63
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين:
ثانياً :بناء دولة العقيدة على أصول أهل السنة:
2- جهود نور الدين في الإحياء السني في دمشق :
استولى نور الدين على دمشق في صفر من عام 549ه/1154م ومن ثم واصل جهوده لتنفيذ خطته في دعم العقيدة السنية وكان منهجه في دعم المذهب السني في دمشق قد خضع لزيادة في أعبائه العسكرية حيث أصبح مجاوراً لمملكة بيت المقدس أكبر المراكز الصليبية قوة وأخطرها شأناً ولذا فإن المنهج الذي سلكه نورالدين في دعم المذهب السني قصد إلى مواجهة هذه الحالة من ناحية ومن ناحية أخرى لابد أن تصبح دمشق بمثابة مركز إشعاع عقائد تنطلق منه جهود علماء السنة للقضاء على المذاهب المنحرفة وتمهيد الطريق لسيطرة المذهب السني – الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه – ولذلك رأينا خطة نور الدين في دمشق تسير في ثلاث اتجاهات رئيسية ( ) :
الاتجاه الأول :
تركز في العناية بإنشاء المدارس السنية وربط الصوفية، غير أن مدارسه في دمشق اهتمت بفقهاء المذهبين : الحنفي والشافعي، وكانت عناية نور الدين بمدارس الفريق الأول أكثر، استجابة لميل طبيعي إلى هذا المذهب الذي كان يعتنقه دون تعصب، فأنشأ المدرسة النورية الكبرى، وجلعها وقفاً على الحنفية وأول من درس بها شيخ الحنفية بدمشق : بهاء الدين بن عسكر المعروف بابن العقادة ت (596/1199م) ووصف ابن حبير هذه المدرسة عندما زارها في عام 580ه/1199م بأنها " من أحسن مدارس الدنيا منظراً .. وهي قصر من القصور الأنيقة ( )، كما جعل لهم مدرسة أخرى بجامع القلعة وهي المدرسة النورية الصغرى ( ) وأما المدارس الشافعية التي نسب إنشاؤها إلى نور الدين فآراء مؤرخي المدارس متضاربة حولها، ومع عناية نورالدين بتشييد المدارس التي تعني بتراث الإمامين العظيمين فإنه لم يهمل أصحاب المذهبين الآخرين إهمالاً تاماً، بل وقف على زاوية المغاربة وهم مالكية بالجامع الأموي ما يعينهم على تحصيل العلم ويوفر لهم حياة كريمة ( )، وواصل نور الدين في دمشق سياسته التي اتبعها في حلب تجاه الصوفية فشيد لهم – خانقاه – خارج المدينة وصفها ابن جبير بقوله : ومن أعظم ما شاهدناه لهم (الصوفية) موضع يعرف بالقصر، وهو صرح عظيم، مستقل في الهواء، في أعلاه مساكن لم ير أجمل إشراقاً منها ( )، كما عين لهم نور الدين من ينظر في أمر ربطهم وزواياهم، وأسند هذه المهمة إلى شيخ الشيوخ أبي الفتح عمر بن علي بن حموّية ( ).
وأما الاتجاه الثاني :
فكان منصباً على العناية بالحديث الشريف دراسة وتدريساً، ومن ثم بنى أكبر دار للحديث في دمشق، ووكل أمر مشيختها إلى أحد أعلام عصره، وهو الحافظ الكبير : تقي الدين أبو القاسم على ابن الحسين بن هبة الله بن عساكر ت (571ه/1175م) وكان عمدة في الحديث والفقه وعلم الكلام، وصفه ابن خلكان بأنه : من أعيان الفقهاء والشافعية ولكن غلب عليه الحديث فاشتهر به ( ) وهذه العلوم الثلاثة : أعني الحديث والفقه، وعلم الكلام، كانت تدخل من ضمن الثقافة السنية في تلك الفترة ولذلك قربه نور الدين منه وادناه من مجلسه واستمع إليه وفوض إليه القيام بمهمة الإشراف والتدريس بدار الحديث النورية وعناية نور الدين بالحديث الشريف – على هذا النحو – تعبر عن إدراك تام لقيمة الدور الذي تؤديه العناية بهذا الجانب : من تهيئة الناس وإعدادهم للجهاد في سبيل الله وحثهم عليه في بيئة تواجه باستمرار خطر العدو الذي يحتل مقدسات المسلمين ويتربص بهم الدوائر، كما أن هذه الحفاوة بالحديث الشريف تعكس لنا ميل نور الدين إلى هذا الفرع من فروع الثقافة السنية ؟ فقد شارك العلماء في هذا الميدان فحدث بحلب ودمشق عن جماعة من العلماء أجازوا له رواية الحديث منهم : أبو عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي المصري ( ).
الاتجاه الثالث :
كان موجهاً إلى العناية بتربية النشء تربية سنية فإن نور الدين بني في دمشق وغيرها من البلاد مكاتب للأيتام وأجرى عليهم وعلى معلميهم النفقات الوفيرة، كما خصص للأيتام الذين يقرأون القرآن – بالمساجد التي شيدها – أوقافاً – معلومة ( ) يذكر ابن كثير : أن نور الدين وقف وقفاً : على من يعلم الأيتام الخط والقراءة، وجعل لهم نفقة وكسوة ( ) . وخصص نور الدين لهذه المؤسسات التعليمية – على اختلاف أنواعها – الأوقاف الكثيرة التي تمكن طلابها وأساتذتها من التفرغ لتعلم العلم وتعليمه حتى إن ابن الأثير ذكر أنه بلغه من خبير بأعمال الشام أن وقوف نور الدين كانت تغل في عام 608ه/1211م تسعة آلاف دينار كل شهر ( )، لذلك لن نعجب إذا وجدنا من يصف بلاد الشام بأنها كانت قبل نورالدين خالية من العلم وأهله، وفي زمانه صارت مقراً للعلماء والفقهاء والصوفية لصرف همته إلى بناء المدارس والربط وترتيب أمورهم ( ) ويصور أحد الشعراء المعاصرين لنور الدين وهو علي بن منصور أبو الحسن السروجي 572ه/1176م النهضة الفكرية في عهده بقوله في وصف دمشق :
كأنها جنة الخلد دانية
??قصورها فتحت منها المقاصير
في كل قطر بها للعلم مدرسة
??وجامع جامع للدين معمور
يتلى القرآن به في كل ناحية
??والعلم يذكر فيه والتفاسير
تكامل الحسن فيه مثل ما كملت
??أوصاف مولى بنشر العدل مشهور
الملك والدين والدنيا بأجمعها
??وللخليفة من أنواره سور ( )
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق