنوع واحد من العلوم، بل حاول الأخذ قدر الإمكان من العلوم المختلفة، حتى برز في علوم كثيرة، دل على ذلك تنوع إنتاجه العلمي، فقد ألفَّ في التفسير والحديث والتوحيد والفقه وأصوله والأنساب وغيرها وبلغ فيها درجة من العلم قلَّ أن تتوفر لغيره من العلماء () وهذا التنوع في العلوم لدى ابن قدامة كان بسبب عوامل كثيرة، لعلَّ من أبرزها كثرة الشيوخ الذين أخذ عنهم العلم، وقد كان فيهم الفقيه والمحدث والمفسر والمؤرخ واللغوي، كما أن البيئة التي عاش فيه كانت بيئة علمية، ساعدته على تحصيل العلوم المختلفة، فقد عاش معظم حياته في دمشق، وكانت حينذاك زاخرة بالعلماء وطلبة العلم، كما عاش فترة في بغداد حاضرة العلم والعلماء في وقته يضاف إلى ذلك الفترة التي عاش فيها بان قدامة من 541ه - 620ه فإنها كانت من أفضل الفترات العلمية في عهد الزنكيين والأيوبيين، أضف إلى ما سبق همة ابن قدامة العالية، وحرصه على طلب العلم وتفانيه في الحصول على الكم الوافر من العلوم المختلفة والعلم الذي اشتهر فيه ابن قدامة أكثر، وبرّز فيه حتى أصبح علماً من أعلامه هو علم الفقه وكتابة "المغني" يكاد يكون فريداً في كتب الفقه الإسلامي، حيث يحمل بين طيّاته من العلم والفقه في الدين، والاستدلال بنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف، والترجيح بين الأدلة ومناقشة الآراء والتوفيق بينها، ما يدل دلالة أكيدة على سعة علم مؤلفه، وبروزه في هذا المجال، حتى قال عنه الشيخ ابن تيميه – رحمه الله – ما دخل الشام بعد الأوزاعي، أفقه من الشيخ الموفق ()ورغم بروز ابن قدامه في علم الفقه، فإن له كذلك جهود كبيرة، وتصانيف نافعة في علم العقيدة، وعلم الحديث، وغيرها، ولكن هذه الجهود لم تأخذ حقها من البيان كما هو الحال في الفقه () ، وتعّذر ابن قدامه للتدريس والإفتا، وكانت حلقات تدريسه مشهورة، وبقي زمانا يجلس بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان لابن قدامه اهتمامات أخرى، ومن ذلك الجانب الأدبي واللغوي وخصوصاً قرض الشعر وله في هذا المجال نظم كثير حسن مثل قوله:
أتفضل يا ابن أحمد والمنايا
شوارع تَخْتَرمِْنَكَ عن قريب
أغرَّك أن تخطيك الرازيا
فكم للموت من سهم مصيب
كؤوس الموت دائرة علينا
وما للمرء بدُّ من نصيب
إلى كم تجعل التسويف دأباً
أما يكفيك إنذار المشيب
أما يكفيك أنك كل حين
تمر بغير خلَّ أو حبيب
كأنك قد لحقت بهم قريباً
ولا يغينك إفراط النحيب()
ومع تفرغ ابن قدامة للتدريس والإفتاء والمناظرة فإنه قام كذلك بتأليف الكتب النافعة المشهورة في العقيدة والتفسير والحديث والفقه وأصوله والأنساب والرقائق وقد انتفع المسلمون بتصانيفه وانتشرت واشتهرت ومن هذه التصانيف، الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار، البرهان في بيان القرآن، التبيين في أنساب القرشيين، تحريم النظر في كتب الكلام، ذم التأويل، ذمّ الوسواس الرقة والبكاء في أخبار الصالحين، روضة الناظر وجنة المناظر وهو كتاب في أصول الفقه، ويعتبر من الكتب الجليلة في هذا العلم، حيث عرض فيه آراء العلماء على اختلاف مذاهبهم في المسائل الأصولية، وناقش آراءهم، وحقَّق المسائل المختلف فيها، وأوضح النهج السليم فيما سلك، لذا فإن الروضة من أهم المراجع في الأصول عند الحنابلة وكان من بعده يرجعون إليها وينقلون عنها () ، ومن كتبه المشهورة المغني شرح مختصر الخرقي وهو من أجل الكتب في الفقه الإسلامي ذكر فيه ابن قدامة المذاهب بأدلتها فقد أورد ما دوّن في فقه الحنابلة، كما ذكر مذاهب الفقهاء الثلاثة المشهورة ومذاهب الصحابة والسلف ممن لم تدوّن مذاهبهم الفقهية فغد الكتاب موسوعة فقهية قيَّمة وقد وصفه عز الدين بن عبد السلام بقوله : ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلي، وكتاب المغني للشيخ موفق الدين ابن قدامة في جودتهما وتحقيق ما فيهما () وقد علق الإمام الذهبي وهو يترجم للإمام ابن حزم على كلام العز هذا فقال: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما "السنن الكبير" للبيهقي ورابعهما: "التمهيد" لابن عبد البر () ، فمن حصَّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقاً" () ، كما نقل عن العز أيضاً قوله: لم تطب نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة من المغني () . وقد ألف غير ذلك من الكتب التي جاوزت الأربعين كتاباً ().
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق