إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 يوليو 2014

33 موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية المبحث الثالث:بدء الحرب الصليبية الأولى: رابعاً:قادة الجهاد من السلاجقة قبل عماد الدين زنكي: 3- جهاد جكرمس صاحب الموصل وسقمان بن أرتق صاحب ماردين وديار بكر:


33

موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي

الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية

المبحث الثالث:بدء الحرب الصليبية الأولى:

رابعاً:قادة الجهاد من السلاجقة قبل عماد الدين زنكي:

3- جهاد جكرمس صاحب الموصل وسقمان بن أرتق صاحب ماردين وديار بكر:

لم يكد الغرب الأوروبي يعلم بنبأ النجاح الذي حقَّقته الجموع الصليبية في بلاد الشام وفلسطين حتى تحمَّس كثير من الأمراء الذين لم يشاركوا  من قبل في الذهاب إلى الشرق، تدفعهم مطامع شخصية دنيوية وهي الحصول على الغنائم والضياع فضلاً عن مطامع دينية وهي الحصول على الثواب والغفران، ويُذكر بأن الصليبيين في الشرق كانوا بحاجة ماسَّة إلى محاربين ومستعمرين بهدف:
مواصلة الحرب ضد المسلمين.
استئناف عملية التوسع.
حراسة ما حقّقوه من مكاسب.
المحافظة على هذه الحقوق ضد أي محاولة استرداد من جانب المسلمين.

استجاب المجمتع الغربي لهذه الظاهرة، وانبعث منه صحوة صليبية جديدة اسفرت عن تدفق جموع صليبية أخرى إلى الشرق. وشكَّل اللمبارديون أولى تلك الجموع، فغادروا إيطاليا في عام 494ه/1101م بقيادة أنسلم بوي رئيس أساقفة ميلان، وصحبه عدد من الأمراء من بينهم ألبرت كونت بياندرات، وجيوبرت كونت بارما، وهيوكونت مونتيبلو () ، ويبدو أن هذه المجموعة اللمباردية على الرغم من وفرة عدد المشتركين فيها، لم تكن تختلف كثيراً من حيث النوعية عن جموع العامة السابقة، بدليل أنهَّا لم تضم سوى عدد قليل من الفرسان المحاربين، وتألفَّت غالبيتها العظمى من العامة الذين لا يحسنون القتال، ويفتقرون إلى النظام، ولما وصلوا إلى ضواحي القسطنطينية ارتكبوا أعمال السلب والنهب مما حمل الأمبراطور البيزنطي على الإسراع بنقلهم إلى آسيا الصغرى، وذلك في جمادي الأولى/آذار)، واستقروا في نيقوميدية بانتظار وصول جموع أخرى () ، وفعلاً لم تلبث أن وصلت مجموعة أخرى من الفرنسيين بقيادة ستيفن بلوا، وانضم إليه عدد من الأمراء أمثال ستيفن كونت برجنديا وهيوكونت بروي، وبلدوين كونت جراندبريه، وهيو بييرفون أسقف سواسون بالإضافة إلى سرية ألمانية بقيادة كونراد كندسطبل الأمبراطور هنري الرابع وعبرت هذه المجموعة البوسفور، وعسكر أفرادها عند نيقية على مقربة من المعسكر اللمباردي، وبلغ عدد أفراد المجموعتين بين مائتين وثلاثمائة ألف مقاتل، وعين الأمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين صديقه ريموند كونت تولوز، قائداً عاماً عليهم، وألحق بهم جماعة من الجنود البيزنطيين بقيادة تسيتاس ().

أ- معركة مرسيفان : تحرك الجيش الصليبي الضخم من نيقوميدية إلى دوريليوم بهدف الوصول إلى الأراضي المقدسة، على أن يعيد أثناء زحفه فتح الطريق الذي يجتاز آسيا الصغرى، لذلك أوصى الأمبراطور ستيفن بلوا بأن يسلك الجيش الطريق الذي سلكته الجموع الصليبية السابقة الذي يجتاز دوريليوم وقونية، غير أن اللمباردينن رفضوا التوجه إلى الأراضي المقدسة إلا بعد فك أسر بوهميوند الذي اتخذوه مثلاً يُحتذى وبطلاً لهم، والمحارب الوحيد الذي يثقون به ليقودهم إلى النصر، وأصّروا بأن تتوجه الحملة إلى كمبادوكية ويذكر ابن الأثير أن هدف تلك الجموع الصليبية كانت تخليص بوهيموند من الأسر () ، وعلى الرغم من احتجاج بعض القادة الأمراء فقد توجَّه أفراد الحملة إلى الأراضي الداشمندية عبر أنقرة التابعة لقلج أرسلان، فاستدلوا عليها وتابعوا طريقهم إلى كنغري الواقعة في جنوب بافلاجونيا كي يسلكوا الطريق الرئيسي المؤدي إلى أماسية ونيكسار وحتى يعرقل التقدم الصليبي، عمد قلج أرسلان إلى الإنسحاب التدريجي من أمام القوة الصليبية، واتبَّع أسلوب البدو بتخريب البلاد أثناء أنسحابه وحرق كل ما يمكن أن يستفيد الصليبيون منه وبخاصة مواد التموين وفي الوقت نفسه، أخذت القوى التركية تتجمَّع في تحالف جديد لمواجهة الخطر الصليبي، فبادر كمشتكين أحمد الدانشمند بتجديد تحالفه مع قلج أرسلان، كما حثَّ رضوان صاحب حلب على أن يرسل عدداً من الجنود() ، وصل الصليبيون إلى كنغري فألفوا الأتراك فيها بكامل قوتهم، واستعصت عليهم المدينة لمناعتها، فاضطروا إلى متابعة سيرهم بعد أن نهبوا القرى المجاورة لكن التعب بدأ يظهر عليهم بسبب النقص في المؤن، وشدة الحرارة، ومضايقة الأتراك وأقترح ريموند، حتى يجنَّب الجيش الدمار المحقَّق أن يتوجه صوب الشمال الشرقي إلى قسطموني، ومنها إلى إحدى المدن البيزنطية على ساحل البحر الأسود. على أن الرحالة إلى قسطموني كانت بطيئة وشاقة بسبب نفاذ المؤن وتدمير الأتراك للمحاصيل الزراعية، وردمهم للآبار، وتعَّرض الصليبيون بهجوم تركي مفاجئ فتفّرقوا لا يلوون على شيء قبل أن يعيد ريموند لمَّ شعثهم ولما وصلوا إلى أطراف قسطنوني، كان على ريموند أن يشق طريقاً بين الجموع التركية إلى الساحل، على أن اللمباردين، أصُّروا مجدداً على التوجه إلى الشرق، ونزل في الأطراف على رأيهم مرغمين () واجتاز الجيش الصليبي نهر هاليس إلى بلاد الدانشمنديين ووصل أفراده إلى مدينة مرسيفان الواقعة في منتصف الطريق بين النهر وأماسية () . وعندما أدرك الأتراك أن القوة الصليبية أضحت منهكة تقدَّموا نحوها واصطدموا بها، ولم يمض وقت طويل حتى تضعضع الصليبيون وفُّروا من أرض المعركة تحت ضغط القتال مخلفين وراءهم نساءهم ورهبانهم ولجأ ريموند إلى تل صغيراً احتمى به إلى أن أنجده الفرنسيون والألمان، ثم هرب خلال الليل بعدما يئس من إحراز أي نصر، وترك وراءه المعسكر الصليبي ومن كان به من غير المحاربين ليقع غنيمة في أيدي الأتراك (). تلت المعركة عملية مطاردة لم ينج منها إلا الفرسان، وبلغت خسائر الصليبيين أربعة أخماس الجيش() ، واستولى الأتراك على كميات كبيرة من الأسلحة، وغنموا كثيراً من الأسرى بيعوا رقيقاً.

ولم يلبث ريموند أن وصل إلى بافرا، المينا البيزنطي الصغير على البحر الأسود قرب سينوب، وأقلتَّه من هناك سفينة بيزنطية إلى القسطنطينية () ، ويشير المؤرخ اللاتين ألبرت أوف أكس، أن ريموند تلقى رشوة من الأتراك كي يقود الجيش إلى قسطموني، وهذا مستبعد، لأن من يتتبع سير الحملة ومارافقها من أحداث يلمس مدى ما بذله ريموند من جهد في إقناع اللمباردين بعدم التوجه إلى بلاد الدانشمندبين أولاً، ثم محاولته إخراج الجيش من المأزق الذي أوقع نفسه فيه ثانياً، وما اختياره للطريق إلى قسطموني إلا نتيجة لما تعَّرض له الجيش من متاعب وأما فراره من أرض المعركة، فناتج عن إدراكه بعدم جدوى متابعة القتال بعد أن ولَّى اللمبارديون الأدبار وتبعهم البجناك المرتزقة ().

ب- معركة هرقلة الأولى: محت الكارثة التي حلَّت بالصليبيين في مرسيفان، الشهرة، التي اكتبسها هؤلاء نتيجة انتصارهم في دوريليوم وزاد من أثرها أنها لم تكن الكارثة الأخيرة. إذ، في الوقت الذي غادر فيه اللمبارديون مدينة نيقوميدية، وصل إلى القسطنطينية جيش فرنسي بقيادة وليم كونت نيفر على رأس خمسة عشر ألف من الفرسان والمشاة وحرص وليم على اللحاق بالمبارديين على وجه السرعة، فغادر القسطنطينية إلى نيقوميدية، وعلم فيها أن الجموع الصليبية مضت في طريقها إلى أنقرة فسار إلى هذه المدينة ووصل إليها بسهولة. لكن لم يكن أحد يعلم بالجهة التي سارت إليها هذه الجموع، لذلك لم يسع الكونت إلاَّ أن توجه نحو قونية، ولما وصل إليها ضرب الحصار عليها، وتولت حامية تركية سلجوقية الدفاع عنها، وما قـام به مـن محاولات للاستيلاء عليها باءت بالفشل فتركها ().

كان السلاجقة وحلفاؤهم قد فرغوا، في غضون ذلك، من إبادة الجموع اللمباردية، وعلم قلج أرسلان وكمشتكين أحمد دانشمند بقدوم العدو الجديد، وإذ لا زالت تغمرهما حرارة الانتصار، سارا نحو الجنوب، وسبقا وليم إلى هرقلة وسارت عسـاكر ينفر ببـطء من قونية متوجهين نحو الشرق، ولما وصلوا إلى مكان قريب من هرقلة، وكان التعب قد استبَّد بهم، هاجمهم الأتراك، فانهارت مقاومتهم بعد معركة لم تستمر طويلاً، ولقي الجيش الفرنسي بأسره مصرعه، باستثناءالكونت وستة من أتباعه ().

ج- معركة هرقلة الثانية : في الوقت الذي كانت فيه حملة نيفر تجوس آسيا الصغرى، وصلت الدفعة الأخيرة من تلك الجموع الصليبية إلى القسطنطينية، وتألفَّت من فرنسيين وألمان بقيادة وليم التاسع دوق أكويتين، وولف الرابع دوق بافاريا، وبلغ عدد أفرادها ستين ألف مقاتل خرجت هذه الجموع من القسطنطينية باتجاه قونية، وسلكت الطريق نفسه الذي سلكه، بوهيموند، من قبل، وانتهج الأتراك تجاهها الخطط نفسها التي طَّبقوها من قبل، بإحراق الغلال وإتلاف المؤن وطمر الآبار، ولما وصل أفراد هذه المجموعة إلى قونية وجدوا المدينة خاوية وكانت الحامية السلجوقية قد أخلتها بعد أن قاومت حملة نيفر، وحملت معها كل ما كان فيها من مؤن، كما جّردت البساتين والحدائق من كل ما يمكن أن يفيد الصليبيين() ولم يمكث الصليبيون في قونية وغادروها إلى هرقلة عن طريق يبلغ طوله خمسة وخمسون ميلاً، فعانوا من المتاعب الكثيرة حتى اشتد بهم الجموع والعطش وكان الأتراك يتخطفونهم بالقتل بين الحين والآخر ولما دخلوا إلى المدينة وجدوها مهجورة ()  ، وترَّبص المسلمون في هذا الوقت بالصليبيين، وكمنوا لهم في الغابات المحيطة بهرقلة، وباغتوهم وهم يشربون من ماء ذلك النهر المتفجر وراء المدينة، وإذ اضطرب نظامهم، انقضَّ عليهم الأتراك وأبادوهم عن آخرهم، باستثناء قلَّة قليلة استطاعت النجاة بصعوبة، من بينهم وليم التاسع وولف الرابع وتوجها إلى طرسوس ومنها إلى أنطاكية ().

س- نتائج معارك قلج أرسلان السابقة: أنتهت كل مجموعة من المجموعات الثلاث، نهاية محزنة أثَّرت نتائجها في سير الحركة الصليبية من جهة وفي الأتراك بعامة والسلاجقة بخاصة من جهة أخرى وأهم هذه النتائج هي : -
- ثأر السلاجقة لما حلَّ بهم في دوريليوم، فلن يجري بعدئذ طردهم من الأناضول كما رفعت الانتصارات المتتالية روحهم المعنوية.
- ظل الطريق الذي يجتاز آسيا الصغرى إلى بلاد الشام غير آمن للجيوش الصليبية والبيزنطية على السواء على الرغم من نجاح المجموعات الصليبية الأولى في اقتحامه، فخشي المهاجرون الصليبيون سلوك هذا الطريق البري الذي يجتاز القسطنطينية إلى إيسوس، ما لم يكونوا في جيوش ضخمة، ولم يعد بوسعهم القدوم إلا بحراً مع ما يتطَّلب ذلك من مصاريف إضافية لم يتمكَّن من دفعها إلا القليل. وظل هذا الطريق البري مغلقاً في وجه الصليبيين عدة أعوام ().
- ألقى الصليبيون اللوم على البيزنطيين بما حلَّ بهم من مصائب وحّملوهم مسؤولية ما حدث. وتردَّدت الشائعة بينهم أن ريموند كان يُنفَّذ تعاليم الأمبراطور عندما أخرج الجيش الذي يقوده عن طريق المرسوم ليلقى أفراده حتفهم في كمين سبق إعداده، والواقع أن اللاتين أرادوا التماس كبش فداء يتحمَّل مسـؤولية أخطائهم، فألقوا اللوم على البيزنطيين، وعدُّوهم مسؤولين عّما حلَّ بهم من كوارث ().
- لم يلبث قلج أرسلان أن ازداد افتخاراً بعد هذه الانتصارات وشاركه سائر أتراك الأناضول، وأضحى بوسعه أن يعيد سيطرته على جوف الهضبة، تم أقام في عاصمته قونية الواقعة على الطريق الرئيسي الذي يربط القسطنطينية ببلاد الشام () .
- أستأنف الدانشمنديون فتوحهم في وادي الفرات دون عائق وبلغوا أطراف إمارة الرها، كما فتحوا ملطية وأسروا حاكمها في 23ذي الحجة 495ه/18أيلول 1102م.
- أعاد رحيل الصليبيين إلى بلاد الشام، الخصومة والتنافس بين السلاجقة والدانشمنديين، وتنازع البيتان التركيـان الكبيران حول امتلاك ملطية وفدية بوهيموند، فتفكَّكت بذلك جبهة الأتراك في المنطقة ().

أثر وفاة قلج أرسلان :

راسل زنكي بن جكرمش قلج أرسلان الأول يستنجد به وكان آنذاك في ملطية، ووعده بتسليمه الموصل والأعمال التابعة لها، واستغل السلطان قلج أرسلان السلجوقي هذه الفرصة للتوسع على حساب الأمراء المتنازعين، فأسرع لنجدة زنكي، ولما علم جاولي بمسيره، انسحب من المدينة، لاسيما وقد توفي جكرمش فجأة وهو في الأسر، وكان ينوي اتخاذه أداة للمساومة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه أدرك أن لقج أرسلان الأول من القوة ما لايستطيع مجابهته في معركة سافره، لذلك قرّر تكوين حلف مناهض له حتى يدعم موقفه () ، لكن قلج أرسلان الأول تمَّكن من دخول الموصل وسط ترحيب السكان، وقد وعدهم باحترام حرياتهم وأجرى فيها بعض الترتيبات الإدارية () ، وأما جاولي، فقد انسحب إلى سنجار، وأجرى مباحثات مع كل من إيلغازي الأرتقي ورضوان صاحب حلب، واتفق في نهايتها على طرد قلج أرسلان الأول من الموصل، والتـوجه بعد ذلك لمهاجمة أنطاكية وانتهت الحرب ضد قلج أرسلان الأول بهزيمته وغرقه في نهر الخابور ()  في عام 500ه/1107م () ، ويعتبر قلج أرسلان الأول من الشخصيات الفذَّة التي أنجبتها سلاجقة الروم، وتأثر الشرق الأدنى بمختلف فئاته بموته.
فسلاجقه الروم الذين لم يظهر بينهم زعيم قوي يحل محل قلج أرسلان تعَّرضوا لضغط متزايد من جانب الأمبراطورية البيزنطية التي حدَّدت تدخلها في شؤونهم الداخلية، واستطاع ألكسيوس كومنين أن يعيد، باطمئنان، سيطرته على المناطق الغربية لآسيا الصغرى وعلى امتداد ساحلها الجنوبي.
أطالت وفاة قلج أرسلان من عمر دولة السلاجقة العظام، ما يقرب من مائة عام. ذلك أن الانقسامات الحادة داخل الدولة بين السلاطين والأمراء للسيطرة على العرش، وكثرة الحروب الداخلية بينهم بالإضافة إلى الأخطار الخارجية التي أحاقت بهم، كخطر الحشيشية والخطر الصليبي، شجّع قلج أرسلان على التدخل في شؤون الشرق للسيطرة على مقاليد الحكم، وليوحَّد من جديد كل القوى السلجوقية في المشرق وكان باستطاعته تحقيق حلمه هذا، فالظروف السياسية الداخلية والخارجية مواتية غير أن وفاته ساهمت السلاجقة العظام من الزوال وأطالت أمد عمرها.
تُعدُّ وفاة قلج أرسلان مرحلة بالغة الأهمية في انفصال سلاجقة الروم عن سلاجقة المشرق. ذلك أن الأخطار الداخلية والخارجية التي أحاقت بدولة السلاجقة العظام حالت بينهم وبين التدُّخل في شؤون الفروع السلجوقية الأخرى وبخاصة في بلاد الشام وآسيا الصغرى، والجدير بالذكر أن دولة سلاجقة الروم كانت لا تزال حتى ذلك الوقت تابعة اسمياً للسلاجقة العظام، ولم تستقل تماماً إلا في عام 552ه/1157م().
حرم موت قلج أرسلان، سلاجقة الشام من قوة كانت كفيلة بإقامة الوحدة بينهم، ذلك أن السيادة السلجوقية في بلاد الشام، أخذت تتقلصَّ سريعاً، لأن ابني تتشى، رضوان ودقاق لم يتمتعا بالمقدرة السياسية التي تمكَّنهما من مواجهة الأوضاع القلقة التي عاشتها بلاد الشام في أواخر القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وأوائل القرن التالي، ولعل أكبر مظهر لانحلال سلطان السلاجقة في بلاد الشام والعراق وغيرهما، هو ظهور عدد كبير من البيوت الحاكمة التي تجمعها رابطة الاتصال بالبيت السلجوقي وظهرت من تلك البيوت، وحدات سياسة أطلق عليها اسم الأتابكيات وعلى أصحابها اسم الأتابك ().
أزالت وفاة قلج أرسلان خطراً شديداً عن صدر الأمبراطورية البيزنطية في وقت حرج، إذ كان بوهيموند يستعهد لمهاجمة بلاد البلقان في عام 501ه/1107م انطلاقاً من حصن دورازو المنيع وقد ضحى الكسيوس كومنين بحدود بلاده الجنوبية الشرقية من أجل إنقاذ دورازو، فعقد معاهدة مع قلج أرسلان حصل بموجبها منه على مساعدة عسكرية، إلا أن وفاته المفاجئة، وعدم وجود شخصية قوية تحل محله، أعطاه الفرصة ليتفرَّغ وهو مطمئن، لمواجهة خطر بوهيموند، الذي انهزم أمامه عام 502ه/1108م ().
جعلت وفاة قلج أرسلان الموقف في آسيا الصغرى مائعاً إذ أن أكبر أولاده الأربعة وهو ملكشاه أضحى أسيراً في يد السلطان محمَّد بعد معركة الخابور، بينما استولت أرملته على ملطية والأقاليم الشرقية بمساعدة الأمير أيدبر الذي اعترف بسيادة طغرل أرسلان، أصغر أولاد قلج أرسلان، على بلاد الروم، أما الاخوان الآخران، وهما مسعود وعرب، فقد عاش الأول في بلاد الدانشمنديين في حين استقر الثاني في قونية ().
لم يكن انهيار الحكم المركزي لسلاجقة الروم لصالح البيزنطيين، لأن أولئك استمروا في شنَّ الغارات على أراضي الأمبراطورية، وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكَّن الأمبراطور البيزنظي من الاستيلاء على بعض الحصون في المناطق الحدودية () ، على أنه لم يشأ أن يغامر بالذهاب إلى قيليقية أو إلى بلاد الشام، وكان هذا التصرف منه لصالح السلاجقة الذين تفَّرغوا لمعالجة مشكلاتهم الداخلية ().



يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق