76
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين:
رابعاً :مكانة العلماء في دولة نور الدين محمود:
5- ابتعاد نور الدين عن التعصب :
لم يكن نور الدين محمود زنكي متحيزاً أو متعصباً إلى مذهب من المذاهب السنية لكي يسعى – من خلال نشاطه المدرسي هذا – إلى تحقيق نصر جزئي لمذهب دون مذهب وإلى تعزيز مواقع (فقه) ما بمواجهة سائر المعطيات الفقهية، كما يحدث في عصور التقليد والتّيبّس الفكري، إنه يطمح إلى ما هو أبعد من هذا بكثير : العمل على مستوى العقيدة الإسلامية في آفاقها الرحيبة الواسعة وشموليتها التي تتسع لكل فكر إسلامي مبُدع واجتهاد خلاّق إن الرجل يطلّ على المسألة الفكرية من فوق، ويسعى إلى أن يكون الصراع الفكري، لا قتالاً وانشقاقاً في صميم الذات العقائدية للأمة المسلمة : ولكنه صراع بمواجهة خصم صليبي كان يتغلغل في حنايا الأرض ويقف بالمرصاد متحفزاً لتدمير الشخصية الإسلامية، تماماً كما يسعى استعمار اليوم الجديد وصهيونيته لتحقيقه وصراع من جهة أخرى بمواجهة انحرافات القرون الطويلة في مجرى التاريخ الإسلامي نفسه، وهذا هو الأخطر والأهم ومن ثم فإن قيادة الفكر الإسلامي صوب مواقع التأصيل والديمومة يجب أن تتحلى بقدر كبير من تجاوز الصراعات الجانبية والعقد التاريخية صوب ما هو أعّم وأشمل وأبعد مدى – وثمة حادثة – من بين عديد من الحوادث تناقلها المؤرخون – تحمل دلالتها الواضحة في هذا المجال ( ) : في أعقاب وفاة أحد كبار الفقهاء المشرفين على التدريس في حلب، انقسم هؤلاء إلى قسمين كل يريد مذهب من المذاهب ويسعى إلى استدعاء الرجل الذي يخلفه في التدريس .. وتطور الجدل إلى فتنة كادت تقع بين الفريقين " فلما سمع نور الدين بذلك استدعى جماعة الفقهاء إلى القلعة بحلب، وخرج إليهم نائبه – مجد الدين بن الداية – وقال لهم على لسانه :نحن ما أردنا ببناء المدارس إلا لنشر العلم ودحض البدع من هذه البلدة وإظهار الدين، وهذا الذي جرى بينكم لا يحسن ولا يليق، ثم علمهم أن نور الدين قرر استرضاء الفريقين باستدعاء الرجلين وتولية كل منهما إحدى المدارس الشهيرة في حلب ( ) لقد وسع نور الدين محمود جبهة المواجهة تحت راية أهل السنة والجماعة واستطاع أن يرص الصفوف ويوحد الجهود أمام الأخطار الداخلية، والخارجية وحقق الأجواء الصالحة لكي ينجح مشروع أهل السنة والجماعة النهضوي الذي تبناه إن التقليد والتعصب من أعظم أسباب التفرق والإنحراف عن منهج الله الرباني، ومن أهم العوامل التي أدّت إلى انتشار البدع والأهواء بين الناس، ففشت في أوساطهم، وحالت بينهم وبين سماع الحق والهدى، وتركوا بسببها طريق الكتاب والكريم والسنُّةَ المطهرة، التعصب اللذان يؤديان إلى مهاوي الردى ويقودان صاحبهما إلى مسالك الغواية والضلال ويصّدان عن اتباع النور والهدى فتكون النتيجة تخبطاً وانتكاساً في الدنيا، وهلاكاً وخسرانا في الآخرة ( ). لقد انتشر مرض التعصب والتقليد في شعوب الأمة الإسلامية، لا سيما في العصور المتأخرة، وأصبح هو الأساس والأصل ونتج عن تفشيه نتائج وخيمة وأمور جسيمة وخطيرة ومن أشدها عدم قبول الحق، وردّه إذا جاء من المخالف ( ) وقد قام نور الدين محمود بمعالجة ومحاربة التعصب وفي حقيقة الأمر محاربة لأسباب الفرقة وبالتالي خطوة نحو الأخذ بأسباب النهوض، فعلى المهتمين بأمر نهوض الأمة معالجة هذه الأمراض المعضلة من التعصب وغيرها التي كانت سبباً في تفريق الأمة شيعاً وأحزاباً.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق