إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 9 يوليو 2014

98 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية : المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية: ثانياً:سياسة الانفاق في الخدمات الاجتماعية:


98

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :

المبحث الخامس:النظام الاقتصادي والخدمات الاجتماعية:

ثانياً:سياسة الانفاق في الخدمات الاجتماعية:

سعى نور الدين محمود إلى تقديم أوسع الخدمات الاجتماعية لشعبه وجعل مؤسسات الدولة أدوات صالحةفي خدمة الجماهير وسعت لتغطيت شتى الحاجات : ابتداء من قضايا المسكن والملبس والمأكل وانتهاء بقضايا الروح ومروراً بالحاجات الفكرية والصحية والعمرانية والانتاجية، وقد أخذت هذه الخدمات أساليب وأشكالاً مختلفة، فهي حيناً تأتي عن طريق التوزيع المباشر للمال وحيناً عن طريق (الإعانة) على تلبية حاجة معينة أو الفكاك من الأسر وحيناً ثالثاً عن طريق انشاء مؤسسات ومرافق : كالمارستانات والملاجيء ودور الأيتام والمدارس ودور الحديث والخانات والربط والجسور والقناطر والقنوات والأسواق والحمامات والطرق العامة والمخافر والخنادق والأسوار.. وحيناً رابعاً تجئ عن طريق نظم (الوقف) التي شهدت في عصر نور الدين قمة نضجها وتنظيمها وازدهارها وحيناً خامساً عن طريق عدد من الإجراءات التنظيمية التي استهدفت تحقيق الضمان الاجتماعي لقطاع ما من قطاعات الأمة ( ) . كان نور الدين يرى في الدولة جهاز خدمة وانجاز، لا أداة قسر واستنزاف ( ) ، فزمانه كما يقول أبو شامة : مصروف إلى مصالح الناس والنظر في أمور الرعية والشفقة عليهم ( ) .

1- المجال الصحي (المستشفيات) :

اهتم نور الدين محمود بإنشاء المستشفيات (البيمارستانات) وجعلها تقدم الخدمة الطبية المجانية للشعب وقد انتشرت في أغلب مدن الدولة الزنكية وتعتبر البيمارستانات من مفاخر الحضارة الإسلامية التي سبقت غيرها من الحضارات وإذا كان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86 - 96ه/705 – 715م) هو أوّل من بنى البيمارستانات الثابتة في الإسلام كما بينا في كتابنا الدولة الأموية عوامل الأزدهار وتداعيات الأنهيار فإن الملك العادل نور الدين محمود وخلفاؤه من البيت الأيوبي هم أول من استكثر منها من الملوك والسلاطين واهتموا بدراسة الطب وممارسته اهتمامً بالغاً وقاية لبلادهم من الأوبئة والأمراض، وكانت حلب في عهد الملك نور الدين محمود إحدى مراكز تدريس الطب في بلاد الشام، وكان ميدان ذلك البيمارستان النوري الذي كان يؤدي رسالة علمية لها أهميتها في تدريس الطب إضافة إلى قيامه بوظيفته الأساسية علاج المرضى ومتابعتهم ( ).

أ- البيمارستان النوري : قال ابن الشحنة :

إن الملك نور الدين محمود هو الذي بنى هذا البيمارستان داخل باب أنطاكية بالقرب من سُوق الهواء ( ). وقال الغزيّ : هو لصيق البهرامِيّة من جنوبيها الشرقي بناه نور الدين محمود زنكي ( ) وقد ذكر ابن الشحنة أن الملك نور الدين حينما أراد بناء هذه البيمارستان طلب من الأطباء أن يختاروا من حلب أفضل بقعة، صحيحة الهواء صالحة لإقامة البيمارستان بها، وذبحوا خروفاً وقطعّوه أربعة أرباع، وعلّقوها بأرباع المدينة ليلاً، فلمّا أصبحوا وجدو أحسنها رائحة الرّبع الذي كان في هذا الموقع، فبنوا البيمارستان ( ) فيه وهذه خطة حكيمة في اختيار المكان الصالح لبناء البيمارستان في وقت تنعدم فيه آلات قياس الأبعاد ودرجات الحرارة واختبارات الأجواء ( ).

ويقع هذا البيمارستان حالياً في منطقة الجلوم الكبرى في الزقاق المعروف حالياً بزقاق البهراميّة ( ) ، وقد وجد مكتوباً عند باب البيمارستان : بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله المولى الملك العادل المجاهد المرابط الأعز الكامل صلاح الدنيا والدين قِسيم الدولة رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين ناصر الحق بالبراهين محي العدل في العالمين قامع الملحدين قاتل الكفرة المشركين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله دولته ( ) وكان نور الدين قد أوقف على هذا البيمارستان : قرية معراشا، ونصف مزرعة وادي العسل، من جبل سمعان، وخمسة أفدنة من مزرعة كفرنايا، وثلت مزرعة الخالدي وطاحونها من المُطخ، وثُمن طاحون غربية طاهر باب الجنان وثمانية أفدنة من مزرعة أبو مَدَاياً من عزاز، وخمسة أفدنة بمزرعة الحميرة المُطخ، أثني عشر فداناً من مزرعة الغرزل من المعّرة، وثلث قرية بيت راغِل من الغربيّات وعشرة دكاكين بسوُق الهواء منها ثلاثة تمام والباقي شركة الجامع الكبير، وأحكار ظاهر باب أنطاكية، وباب الفرج وباب الجِنان ( ) ، وكثرة هذه الأوقاف تدل على مقدار المال الوفير الذي تدرّه هذه الأوقاف لتأمين نفقات هذا البيمارستان الكبير ( )، وقد أشار محمد كرد إلى وجود مكتبة متخصصة داخل البيمارستان تشمل على كثير من الكتب الطبية التي أوقفها الملك نور الدين محمود على هذا البيمارستان ( ) ، مما يؤكد أثر هذا البيمارستان في النشاط العلمي في هذا العهد إلى جانب الوظيفة الطبية التي كان يقوم بها ( ).

ب-  البيمارستان النوري في دمشق :

ينسب هذا البيمارستان للملك نور الدين محمود زنكي قال عنه ابن الأثير : وبنى البيمارستانات في البلاد، ومن أعظمها البيمارستان الذي بنأه بدمشق، فإنه عظيم كثير الخرج بلغني أنه لم يجعله وقفاً على الفقراء فحسب، بل على كافة المسلمين من غني وفقير ( )، وذكر أبو شامة أن لأصل بنائه قصة عجيبة وهي : أن نور الدين رحمه الله وقع في أسره بعض أكابر الملوك من الفرنج، خذلهم الله تعالى، فقطع على نفسه في فدائه مالاً عظيماً، فشاور نور الدين أمراءه فكل أشار بعدم إطلاقه لما كان فيه من الضرر على المسلمين، ومال نور الدين إلى الفداء بعدما استخار الله تعالى، فأطلقه ليلاً لئلا يعلم أصحابه وتسلم المال، فلما بلغ الفرنجي مأمنه مات، وبلغ نور الدين خبره، فأعلم أصحابه فتعجبوا من لطف الله تعالى بالمسلمين حيث جمع الحسنيين وهما الفِداء، وموت ذلك اللّعين، فبنى نور الدين رحمه الله بذلك المال هذا البيمارستان ومنع المال الأمراء لأنه لم يكن عن إرادتهم كان ( ) ، كما علق أبو شامة على قول ابن الأثير : بلغني أنه لم يجعله وقفاً على الفقراء حسب، بل على كافة المسلمين من غني وفقير ( ) ، فقال : وقد وقفت على كتاب وقفه فلم أره مشعراً بذلك، وإنما هذا كلام شاع على ألسنة العامة ليقع ما قدره الله تعالى من مزاحمة الأغنياء للفقراء فيه والله المستعان، وإنما صّرح بأن ما يعزُّ وجوده من الأدوية الكبار وغيرها لا يمنع منه من احتاج إليه من الأغنياء والفقراء، فخصّ ذلك بذلك، فلا ينبغي أن يتعدى إلى غيره، لاسيما وقد صّرح قبل ذلك بانه وقف على الفقراء، والمنقطعين، وقال بعد ذلك : من جاء إليه مستوصفاً لمرضه أعطى وروى أن نور الدين رحمه الله شرب من شراب البيمارستان فيه – أي دواء للعلاج – وذلك موافق لقوله في كتاب الوقف : من جاء إليه مستوصفاً لمرضه أعطي. والله أعلم ( )  وهذا الشرط يؤكد الهدف الاجتماعي النبيل من إنشاء هذا البيمارستان إذ كان الفقراء موضع عناية كبيرة لدى الملك نور الدين ( ) رحمه الله وذكر كرد علي أن هذا البيمارستان ظل عامراً إلى سنة 317ه/1899ه وكان أطباؤه وصيادلته لا يقلون عن عشرين رجلاً حتى قامت بلدية دمشق بإنشاء مستشفى للغرباء في الجانب الغربي من التكيّة السليمانية المطّلة على المرج الأخضر وجمعت له إعانات وأخذ مبلغ من واردات البلدية وأوقاف المستشفى النوري واحتفل في 15 ذي القعدة 1317ه بافتتاح المستشفى الجديد ( ) ، أما بناية المستشفى النوري فقد جعلت مدرسة للبنات ثم اتخذت سنة 1356ه/1937م داراً لمدرسة التجار الرسمية ( ) وحالة البيمارستان النوري الحاضر جيدة وقد رُمّمت قبة المدخل حديثاً على الشكل الذي كانت عليه ويقام فيه حالياً : متحف الطب والعلوم عند العرب التابع للمديرية العامة للآثار والمتاحف السورية ( ) .

وقد اشتهر البيمارستان النوري في دمشق في عهد نور الدين محمود زنكي بتدريس الطب، وقد أشار إلى ذلك ابن أبي أصيبعة وهو يُترجم لشيخه الطبيب أبي المجد بن أبي الحكم المتوفي سنة 570ه/1174م فذكر أن أبا المجد كان يدور على المرضى بالبيمارستان الكبير النوري، ويتفقد أحوالهم، ويعتبر أمورهم، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى، فكان جميع ما يكتبه لا يتوخر عنهم، وكان مع فراغه من ذلك، وطلوعه على القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة، يأتي ويجلس في الإيوان الكبير الذي للبيمارستان، وجميعه مفروش ويحضر كتب الاشتغال، فكان جماع من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه ثم تجري مباحث طبية ويُقرئ التلاميذ، ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مقدار ثلاثة ساعات ثم يركب إلى داره ( )، وكان نور الدين قد أوقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية، وكانت في الخُرِستانين ( ) ، اللذين في صدر الإيوان ( ) . كما كان بعض مشايخ الطب ومتقدميهم يجعل له مجلساً عاماً لتدريس صناعة الطب للمشتغلين عليه كما كان يفعل الطبيب مهذب الدين ابن النّقاش ( )، المتوفى سنة 574ه 1178م ( ) فالبيمارستان كان في ذلك العهد هو المكان الرئيسي لمهنة الطب  والصيدلة من حيث التدريس والتطبيق، كما شاركه في ذلك مجالس العلم التي كان يعقدها الموصوفون بصناعة الطب وتدريسه لطلابهم، ولم تُشر المصادر إلى وجود مدارس مستقلة بتدريس الطب في العهد الزنكي كما هو الشأن في العهد الأيوبي بعد ذلك، عندما أُنشئت أول مدرسة خاصة لتدريس الطب سنة 621ه/1224م وهي المدرسة قبلي الجامع الأموي بدمشق ( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق