إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 يوليو 2014

27 موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية المبحث الثالث:بدء الحرب الصليبية الأولى: أولاً: استراتيجية الحملة الصليبية بعد الاحتلال :


27

موسوعة تاريخ الحروب الصليبية (3)صلاح الدين الأيوبي

الفصل الأول:الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية

المبحث الثالث:بدء الحرب الصليبية الأولى:

أولاً: استراتيجية الحملة الصليبية بعد الاحتلال :

يهمنا هنا أن نشير إلى أن القوى الفرنجية المحتلة والتي قُدر وخطط لها أن تعيش في بيئة غريبة كان لابد لها من اتباع مجموعة من الاستراتيجيات القابلة للتطوير تهدف في مجملها إلى الإبقاء على صيغة احتلالها لأمد طويل ومن هذه الاستراتيجيات.

المحافظة بقدر الإمكان وبمختلف الوسائل على أهم سبب من أسباب نجاحها ألا وهو العمل على إبقاء المحيط الإسلامي مشتتاً بقدر الإمكان، لأن ذلك يلغى إمكانية مواجهتها بقوة واحدة مقتدرة، وفي سبيل ذلك عملت بدءاً وباستمرار على احتلال مناطق ذات أهمية استراتيجة تخدم غرض عزل مناطق القوة الإسلامية عن إمكانية التلاقي والتوحد، وكان سبيلها في ذلك احتلال الرُها لتمنع أو تعيق الإتصال بين العراق وبلاد الشام، كما هو الحال لاحقاً بالسيطرة على مناطق جنوبي بلاد الشام مثل الكرك والشوبك بهدف إعاقة أو تعطيل الإتصال ما بين مصر وبلاد الشام، هذا على صعيد الجغرافيا الطبيعية أما على صعيد الجغرافيا البشرية، فقد حرصت القوى الصليبية على إدامة الصراع العرقي والمذهبي بين أطراف المحيط الإسلامي وقد اتبعت في ذلك وسائل ترغيب وترهيب، وسياسة تحالف مع قوى ضد أخرى، وقد ساعدها في ذلك إلى حدود معينة العداء ما بين طرفي الصراع الإسلامي الشيعة والسنة، كما ساعدها وجود أقلية مسيحية أمكن لها استغلال بعض قواها للتحالف معها، والتآمر على محيطها الإسلامي.

ركزت القوى الصليبية في احتلالها على مناطق تؤمن لها الانفال بمركز إنطلاقها في الغرب الأوروبي، ولذلك ركزت على احتلال سواحل بلاد الشام ضماناً لذلك، وابتعدت قدر الإمكان عن السيطرة على المناطق الداخلية خشية فقدانها لهذه الميزة، وحتى لا تكون محصورة بين قوى إسلامية على افتراض الخوف من توحيد هذه القوى لاحقاً بما يلحق بها ضرراً يؤدي إلى زوالها.

عملت القوى الصليبية على إيجاد تحالفات مع قوى يمكن أن تمدها بالمساعدة في مراحل مختلفة، إما لعداء هذه القوى للمحيط الإسلامي، أو رغبة في تحقيق امتيازات اقتصادية، وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة تحالفها بدءاً مع بيزنطة ثم مع المدن الإيطالية أو بعضها، وأخيراً إمكانية التحالف مع القوى المغولية () التي كانت فيما بعد أخطر قوة تهدد كيانات المنطقة الإسلامية.
حرصت القوى الصليبية منذ بداية تأسيس كياناتها في الشرق الإسلامي على معالجة المشكلة السكانية التي عانت منها نقصاً مقابل الكثافة الإسلامية، وقد تعاملت القوى الصليبية مع هذه المشكلة على صُعد مختلفة وبوسائل متعددة كانت قابلة للتطوير بحسب مقتضبات الأحوال وتطوراتها، ومن ذلك أنها اتبعت سياسة التقتيل والتهجير للمسلمين من مناطق احتلالها، ثم عدلت ذلك في فترات لاحقة ضمن إطار إبقاء العناصر السكانية إذا كان ذلك يخدم مصالحها، كما عملت في نفس السياق على استقطاب مهاجرين إلى مناطق السيطرة الصليبية سواء أكان ذلك من الغرب الأوروبي أو من مناطق أرمينيا أو من نصارى المنطقة الإسلامية، كما أنها لجأت إلى عسكرة المجتمع الصليبي ليكون المجتمع بكافة فئاته وطبقاته قادراً على أداء الخدمة العسكرية لعلاج مشكلة النقص السكاني، ولا أدل على ذلك من أن الجماعات الدينية في المجتمع الصليبي كانت في مراحل من التواجد الصليبي أكثر الفئات تطرفاً في المجال العسكري مثل جماعات الداوية، والاسبتارية () .

ركزت القوى الصليبية على بناء تحصينات عسكرية بخبراتها الذاتية أو تقليداً للخبرات التي وجدتها في المنطقة الإسلامية، وروعي في هذه التحصينات أن تكون أشبه بمحطات إنذار مبكر تكون قادرة على رصد التحركات الإسلامية، ولذا روعي في اختيار مواقعها في أن تكون في مقابلة التجمعات الإسلامية الهامة أو على مناطق تهدد مصالح إسلامية كتلك التي أقيمت على مقربة من الطرق التجارية.

اعتمدت القوى الصليبية وبناء على تجارب حروبها مع الطرف الإسلامي أسلوب الحرب السريعة الخاطفة، هذه الحرب التي لا تحتاج إلى قوات كبيرة وبنفس القدر يُخطط لها أن تختار أهدافاً منتقاة ضمن معايير زمنية محسوبة، كاعتماد أسلوب الإغارة على المناطق الزراعية في مواسم نضج المحاصيل مما لا يكلفها قوة عسكرية كبيرة ولكنها بنفس الوقت تكون قادرة وفق هذا الأسلوب على إلحاق أذى كبير بالطرف الإسلامي.

لجأت القوى الصليبية إلى سياسة عقد الهدن وتقديم بعض التنازلات لبعض الأطراف الإسلامية في سبيل التفرغ لقوى إسلامية أخرى، وكانت هذه الإستراتيجية ناجحة في فترة التفكك الإسلامي بل وقادها ذلك إلى حد التدخل إلى جانب طرف ضد آخر إما بعرض صليبي على هذا الطرف أو باستدعاء وطلب من بعض الأطراف الإسلامية.

عملت القوى الصليبية وبمختلف الوسائل على إبقاء روح الحروب الصليبية قوية في الغرب الأوروبي لضمان استمرار الحملات الصليبية واستمرار تقديم المساعدات للكيانات الصليبية في الشرق فقد حرصت على التواصل الدائم مع أوروبا مما كفل لها الإمدادات البشرية والمادية وقد شعر ملوك أوروبا بالمسئولية الكبيرة تجاه الإمارات الصليبية في المشرق، والتزموا بدعمها والدفاع عنها.

ركزت القوى الصليبية مع مرور الزمن على تبني استراتيجية مفادها، أن ضمان وجودها في بلاد الشام يقتضي السيطرة على مصر أو إخراجها من ساحة الصراع بأي شكل من الأشكال وعلى ذلك نجد أن الحملات الصليبية اللاحقة كان جزءاً منها موجهاً بدرجة رئيسية إلى مصر والمتتبع لتاريخ الحركة الصليبية حققوا بعض النجاحات في هذا الصدد مستغلين حالات عداء كانت تثور بين حكام مصر وبعض مناطق بلاد الشام.

لجأت بعض الأطراف الصليبية إلى القيام بحملات عسكرية تهدف إلى ضرب المعنويات الإسلامية وتهديد المسلمين في مقدساتهم كما حصل حين غامرت بعض هذه القوى أمير الكرك والشوبك بالتعدي على الأماكن المقدسة في الحجاز، كما لجأت إلى ضرب بعض المقومات الاقتصادية والدينية مثل تهديد طرق التجارة وقوافل الحج وقامت بهذا الدور في مراحل معينة إمارة الكرك والشوبك الصليبية التي كانت تتبع لمملكة بيت المقدس الصليبية.

لم تغفل الإمارات الصليبية والبابوية الداعمة لها وبعض رجال الدين والمفكرين أن يطوروا استراتيجية جاءت نتيجة لفشل الإستراتيجيات العسكرية التي تدعو إلى محاولة السيطرة بطرق بعيدة عن الأسلوب العسكري وإنما عن طريق التنصير والدعوة لزيادة عمليات التبشير بالدين المسيحي بين المسلمين، ونحن هنا لا نناقش إمكانية نجاح وفشل هذه الاستراتيجية بقدر ما يهمنا الإشارة إلى أن ذلك كان إحدى البدائل التي سعى الفرنجة لاستخدامها لتحقيق أغراضهم.

صورت القوى الصليبية نفسها على أنها المدافعة عن المسيحية في بلاد الشرق بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية، حيث صُورت الحركة الصليبية على أنها جاءت لنجدة بيزنطة ضد الخطر الإسلامي السلجوقي، كما صورت زحفها على أراضي المنطقة الإسلامية بأنه يهدف إلى تحرير المسيحيين الشرقيين من نير السيطرة الإسلامية وضمنت من وراء ذلك مساعدات من الطوائف الأرمينية والسريانية .. في بدايات سيطرتها على المناطق الإسلامية، ولكن هذه الاستراتيجية المرحلية بدأت تتلاشى مع مرور الزمن (). والتحالف مع الحركات الباطنية.

إن هذه الاستراتيجيات وإن كانت عامة تخص جميع الصليبيين، إلا أن ذلك لم يمنع من استخدام استراتيجيات مرحلية وخاصة بكل إمارة حسب ظروفها مما يعني أن بعض هذه الإمارات ربما اتخذ وتبنى سياسة تخالف هذه المبادئ العامة ومن استعراض هذه الاستراتيجيات يبدو لنا أن القوة الإسلامية يقاس نجاحها في مقاومة هذا الخطر الصليبي بمدى تبنيها استراتيجيات واتباعها وسائل تحد من خطر هذه الإستراتيجيات الصليبية، إما عن طريق تبني استراتيجيات مضادة أو منع الطرف الصليبي من تطبيق استراتيجياته على أرض الواقع وهذا يمكن أن نلمحه من خلال تطورات ردود الفعل الإسلامية على التحدي الصليبي بدءاً من عهد عماد الدين ونور الدين زنكي وصولاً إلى مرحلة صلاح الدين الأيوبي واستكمالاً لما تم في عهد الدولة المملوكية، على أن لا يُفهم من ذلك أن هذا التطور في رد الفعل الإسلامي في العهد الزنكي والأيوبي والمملوكي كان دائماً في الإطار الإيجابي بل ما حصل أحيانا هو أن الطرف الإسلامي أو بعض قواه أو أفراده ساعد في نجاح الاستراتيجيات الصليبية ().




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق