إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 يوليو 2014

20 موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية المبحث الثاني : أهم أسباب ودوافع الغزو الصليبي: سابعاً: شخصية البابا أوربان الثاني ومشروعه الشامل للغزو الصليبي: 3- ما يستنتج من خطاب البابا أوربان الثاني ؟


20

موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي

الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية

المبحث الثاني : أهم أسباب ودوافع الغزو الصليبي:

سابعاً: شخصية البابا أوربان الثاني ومشروعه الشامل للغزو الصليبي:

3- ما يستنتج من خطاب البابا أوربان الثاني ؟

قام الدكتور محمد مؤنس عوض بدراسة واعية للحروب الصليبية واستفاد من مراجعهم وقام بتحليل لخطاب البابا من خلال أربعة نصوص لأربعة من المؤرخين المعاصرين، هم فوشيه الشارترى، وروبير الراهب، وجويرت النوجتي ويودريك الدولى، وهناك تصور بأن فوشيه الشارترى كان من بين الذين حضروا مجمع كليرمنت، وبصفة عامة، من الممكن عقد مقارنة بين النصوص الواردة في مؤلفات المؤرخين الأربعة من أجل التوصل إلى حقيقة ما أعلنه البابا في خطبته الشهيرة، وعند مقارنة تلك النصوص يمكن استنتاج الآتي :-

أ- وجه البابا حديثه إلى جنس الفرنجة : من أجل التركيز على البعد الأثني أو العرقي، وأوضح أن الله قد ميزهم بموقع بلادهم، وبعقيدتهم الكاثوليكية، وعمل على تذكيرهم بالبعد التاريخي من خلال أمجاد شارل مارتل وشارلمان وما قدماه للمسيحية من خدمات جليلة، على نحو عكس أهمية حافز "الذاكرة التاريخية" في تشكيل تلك الظاهرة التاريخية الكبرى ()

ب- أشار البابا إلى أن هناك أخباراً مؤسفة ومزعجة قدمت من الشرق مفادها أن جنساً ملعوناً وهم عرق ملعون، عرق غريب تماماً عن الله وهم حقاً جيل لم يتوجه بقلبه أو يعهد بروحه إلى الله () ، (ويقصد بذلك الأتراك السلاجقة) ذبحوا المسيحيين الشرقيين، وحولوا الكنائس إلى اسطبلات لخيولهم وأن دماء أولئك المسيحيين تنادي مسيحيين الغرب من أجل إنقاذهم من براثن أعدائهم الكفار.

ج- عمل البابا على إثارة مطامع سامعيه في ثروات الشرق فأوضح أن الأرض في الغرب الأوروبي ولاسيما في فرنسا ضاقت بسكانها، وطلب من الناس الذهاب إلى الشرق حيث أرض كنعان التي تفيض لبناً وعسلاً وفي ذلك الدليل الجلي الذي لا يقبل ارتياب مرتاب على أن البعد الاقتصادي للحركة الصليبية كان موجوداً، وقد تم الإعلان عنه بصراحة كاملة منذ اللحظات الأولى لميلادها.

س- وعد البابا كل من يحمل السلاح ويتجه إلى الشرق بأن تغفر ذنوبه وآثامه وبمعنى آخر قدم لهم الغفران الكنسي، أما إذا استشهد المرء في سبيل تحقيق هدفه فإنه يعد شهيداً من شهداء المسيحية الأبرار وجميعها مغريات مهمة في عصر سادته ظاهرة الهوس الديني العاطفي في العالم المسيحي الأوروبي.

ش- اتجه البابا إلى الإشارة إلى بيت المقدس، وهي الجنة الأرضية قلب العالم، التي شهدت ميلاد السيد المسيح وطهرها بموته وذكر لمستمعيه أنها تناديكم من أجل تخليصها من براثن محتليها من الكفار، وأود أن أقرر هنا أن تلك المدينة مثلت محوراً على قدر عظيم من الأهمية: من أجل إثارة الشعور الديني لدى مستمعي البابا وفي أغلب النصوص التي وردت إلينا بشأن الخطاب المذكور نجد أن بيت المقدس تحتل مكاناً بارزاً ومحورياً، وهو أمر منطقي تماماً من خلال مكانتها وقداستها الدينية، كذلك أنها مثلت الحلم الجماعي الخاص بالحج المسيحي في ذلك العصر.

ر- حرص البابا على تدعيم خطابه بعدد من النصوص الواردة في الكتاب المقدس من أجل إثارة الشعور الديني لمستمعيه، أو ربما من أجل أن يعطى لخطابه قداسة خاصة مثل عبارات ذلك الكتاب في العقل الجمعي الأوروبي في ذلك العصر، ومن أمثلة ذلك العبارة الواردة في إنجيل متى وهي: من أحب أباً وأمَّاً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب إبناً أو إبنة أكثر مني فلا يستحقني (). كذلك العبارة القائلة : من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني () . والتي وردت في نفس الإنجيل المذكور.

ز- ترتيب الأولويات عند البابا أوربان الثاني : كان البابا أوربان الثاني بارعاً في عرض أفكاره وكذلك في إخفاء بعضها، وقد ركز على أمر بيت المقدس حتى يقدم طريق واحداً على الغرب الأوروبي السير فيه دون تردد ويخلق لمعاصريه (وحدة الهدف) من خلال وحدة المؤسسة الدينية الداعية له في صورة البابوية، وعلى هذا الأساس، لم يرد في الخطاب المذكور أية عبارات عن رغبته العارمة في توحيد الكنائس وإخضاع كنيسة القسطنطينية لسيطرة الكنيسة الأم في روما كذلك لم يرد فيه ما يدل على الهدف التنصيري وهو هدف محوري للبابوية من خلال المشروع المرتقب، وتعليل ذلك الإخفاء، يكمن في أن البابوية أدركت أن هناك أولويات في طرح المشروع ينبغي عدم تخطيها، وأن وحدة العالم المسيحي تتطلب عدم تشعيب الأهداف وطرحها حتى لا يغيب الأمر منذ اللحظات الأول لميلاد المشروع، ويلاحظ هنا أن لغة البابوية في الخطاب ذات طابع متكتم في عرض الأهداف الأخرى لها، أما فيما بعد نجاح المشروع والإستيلاء على الرمز الديني المسيحي في صورة بيت المقدس، وجدنا – والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى – الإفصاح عن الأهداف الأخرى بوضوح وصراحة كاملتين وفي هذا دليل واضح على أن تلك المؤسسة الدينية ذات التأثير الفعال رأت تحقيق أهدافها جزءاً وليس دفعة واحدة، وهو أخطر ما في المشروع برمته، وفي تقديري () ، أن البابا أوربان الثاني لم يغيب عن تفكيره ذلك الجانب بحكم أنه المهندس الأول للمشروع والراعي الأصلي لفكرته، وفي واقع الأمر: أن الخطاب الذي ألقاه البابا في مجمع كليرمنت يعد على جانب كبير من الأهمية التاريخية، فلم نسمع من قبل في تاريخ أوروبا القرون الوسطى أن خطاباً كان معبراً عن عصره بمثل هذه الصورة كما لم نسمع عن خطاب حرك الجماهير الأوروبية الغفيرة عن مواطنها الأصلية إلى الشرق بمثل تلك الدرجة التي تحدثنا بها المصادر التاريخية المعاصرة، ولذلك لا ننظر إليه على أنه مجرد خطاب عادي، بل أنه إعلان ما يشبه "الحرب العالمية" في العصور الوسطى من جانب الغرب الأوروبي ضد الشرق الإسلامي، وذلك دونما مبالغة أو قولية أو اعتساف في الأحكام، بل من خلال شواهد التاريخ التي وقعت في أعقابه. ويلاحظ أنه في أعقاب إلقاء البابا لخطابه صاح الحاضرون صيحة واحدة وهي الله يريد ذلك، وكانت صيحة المسيحية لمحاربة الإسلام وأهله، وأتخذو الصليب شعاراً ومن هنا كانت تسميتهم بالصليبيين ().

ل- قدرة البابا أوربان الثاني على تقديم مشروع عام : استطاع أوربان الثاني أن يوحَّد شعوب الغرب في مشروع عام، على الرغم من أن لغات هذه الشعوب وعاداتها المحلية، واهتمامات أبنائها كانت تختلف اختلافاً بيناً. ولكن الفكرة الصليبية التي جمعت جماهير الغرب الأوروبي لم تكن لتنجح لو لم تكن متوافقة مع حركة المجتمع، هذا التوافق بين الفكر والواقع، بين التبرير الأخلاقي للحرب، وحركة المجتمع هو الذي خلق الإيديولوجية التي تحركت الجماهير الأوروبية في أطارها، فعلى المستوى الشعبي كان تفكير الناس في أوروبا الغربية في القرن الحادي عشر يتوازى مع السياسة البابوية وفكرة الحرب المقدسة إلى حد ما، إذ أن أوروبا كانت قد بدأت حركة إحياء دينية مع مشرق شمس القرن الحادى عشر. ومع اقتراب الألف الأولى بعد المسيح من إكتمالها سرت موجة بالإحساس بالذنب والرغبة في التوبة في غرب أوروبا، فقد تعمق لدى الإنسان الغربي الشعور بالخطيئة والإحساس بالذنب، والحقيقة أن من يقرأ مصادر تاريخ القرن الحادي عشر في غرب أوروبا لا يمكن أن يغفل إصرار الناس في ذلك الزمان على أن يضمنوا لأنفسهم غفران خطاياهم وكان هذا نتاجاً للمشاعر الألفية والأخروية التي ملكت على الناس وجدانهم وعقولهم مع توقعاتهم لمجيء الدينونة، وانتشر الوعاظ الجوالون في كل أنحاء الغرب الأوروبي يحثون الناس على الزهد والتوبة والتشبه بحياة الفقر التي عاشها الحواريون وفي غمرة هذا التدين العاطفي الذي حكم تصرفات المجتمعات الغربية سادت مشاعر الكراهية والتعصب ضد أتباع الديانات الأخرى، بل، وضد من يعتنقون مذهباً غير المذهب الكاثوليكي. وثمة دليل قوى على هذا في طيات الملحمة الصليبية المعروفة باسم "أنشودة أنطاكية" التي تعكس، بشكل أمين، روح الانتقام التي سرت في المجتمع الكاثوليكي ضد "الوثنيين المخذولين" – على حد زعمهم – كما أن القصيدة لا تعتبر أن الأمة المعادية للمسيح هم المسلمون فقط، وإنما يصدق هذا الوصف أيضاً على كافة من لا يعترفون بعقيدة الكنيسة الكاثوليكية، وهي بهذا تجسد التفكير الشعبي في أوروبا القرن الحادي عشر، هذا التفكير الشعبي كان هو الآخر واحداً من ملامح الإيديولوجية العامة التي أفرزت الحركة الصليبية، لقد تمثل نجاح أوربان الثاني في أن خطبته التي دعا فيها إلى الحملة الصليبية كانت بمثابة بؤرة تجمعت فيها كل الأفكار التي مثلت الإطار الإيديولوجي لحركة المجتمع الغربي آنذاك على الرغم من الاختلافات اللغوية والعادات والتقاليد وهكذا لم تكن استجابة جماهير المستمعين إلى البابا في كليرمون مجرد رد فعل لبلاغة كلماته، وإنما كانت هذه الاستجابة تعبيراً عن فرحة أؤلئك المستمعين بالمشروع الذي مس أوتار الآمال التي كانت تداعب كلماتهم تقريباً، وجاءت الحرب المقدسة ستاراً مدهشاً يمكن للجميع أن يتحركوا من خلاله لضمان تحقيق أحلامهم الدنيوية وخلاصهم الأخروي وبوسعنا أن نورد عشرات التعبيرات الواردة في المصادر التاريخية والحوليات المعاصرة تصف الصليبيين بأنهم "فرسان المسيح" و "رجال المسيح" "أولئك الذين يكونون جيش المسيح و"الشعب المقدس"و"شعب الرب" وهي كلها تعبيرات تشير بأن فكرة الحرب الصليبية كانت قد رسخت في الأذان بحيث كان الناس على اقتناع كامل بأنهم حين يشاركون في هذه الحملة لا يفعلون ذلك استجابة لأوامر أي مخلوق، ولا حتى البابا نفسه، وإنما هم يطيعون الرب ().




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق