إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 16 يوليو 2014

موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي (المقدمة )



موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي (المقدمة )



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون"(آل عمران، 102).

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً، ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" (النساء، آية:1).

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً"(الأحزاب، آية: 70،71).

أما بعد : يارب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى هذا الكتاب امتداد لما سبقه من كتب درست عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة وعهد الدولة الأموية، وعهد السلاجقة، وعصر الدولة الزنكية، ودولة المرابطين والموحدين، وعهد الدولة العثمانية وقد صدر منها: السيرة النبوية، وأبو بكر وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي، ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن العزيز، وفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، والثمار الزكية للحركة السنوسية والسلطان محمد الفاتح، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والإمام الغزالي، وحقيقة الخلاف بين الصحابة، وفكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة والجماعة والوسطية في القرآن الكريم وعقيدت المسلمين في صفات رب العالمين. وقد سميت هذا الكتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ويعتبر حلقه مهمه في سلسلة الحروب الصليبية والتي خرج منها السلاجقة والزنكيون والتي نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن تكون لوجهه خالصة ولعباده نافعة ويطرح فيها القبول والبركة ويرزقنا حسن القصد وإخلاص النية لوجهه العلي الكبير ويوفقنا لإكمال الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها.

وهذا الكتاب يتحدث عن صراع المشاريع، بين المشروع الصليبي والفاطمي الشيعي، والمشروع الإسلامي السني، فقد لخص الفصل الأول؛ الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، فتكلم عن الجذور التاريخية للحروب الصليبية، كالصراع البيزنطي الإسلامي في صدر الدولة الإسلامية، والأسباني الإسلامي بالأندلس، وطبيعة الحركة الصليبية التي قادها أوربان الثاني، وحركة الألتفاف على العالم الإسلامي التي تصدى لها العثمانيون وحركة الاستعمار الحديث، وأشرت إلى أهم أسباب ودوافع الغزو الصليبي، كالدافع الديني والسياسي والاجتماعي، والاقتصادي، وتبدل ميزان القوى في حوض البحر المتوسط في صقيلة والأندلس، وإفريقية، واستنجاد أمبراطور بيزنطة بالبابا وشخصية أوربان الثاني ومشروعه الشامل للغزو الصليبي وحملته الدعاية، وعقليته التنظيمية وشرحت بدء الحرب الصليبية الأولى واستراتجيتهم بعد الاحتلال، وظهور حركة المقاومة في العهد السلجوقي، والمشاركة الفعلية للفقهاء والقضاة في ساحات الجهاد، وتحريضهم على القتال في ساحات المعارك، ودور الشعراء في حركة المقاومة، وترجمت لقادة الجهاد من السلاجقة الذين سبقوا عماد الدين زنكي، وجهودهم في التصدي للغزاة كقوام الدولة كربوقا صاحب الموصل، وجكرمش أمير الموصل، وسقمان بن اتق حاكم ماردين وديار بكر وقلج أرسلان أمير سلاجقة الروم وشرف الدولة مودود بن التونتكين حاكم الموصل والذي تعتبر حملاته الجهادية مقدمة لحملات عماد الدين زنكي، وأشرت لمعوقات حركة الجهاد في عهد أمراء السلاجقة والتي كان من أهمها الباطنية، التي أثبتت عداءهم الكامل لقادة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر، وكأن خناجرهم المسمومة كانت تشق للصليبيين طريقاً نحو تثبيت أقدامهم في بلاد الشام والجزيرة على حساب المسلمين، وهكذا أثبتت وقائع التاريخ كيف التقى قادة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر في بعض الأحيان في الشهادة – فمن قبل اغتيل شرف الدين مودود، والآن نجد آق سنقر البرسقي يلقى نفس المصير وقد عكس ذلك كله: أن مسلك الإسماعيلية النزارية في ذلك الحين كان من أخطر معوقات حركة الجهاد ضد الغزاة نظراً لوجود عدوين في وقت واحد أمام القيادات المسلمة السنية على نحو عكس المشاق البالغة التي واجهت أولئك القادة في الدفاع عن عقيدة الأمة ودينها وأبرزت جهود عماد الدين التي استطاع من خلالها أن يحقق قسطاً كبيراً من برنامجه وأن يكون لنفسه مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي كسياسي بارع وعسكري متمكن ومسلم واعِ أدرك الخطر الذي أحاط بالعالم الإسلامي من قِبل الصليبيين، فقد استطاع أن يوجه الظروف التاريخية لصالح المسلمين وذلك بتجميعه القوى الإسلامية بعد القضاء على عوامل التجزئة والانقسام وتوحيد المدن والإمارات المنفصلة في نطاق دولة واحدة استطاع بمقدرته أن يستغل أقصى ما يمكن أن تقدمه من إمكانات في سبيل تحقيق برنامجه المزدوج من تشكيل الجبهة الإسلامية وضرب الصليبيين ويعتبر فتح الرها عام 539ه من أهم إنجازات عماد الدين وكان لسقوطها في أيدي المسلمين ردة فعل عنيفة في الغرب الأوروبي وباعثاً على السرعة في إرسال حملة صليبية جديدة بعد أن أثار سقوطها الرعب في النفوس، فقد جاء سقوطها إيذاناً بتزعز البناء في الشرق الأدنى وقد تصدى نور الدين وسيف الدين غازي أبناء عماد الدين للحملة الصليبية الثانية على دمشق، وحققوا انتصاراً مع أهالي دمشق كبيراً على الحملة الصليبية الثانية ولقد نجح نور الدين في استغلال الظروف التي أعقبت فشل الحملة الصليبية الثانية في توحيد الشام تحت قيادته هذه المرة على حساب حاكم دمشق، ثم استأنف جهاد الصليبيين بنجاح مما شجع القوى الإسلامية الأخرى مثل سلاجقة الروم والآراتقة والتركمان على التقدم لمواجهة الصليبيين خاصة في الرها وأنطاكية بل وتحالفوا أيضاً في جهودهم حتى استطاع نور الدين زنكي أن يوحد بلاد الشام كلها تحت قياداته من الرها شمالاً حتى حوران جنوباً فقامت دولة إسلامية موحدة مركزها دمشق، وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو تكوين الجبهة التي امتدت من الفرات إلى النيل والتي تصدت بحق لهذا الخطر الصليبي، وقد تحدثت عن فقه نور الدين في التعامل مع الدولة الفاطمية وعن جذور الشيعة الإسماعيلية والدولة الفاطمية وعن جرائمهم البشعة في الشمال الأفريقي، كغلو بعض دعاتهم في عبيد الله المهدي، والتسلط والجور، وتحريم الإفتاء على مذهب الإمام مالك، وإبطال بعض السنن المتواثرة والمشهورة" ومنع التجمعات وإتلاف مصنفات أهل السنة، ومنع علماء أهل السنة من التدريس وعطلوا الشرائع وأسقطوا الفرائض، وإجبار الناس على الفطر قبل رؤية الهلال، وإزالة آثار خلفاء السنة، دخول خيولهم المساجد وتكلمت عن أساليب المغاربة في مواجهة الدولة الفاطمية، كالمقاومة السلبية والجدلية، والمقاومة عبر التأليف، ودور شعراء أهل السنة، وبينت كيف زالت الدولة الفاطمية من شمال إفريقيا وكيف انتقلت إلى مصر، وذكرت جهود المدارس النظامية في حركة الإحياء السني والتصدي للفكر الشيعي، وجهود الإمام الغزالي في دحر الشيعة، والحملات النورية العسكرية على مصر، كالحملة الأولى، والحملة النورية الثانية، والحملة النورية الثالثة على مصر، وتحدثت عن إلغاء الخلافة الفاطمية، والتدرج في إلغاء الخطبة للخليفة الفاطمي، والاعتبار والاتعاظ من زوال الفاطميين من مصر والوسائل التي اتخذها صلاح الدين للقضاء على المذهب والتراث الفاطمي، كإذلال الخليفة الفاطمي العاضد، ووضعه من مكانة قصر الخلافة الفاطمي وقطع الخطبة الجامعة من الجامع الأزهر، وإبطال تدريس الفكر الفاطمي، وإتلاف وحرق الكتب الشيعية وألغى جميع الأعياد المذهبية الفاطمية، ومحو رسوم الفاطمية وعملاتهم، والحفاظ على أفراد البيت الفاطمي، وإضعاف العاصمة الفاطمية، وأحياء الأيوبيين لقضية انتحال النسب الفاطمي إلى البيت النبوي، الاستمرار في ملاحقة بقايا التشيع في الشام واليمن، وذكرت فتوحات صلاح الدين في عهد نور الدين زنكي، جهاد الصليبيين وإخراجهم من بلاد المسلمين، وحقيقة الوحشة بين صلاح الدين ونور الدين وفي الفصل الثاني كان حديثي عن قيام الدولة الأيوبية، فذكرت أصول أسرته ونشأته وولادته ومتى بدأت الدولة الأيوبية والرصيد الخلقي لصلاح الدين، كتقواه وعبادته، وعدله، وشجاعته، وكرمه، واهتمامه وحلمه، ومحافظة على أسباب المروءة، وصبره واحتسابه، الوفاء، وعقيدة الدولة وتوسع الأيوبيين في إنشاء المدارس السنية، كالمدرسة الصلاحية، ومدرسة المشهد الحسيني، والمدرسة الفاضلية، ودار الحديث الكمالية، والمدرسة الصالحية وجهودهم العلمية في الشام والجزيرة، وعناصر الثقافة السنية في العهد الأيوبي، كالقرآن الكريم، والحديث الشريف، وأصول العقيدة السنية والدراسات الفقهية، واهتمام الأيوبيين بحماية طريق الحج والحرمين الشريفين، ومحاربة الأيوبيين للتشيع في مصر والشام واليمن وتكلمت عن مكانة العلماء والفقهاء عند صلاح الدين، كالقاضي الفاضل، الذي كانت له مساهمات في ديوان الإنشاء، وتطوير جيش صلاح الدين، والقضاء على المعارضة الفاطمية وإعادة التنظيم الإداري في مصر وجهوده في الأحياء السني في مصر وجهاده ضد الصليبيين وعن توظيف الأدب في خدمة الإسلام وحرصه على وحدة العالم الإسلامي، فقد كان القاضي الفاضل المتحدث الرسمي بلسان السلطان صلاح الدين في الداخل والخارج، وكان على قول ابن كثير أعز عليه من أهله وولده وكان السلطان يشيد بفضله فيقول: لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم القاضي الفاضل، وقد بلغ القاضي الفاضل مكانة سامية في الدولة، فكان الساعد الأيمن لصلاح الدين إذ جعله وزيره ومشيره بحيث كان لا يصدر أمراً إلا عن مشورته ولا ينفذ شيئاً إلا عن رأيه ولا يحكم في قضية الإ بتدبيره. وهذا العالم من فقهاء النهوض والأمة في أشد الحاجة لمثل سيرته فتعلمنا سيرته، أهمية عدم الانعزال في الشأن العام والعمل الاجتماعي والحكومي والحرص على كسب الخبرات، وأهمية التميز في أداء العمل والتمسك بمنهج أهل السنة والتعاون مع إخوانه في العقيدة الصحيحة، وتوظيف القدرات والأمكانات لخدمة المشروع السني، فقد قدّم لصلاح الدين النماذج السنية القيادية والخطط العملية، ولم يبخل على صلاح الدين برأي ولا مشورة ولا تجربة، كما أن حياة هذا الرجل مدرسة في فهم مقاصد الشريعة وفقه المصالح والمفاسد وبناء الدول وزوالها وترك لنا منهجاً في التعامل مع الشيعة وأهمية معاملة عامتهم بقوانين العدل ومحبة الخير لهم وعدم سفك دمائهم والحرص على تعليمهم وإنما يكون استخدام القوة ضد المؤامرات والتكتلات العسكرية ومع من لا يجدي معهم إلا استخدام القوة، كالدولة الفاطمية في مصر فقد ساهم في وضع الخطط والأساليب والوسائل للقضاء عليها سياسياً وعسكرياً وفكرياً، وبينت جهود أبي الطاهر السَّلفي وأبي الطاهر بن عوف المالكي في خدمة الإسلام في الإسكندرية وحرص صلاح الدين على زيارتهم والأخذ من علومهم، وتحدثت عن الفقيه عيسى الهكاري واسناده لصلاح الدين في وزارته، وإصلاحه بين نور الدين وصلاح الدين ومساهمته في الصلح مع أهل الموصل، ونجاحه في تنفيذ المهمات الخاصة الموكلة إليه وشجاعته في الحروب وقيادته الميدانية في المعارك، وترجمت للعماد الأصفهاني القاضي الإمام العلاّمة المفتي، الوزير، وبينت جهوده في خدمة المشروع الإسلامي السني، وخلاصة القول أن العلماء والفقهاء كانوا يحتلون مكانه عظيمة وحظوة كبيرة عند صلاح الدين ونالوا منه كل عطف ورعاية واحترام وتقدير من الناحيتين المادية، والمعنوية، وبينت الإصلاح الاقتصادي واهتمامه بالزراعة والتجارة والصناعات، وإلغاء المكوس والاكتفاء بالموارد الشرعية وبناؤه للمستشفيات، والخوانق "بيوت الصوفية" والخانات في الأماكن المنقطعة البعيدة عن العمران، وفي الطرق الموصلة بين المدن وذلك لخدمة أبناء السبيل والمسافرين، واهتمامه بالإصلاح الاجتماعي ومحاربته للعوائد والتقاليد المنحرفة والأخلاق الرديئة، وأشرت للإصلاحات العمرانية والإدارية ورجال الإدارة في عهده، وشرحت النظم العسكرية في عهده، كتطور الإقطاع الحربي، وديوان الجيش وزي الأجناد، والتموين والتعبئة العسكرية، والفرق الملحقة بالجيش، كالهندسية، والطبية وتنظيم البريد والاستخبارات، وإدارة شؤون القتال والسلم، والأسرى، ومجلس الحرب، وخطط وأساليب القتال، كأسلوب الحرب الخاطفة، وخطة القتال بالتناوب، وتخريب المدن، وتأمين الطرق، وتحصين الثغور والقلاع والحصون، والاستفادة من مواسم القتال، ومعاملة الأسرى والمعاهدات بين صلاح الدين والصليبيين، وأسلحة الجيش الأيوبي والبحرية الإسلامية، ودور المغاربة في الأسطول الصلاحي، وبينت جهوده في توحيد الجبهة الإسلامية ومحاولات الشيعة الإسماعيلية للقضاء عليه، عن طريق الاغتيالات ولكنّها فشلت بحمد الله وتوفيقه وأسلوب صلاح الدين لتأديبهم وعلاقته مع الخلافة العباسية والدولة البيزنطية والصليبيين قبل حطين، وترتيبه للأمور الإدارية والعسكرية قبل المعركة الفاصلة وفي الفصل الثالث من الكتاب كان الحديث عن معركة حطين، وفتح بيت المقدس والحملة الصليبية الثالثة، وشرعت في بيان أحداث معركة حطين وبداية الهجوم الإسلامي، والحرب الصليبية عند صلاح الدين، وخسائر الصليبيين وأسباب الانتصار في معركة حطين، من التعامل مع السنن، كسنة الأعداد والأخذ بالأسباب، وسنة التدرج، وبعد نظر صلاح الدين وحنكته السياسية، وإخلاصه العظيم لله عز وجل، وتطبيق شرع الله في دولته وبركات ذلك، كالاستخلاف والتمكين، والأمن والاستقرار والعز والشرف، والنصر والفتح، وأثر العدل في تحقيق الانتصارات، وإعداد جيل مقاتل فيه صفات جيل التمكين، وحسن الصلة بالله واللجوء إليه بعد الأعداد، ونجاح العمل الاستخباراتي، وردود أفعال العالم الإسلامي والصليبي من معركة حطين، وفتوحات الساحل قبل فتح القدس ونتائج معركة حطين، ككونها معركة فاصلة وحاسمة وأهمية الوعي الجغرافي في فقه الصراع وإدارته، والجهود التراكمية في تحقيق الانتصارات الكبرى للأمم، وتحدثت عن خطة صلاح الدين العسكرية لتحرير بيت المقدس، كالبعد الإعلامي، وتحشيد الجنود والتعبئة الشاملة والحصار والقتال والهجوم الحاسم والمفاوضات ثم تسليم بيت المقدس وتحرير القدس ووفاء صلاح الدين بوعده ورحمته بالأسرى والشيوخ والنساء، وزوجات القتلى وبناتهم واحترامه مشاعر المسيحيين، وتنفيذ الوعود ابتغاء مرضات الله وبشعور إنساني فيَّاض وبروح فروسية عالية، واقتداء رشيد بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتح القدس في خلافته، فقد ظهرت للغربيين روعة الإسلام في ممارسات صلاح الدين في السلم والحرب واحترام حرية الرأي والمعتقد، والحفاظ على القيم الإنسانية الرفيعة والتعاليم الإسلامية السامية قال الشاعر:


ملكنا فكان العفو منا سجية
          
    فلّما ملكتم سال بالدم أبطح
      
وحَلَّلتُمُ قتل الأسارى وطالما
          
    عدونا على الأسرى نَمُنُّ ونصفح
      
وحسبكم هذا التفاوت بيننا
          
    وكل وعاء بالذي فيه ينضح
   

وذكرت إصلاحات صلاح الدين في بيت المقدس وإرساله البشائر والوفود إلى أنحاء العالم الإسلامي، واختلاف صلاح الدين مع الخليفة العباسي، وحضور العلماء في فتوحات القدس وغيرها ودوّنت بعض القصائد في مدح صلاح الدين وفتح البيت المقدس كقول أبو علي الحسن بن علي الجويني في فتح القدس:


جُنْدُ السماء لهذا الملك أعوان
          
    من شك فيهم فهذا الفتح برهان
      
متى رأى الناس ما نحكيه في زمن
          
    وقد مضت قبل أزمان وأزمان
      
هذي الفتوح فتوح الأنبياء وما
          
    لها سوى الشُكرِ بالأفعال أثمان
    أ      
أضحت ملوك الفرنج الصَّيد في يده
              
    صيداً وما ضعفوا يوماً وما هانُوا
   

إلى أن قال:

وقول أسامة بن منقذ في مدح صلاح الدين:


والناصر الملك المتّوج ناصري
          
    وعلاه قد خطت كتاب أماني
      
قد كنت أرهب صرق دهري قبله
          
    فأعاد صرف الدهر من أعواني
      
أنا جاره ويدُ الخطوبِ قصيرة
          
    عن أن تنال مجاورَ السلطان
   

إلى أن قال:


فلأهدينَّ إلى علاه مدائحاً
          
    تبقى على الأحقاب والأزمان
      
مدحاً أفوق به زهيراً مثلما
          
    فاق المليك الناصر ابن سنان
      
يا ناصر الإسلام حين تخاذلت
          
    عنه الملوك ومظهر الإيمان
      
بك قد أعزّ الله حزب جنوده
          
    وأذل حزب الكفر والطغيان
          
لما رأيت الناس قد أغواهم
          
    الشيطان بالإلحاد والعصيان
      
جرّدت سيفك في العداء لا رغبة
          
    في الملك، بل في طاعة الرحمن
      
فضربتهم ضرب الغرائب واضعاً
          
    بالسيف ما دفعوا من الصلبان
      
وغضبت لله الذي أعطاك
          
    فصل الحكم غضبة ثائر حّران
   

وذكرت أهم الدروس والعبر والفوائد في تحرير بيت المقدس، كأهمية العلماء الربانيين في إيقاظ الأمة، وتربية الجيل على عقيدة الإسلام الصحيحة، وتحرير الولاء لله ورسوله والمؤمنين، ووحدة الأمة، ووضوح الرآية الإسلامية للمعركة ووجود استراتيجية بعيدة المدى، وكوادر علمية تحيط بالواقع علماً وأهمية توبة الأمة وعودتها إلى الله عز وجل وبعدها عن المعاصي، ولا طريق لتحرير فلسطين وأراضي المسلمين المحتلة إلا بالجهاد في سبيل الله بمعناه الواسع الشامل، الجهاد السياسي، والإعلامي والروحي والعلمي والتخطيطي والقتالي ... إلخ.

وتعرضت للحملة الصليبية الثالثة وردت فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت وما ترتب عليها من حملة صليبية ثالثة، كان فيها الملوك والأمراء ورجال الدين المسيحي وقد شارك في تلك الحملة امبراطور المانيا، وملك انجلتر، وملك فرنسا إلا أنها لم تحقق هدفها بفضل الله ثم جهود صلاح الدين والأمة المسلمة الملتفه حوله من بلاد الشام ومصر والعراق والمغاربة وغيرهم، وتكلمت عن طبيعة المفاوضات بين الملك العادل أخ صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد ملك بريطانيا التي استمرت خمسة عشر شهراً واقتضت 42 وفداً توجت بصلح الرمّلة وقد تميزت هذه الحملة الصليبية بحدوث تفاهم كبير مع المسلمين فكان الطرفان شديدي الصلة ببعضهما وتعّدى ذلك إلى طرح مشروع المعاهدة وإرسال الفواكه والثلج لريتشارد قلب الأسد أثناء مرضه وحضور طبيب صلاح الدين لمعالجته وكان من آثار هذا الاختلاط في حياة الفرنج ما يأتي: -
نقلوا عن المسلمين كثيراً من العلوم والمعارف التي كانت سائدة بينهم في تلك الفترة وقد ألفوا فيها كتباً احتوت كثيراً من التجديد والابتكار ووضع القوانين في هذه العلوم.
نقلوا عن المسلمين كثيراً من الصناعات والفنون مثل صناعة النسيج والصباغة والمعادث والزجاج كما نقلوا عنهم فن العمارة وكان لهذا النقل تأثير عميق في حياة أوروبا الصناعية والتجارية والفنية.
تأثرت الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية تأثراً أدى إلى نمو الحضارة الغربية وإزدهارها وساعدته الحضارة الإسلامية على الخروج من بحر الهمجية الظلامية في تلك العصور وهذا باعتراف المستشرقين قبل مؤرخي المسلمين.

وذكرت مرض صلاح الدين وأيامه الأخيرة وملازمة أحد الشيوخ له وقراءة القرآن عليه ولما بلغ القارئ قول الله تعالى " لا إله إلا هو عليه توكلت" تبسّم وتهلَلَ وجهه وسلَّم روحه إلى خالقها سبحانه ولم يترك في خزانته من الذهب سوى دينار واحد وستة وثلاثين درهماً وقيل سبع وأربعين درهماً ولم يترك داراً ولا عقاراً ولا مزرعة ولا بستاناً ولا شيئاً من أنواع الأملاك وختمت الكتاب بقصيدة العماد الأصفهاني في رثاء صلاح الدين والتي قال فيها:


شَمْلُ الهُدى والمُلكِ عَمَّ شَتاتُهُ
          
    والدَّهرُ ساء وأقلعت حسناته
      
أين الذي مُذْ لم يزل مخشية
          
    مرجوّة هبَّاتُهُ وَهِبَاته
      
أين الذي كانت له طاعاتنا
          
    مبذولة ولربَّهِ طاعاته
      
بالله أين النّاصر الملك الذي

          
    لله خالصة صفت نيّاتُهُ
      
أين الذي ما زال سُلطانا لنا
          
    يُرجى نَدَاه وتُتَّقى سَطَواته
   

إلى أن قال:


في نصرة الإسلام يسهر دائماً
          
    ليطول في روض الجنان سُبَاتُهُ
      
لا تحسبوه مات شخص واحدٌ
          
    فممات كل العالمين مماته
   

لقد تأثر الناس بوفاة صلاح الدين حتى المؤرخون الأوروبيون ترحموا عليه وأشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل بإذن الله تعالى سيرة صلاح الدين تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهجتها وبهاءها وترشد الأجيال إلى أهمية استياعب المشروع الإسلامي الحضاري الكبير تحت راية أهل السنة والجماعة وقد طويت بوفاة صلاح الدين صفحة من أنصع صفحات التاريخ، وأنقاها، فقد عرف فيه التاريخ رجلاً فذاً من طراز نور الدين محمود الشهيد، لم يكن همُّه جمع المال، ولم تستهوه زخرفةٌ، السلطان ولم تمل به عن جادة الحقَّ سطوة الحكم، فقد كان همّه انتصار الإسلام وأعظم أمانيه سيادة الشريعة، وأقصى غايته تطهير بلاد المسلمين من الصليبيين، وأرغامهم على الهزيمة والرجوع من حيث ما أتوا.

إن من الدروس المهمة من هذا الكتاب معرفة المشاريع المتصارعة في عهد صلاح الدين، فقد كانت ثلاثة تتطاحن على قدم وساق، وهي المشروع الصليبي والذي تتزعمه الكنيسة من عهد أوربان الثاني والمشروع الشيعي الرافضي بقيادة الدولة الفاطمية بمصر والمشروع الإسلامي الصحيح وحامل لوائه بعد نور الدين صلاح الدين، فكانت المحاور التي سار عليها أهل السنة دولة وشعباً، تعميق الهوية العقائدية السنية والإحياء الإسلامي الصحيح في نفوس الأمة والتصدي لشبهات المذهب الشيعي وإعداد الأمة لمقاومة الصليبيين، وكانت المحاور متداخله من حيث السير إلا أن تحرير بيت المقدس والقضاء على الصليبيين في معركة حطين لم يتم إلا بعد القضاء على الدولة الفاطمية سياسياً وعسكرياً، وقد سبقها الانتصارات العقائدية والفكرية والثقافية والتاريخية والحضارية للمذهب السني.
إن الذين استطاعوا تحرير بيت المقدس وانتزاع المدن والقلاع والحصون من الصليبيين هم الذين تميزوا بمشروعهم الإسلامي الصحيح وعرفوا خطر المشاريع الباطنية الدخيلة فتصدوا لها بكل حزم وعزم إن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لابد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستخلص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها.

إن قراءة التاريخ تضيف للباحث والقائد والزعيم والملك والرئيس أعمار السابقين وأما الوعي بالتاريخ فإنه يوظف ثمرات هذه القراءة في تغيير الواقع، واستشراف المستقبل ولذلك يستحيل التقدم وينعدم النهوض عند الذين لا يفقهون ولا يتعرفون على سنن الله وقوانينه وعبره وعظاته من خلال التاريخ.

إن النهوض بوجه عام يحتاج إلى سلاح القلم، واللسان ولم ينجح مشروع نهضوي عبر التاريخ من غير أقلام قوية أو ألسنة تعبر عن قلوب صادقة تدعوا إليه وتنشر مبادئه بين الناس وإيجاد الكتب النافعة في هذا المجال من الضرورات في عالم الصراع والحوار والجدال وهذا يدخل ضمن سنة التدافع في الأفكار والعقائد والثقافات والمناهج، وهي تسبق التدافع السياسي والعسكري، فأي برنامج سياسي توسعي طموح يحتاج لعقائد وأفكار وثقافة تدفعه، فالحرف هو الذي يلد السيف واللسان هو الذي يلد السنان، والكتب هي التي تلد الكتائب.

إن موسوعة الحروب الصليبية والتي صدر منها كتاب السلاجقة وعصر الدولة الزنكية وهذا الكتاب قد أجابت عن الكثير من الأسئلة المطروحة على الساحة القطرية، والإقليمية والعالمية وهذه الحقبة من تاريخ الأمة تأتي شاهداً تاريخياً مقنعاً على إن الإسلام قادر في أية لحظة تتوافر فيها النية المخلصة والإيمان الصادق والالتزام المسؤول، والذكاء الواعي واستيعاب فقه السنن والنهوض وقوانين الحضارات وبناء الدول على إعادة دوره الحضاري والقيادي وإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى عدل الإسلام.
هذا وقد انتهيت من هذه المقدمة في 15 شعبان 1428ه - 28 أغسطس/2007م الساعة الرابعة بعد صلاة العصر. والفضل لله من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده قال تعالى : "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" (فاطر، آية:2). ولا يسعني في نهاية هذا الكتاب إلا أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم معترفاً بفضله وكرمه وجوده متبرئاً من حولي وقوتي ملتجئاً إليه في كل حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي، فلله خالقي هو المتفضل، وربي الكريم، هو المعين، وإلهي العظيم هو الموفق، فلو تخلّى عني ووكلني إلى عقلي ونفسي وتركني للقلم الذي بين أصابعي لتبلد مني العقل، ولغابت الذاكرة وليبست الأصابع ولجفت العواطف ولتحجرت المشاعر، ولعجز القلم عن البيان إلهي: إنك لتعلم أن لي مع كل واحد ممن تحدثت عنهم في كتبي وقفة لها قصة أو خبر وإنك لتعلم حرصي على إحياء سيرهم كوسيلة لنصرة دينك وأن أنال بذلك كريم مرضاتك يا أكرم الأكرمين، اللهم بصّرني بما يرضيك وأشرح له صدري وجنبني اللهم مالا يرضيك واصرفه عن قلب وتفكيري وأسلك بأسماءك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل عملي لوجهك خالصاً ولعباده نافعاً وأن تثيبني على كل حرف كتبته وتجعله في ميزان حسناتي وأن تثيب إخواني الذين أعانوني على اتمام هذا الجهد الذي لولاك ما كان له وجود ولا انتشار بين الناس ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه قال تعالى : "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" (النمل، آية: 19).

وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى: "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاَّ للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم "(الحشر، آية : 10).

وبقول الشاعر:


ومن عَجَبٍ أني أحنَّ إليهمُ
          
    وأسأل عنهم من لقيُت وهم معي
      
وتطلُبُهم عيني وهُم في سوادِها
              
    ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
   





"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك"
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه

       علي محمد محمد الصَّلاَّبي
  غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

الإخوة الكرام يسرني أن تصل ملاحظتكم وانطباعاتكم حول هذا الكتاب وغيره من كتبي وأطلب من إخواني الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص لله رب العالمين والصواب للوصول للحقائق ومواصلة المسيرة في خدمة تاريخ أمتنا.

Mail: abumohamad2@maktoob.com



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق