إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

233 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الخامس : فقه نور الدين في التعامل مع الدولة الفاطمية : ثالثاً : وزارة صلاح الدين في مصر والمهام التي أنجزها :


233

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الخامس : فقه نور الدين في التعامل مع الدولة الفاطمية :

ثالثاً : وزارة صلاح الدين في مصر والمهام التي أنجزها :


كان صلاح الدين قد أظهر كفاءة خلال صحبته لعمه، أسد الدين شيركوه، أثناء حملاته على مصر، فتولى الوزارة بعد وفاة عمه، وهو في الحادية والثلاثين من عمره اختاره العاضد، لأنه كان أصغر الأمراء سناً ولعله يكون أكثر طواعيةً له، إلا أن الملك الناصر كما لقبه العاضد - خيب ظن الفاطميين، فشرع يستميل قلوب الناس إليه كما بذل لهم من الأموال التي قد جمعها عمه، فمال الناس إليه وأحبوه وسيطر على الجند سيطرة تامة ( ) ، وكانت المهام التي أنجزها صلاح الدين في عهد نور الدين عظيمة وضخمة واستطاع القضاء على مراكز القوة :

1- مؤامرة مؤتمن الخلافة :

جرى من الأحداث في مصر بعد تولية صلاح الدين منصب الوزارة، أن البلاد كانت تجتاز مرحلة خطيرة في تاريخها، فالدولة الفاطمية، لازالت موجودة يساندها الجيش الفاطمي وكبار الدولة، والخطر الصليبي لا يزال جاثماً على مقربة من أبواب مصر الشرقية، فكان عليه أن يثبت أقدامه في الحكم ليتفرغ لمجابهة ما قد ينشأ من تطورات سياسية ولم يلبث أن ظهر مقدرة كبيرة في إدارة شؤون الدولة وهو عازم على الاستئثار بكافة الاختصاصات حتى التي تخص منصب الخلافة ونفَّذ عدة تدابير كفلت له الهيمنة التامة منها :

- استمال قلوب سكان مصر بما بذل لهم من الأموال فأحبوه.
- أخضع مماليك أسد الدين شيركوه، وسيطر بشكل تام على الجند بعد أن أحسن إليهم.
- قوّى مركزه بما كان يمده به نور الدين محمود من المساعدات العسكرية وقد وصل أخوه شمس الدولة توران شاه بن أيوب مع إحدى هذه المساعدات العسكرية ( ) .

 وقد أدَّت التدابير التي نفَّذها صلاح الدين إلى تقوية قبضته على مقدرات الدولة، وزادت من تراجع نفوذ العاضد وبالتالي مركز الإمامة وأثارت استياء كبير الطواشية، مؤتمن الخلافة، وهو نوبي، وقائد الجند السودان، وقد أدرك أن نهج صلاح الدين في الحكم سوف يقضى في حال استمراره على الدولة الفاطمية إن عاجلاً أو آجلاً ويبدو أنه كان من بين الطامعين في خلافة شاور، ولما لم يفلح راح يحيك الدسائس للإطاحة بصلاح الدين وحاول الاتصال بعموري الأول ملك بيت المقدس، لتحريضه على مهاجمة مصر، آملاً في حالة الاستجابة أن يخرج صلاح الدين إلى لقائه، فيقبض هو على من يبقى من أصحابه في القاهرة ويثبت على منصب الوزارة ويتقاسم البلاد مع الصليبيين غير أن صلاح الدين علم بخيوط المؤامرة حين أرتاب أحد أتباعه في شكل الخفين اللذين اتّخذهما رسول مؤتمن الخلافة إلى عموري الأول، فأخذهما ونزع خياطتها، فاكتشف الرسالة بداخلها، فقبض على مؤتمن الخلافة وانتهز الفرصة للتخلص منه، غير أن أنباء اهتزاز مركزه في مصر شجعت النصارى على القيام بمحاولة أخرى لمهاجمة مصر ( ) . وقد قام صلاح الدين بأبعاد جميع الخدم من السودان عن قصر الخلافة واستعمل على الجميع في القصر، بهاء الدين قراقوش، فكان لا يجري في القصر صغير ولا كبير إلا بحكمه وأمره ( ).

2- وقعة السُّودان :

وذلك أنه لما قتل الطَّواشي ( ) ، مؤتمن الخلافة الخادم الحبشُّي، وعزل بقية الُخدَّام غضبوا لذلك واجتمعوا قريباً مِن خمسين ألفاً، فاقتتلوا هم وجيش الملك صلاح الدين بين القَصْرَين فقتل خلق كثير من الفريقين، وكان العاضد ينظر من القصر إلى المعركة، وقد قُذِْفَ الجيشُ الشامُّي من القصر بحجارة، وجاءهم منه سهامٌ، فقيل: كان ذلك بأمر العاضد وقيل : لم يكن بأمره، ثم إن أخا الناصر - صلاح الدين - شمس الدولة تورانشاه وكان حاضراً للحرب قد بعثه نور الدين إلى أخيه ليُشدَّ أزره - أمر بإحراق منظره العاضد، ففتح الباب ونُودِى : إن أمير المؤمنين بأمركم أن تخرجوا هؤلاء السُّودان من بين أظهركم، ومن بلادِكم فقوى الشاميون وضعف جأش السودان جدَّاً،، وأرسل الملك الناصر إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة التي فيها دورُهم وأهلوُهم بباب زويلة فأحرقها فولَّوا عند ذلك مُدبرين، وركبهم السيف فقتل خلقاً كثيراً، ثم طلبُوا الأمان من الملك صلاح الدين، فأجابهم إلى ذلك، وأخرجهم إلى الجيزة، ثم خرج إليهم شمسُ الدول تورانشاه أخو الملك صلاح الدين فقتل أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " (النمل ، آية : 52) ( ) ويبدو أن حاكم مصر الفاطمي كان في ذلك الوقت على علم بمؤامرة مؤتمن الخلافة، لأنه ليس من المتصور أن يجري ذلك في قصره وبدون علمه، ويؤكد ذلك أن قوات صلاح الدين يوسف بن أيوب تعرضت وهي تصفي أطراف المؤامرة، لهجمات بالحجارة والسهام صادرة من قصر الحاكم، بل إن العاضد كان يراقب المعركة من القصر ( ) .

كان اكتشاف المؤامرة من مسؤوليات ديوان الإنشاء وبالذات القاضي الفاضل الذي كان العقل المفكر للقضاء على النفوذ الفاطمي في مصر وتثبيت المذهب السني وسيأتي الحديث عنه مفصلاً بإذن الله في حديثنا عن الدولة الأيوبية.

كان القاضي الفاضل يراقب كتّاب ديوان الإنشاء والمسّرحين منهم بصورة خاصة، وكانت العيون مبثوثة في كل ناحية ومنطقة وزاوية، في القصور وبين العساكر، وعلى الحدود، وعلى كل محطة من محَطات البريد أو محَّطات الاتصال بين مصر والفرنج وقد كانت هذه العيون على اتصّال مباشر بالقاضي الفاضل تزوده بتقريرها بواسطة الرسل وعلى أجنة حمام الزاجل ( ).

3- القضاء على الأرمن :

ولم يتوقف نصر صلاح الدين بالقضاء عل شوكة السودان بل أتبعه بفلّ شوكة الأرمن، وهم الفرقة التالية للسودان قوة وعدداً، فأحرق داراً للأرمن بين القصرين وفيها عدد كبير من الجنود الأرمن، معظمهم من الرماة ولهم رواتب من الحكومة، وكان هؤلاء قد حاولوا أن يعرقلوا حركة قوات صلاح الدين في أثناء المعركة مع السودان برميهم بالنشّاب فلقوا جزاءهم، وأما من تبقّى منهم فنفاهم صلاح الدين إلى الصعيد ( )، أضعف صلاح الدين بقضائه على شوكة السودان والأرمن الدولة الفاطمية إلى حد بعيد، بحيث أصبح من الواضح أن القضاء على الدولة الفاطمية نفسها لم يعد بعيداً ( ) .

4- اهتمام صلاح الدين بتقوية جيوشه :

 أخذ صلاح الدين يعمل حال توليّة الوزارة على إعداد جيش أيوبي ليكون نواة لجيش مصري جديد يدافع به عن حكمهم، وعن مصر من الغزو الإفرنجي ولم يْخفَ عليه تدهور وضع الجيش الفاطمي لأنه خبره في أثناء رحلاته الثلاث إلى مصر بين سنة 559ه وسنة 564ه/1163م - 1168م وعرفه معرفة جيدة من حيث مصادره البشرية والمالية والحربية ومن حيث تنظيمه وفِرقه المبنية على أساس عرقي، مثل السودان، والأرمن، والمصريين والديلم والأتراك والعربان وكان يعرف بالتفصيل وضع كل فرقة من هذه الفرق ( ) ، وكان القاضي الفاضل قد عمل في إدارة هذه القوات في عهد رزيك بن الصالح وساهم معها في بعض وقائعها الحربية خلال الحملة الفرنجية الشامية الثانية على مصر كما أشرنا سابقاً، وشاهد قادة الفرق المختلفة من هذه القوات وهم يتنافسون في شأن السلطة الأمر الذي أنهك القوات وأضعف مصر إلى حد أصبحت تعجز معه عن الدفاع عن استقلالها، أو حتى عن بقائها وعرف القاضي الفاضل الكثير عن القوات المصرية عن طريق عمله معها في ديوان الجيش وفي ديوان الإنشاء الذي كان يتعامل مع ديوان الجيش ويشرف على العيون والرسل، فألّم بهذه القوات وعرف دخائلها وأطلّع على كل فرقة منها وعلى نيات كل قائد من قوّادها، ولم يضنَّ بمعلوماته عنها على صلاح الدين، بل وجهه في تنظيم جيشه الأيوبي وإدارته، وظل طول عمله مع صلاح الدين يشرف على عساكره، ويراقب إعدادها وتنظيمها ومواردها المالية ويصحبها من مصر إل الشام لتحارب مع صلاح الدين ومن الشام إلى مصر لتستعد وتتجهز لحملات مقبلة ضد الفرنج وقد أنشا صلاح الدين في بداية عهده في الوزارة جيشاً كبيراً ازداد عدداً وعّدة بمرور القت واتساع عملياته الحربية ضد الفرنج وكان قوام هذا الجيش في مصر الحرس الخاص، والجيش النظامي في مصر، ثم الجيوش الشعبية التي تكوّنت من أمراء الإقطاع وجنودهم، ولاسيما في الشام والجزيرة بعد سنة 570ه/1174م والبدو ( ) ويأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى مفصلاً في الحديث عن الدولة الأيوبية وصلاح الدين.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق