إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 9 يوليو 2014

64 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية : المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين: ثانياً :بناء دولة العقيدة على أصول أهل السنة: 3- دور نورالدين في إعادة مصر إلى المعسكر السني :


64

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :

المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين:

ثانياً :بناء دولة العقيدة على أصول أهل السنة:

3- دور نورالدين في إعادة مصر إلى المعسكر السني :

لم يقدر لنور الدين أن يحكم مصر حكماً مباشراً، ومن ثم لم تتهيأ له الفرصة ليقيم فيها مؤسسات فكرية تعمل على تغيير الاتجاه الشيعي في هذا الإقليم - وتنتشله من مستنقع البدع والضلال – وتعيده إلى رحاب السنة مرة أخرى، فالمؤسسات العقائدية السنية التي قامت في مصر حسبت كلها في رصيد الأيوبيين، حتى ما أنشيء منها في حياة نور الدين وكان له فيها أثر غير مباشر، ذلك أن الأيوبيين قدر لهم يستمروا في قيادة الإحياء السني في مصر بعد وفاته، فنسبت معظم الجهود – إن لم يكن كلها – إليهم. ولكنا مع هذا لا يسعنا إلا أن نقرر الحقيقة وهي أن الأيوبيين كانوا تلاميذ نور الدين في هذا الاتجاه، فما ينسب إليهم لا بد أن نلمس فيه أثره، ونلمح فيه توجيهاته، وذلك علاوة على الدور الكبير الذي قام به في إعادة مصر إلى المعسكر السني، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : في أي الجوانب إذن تركز دور نور الدين في تحويل مصر إلى هذه الوجهة ( ) ؟ يذكر المقريزي : أن الخليفة لأمر الله العباسي انتهز فرصة الاضطرابات في مصر عقب مقتل الخليفة " الظافر " في المحرم سنة 549ه/1154م وتولية ابنه : " الفائز " وكان طفلاً صغيرا، فأرسل إلى نور الدين يطلب منه أن ينتهز هذه الفرصة ويزحف على الساحل الشامي ومصر ويأخذها من أيدي الفاطميين وكتب له بهما عهداً. كما ذكر هذه الرواية بشيء من التفصيل السيوطي في حسن المحاضرة ( )،  ويفهم من الروايتين أن الخليفة المقتفي هو الذي وجه نظر نور الدين إلى مصر وأنه شجعه على ذلك وأن توجيه الخليفة كان نقطة البداية في محاولة استعادة مصر إلى المعسكر السني ( ) . ولا نستطيع أن ننكر الجهود الكبيرة التي قام بها الخليفة المقتفي ووزيره يحي بن هبيرة في دعم مسيرة نورالدين إلا أن الاهتمام بمصر بالنسبة لنور الدين اختيار استراتيجي في خطته لتضييق الخناق على الصليبيين في بيت المقدس، كما أدرك من قبل أهمية ضم دمشق بالنسبة لهذا الأمر الحيوي وهذا الحقيقة عبر عنها نور الدين بنفسه في إحدى عباراته عندما أرسل إليه صلاح الدين – من مصر – هدايا وتحفا فقال : والله ما قصدنا بفتح مصر إلا تطهير الساحل وقلع الكفار منه ( ) وكلمة تطهير الساحل لعلمه أهمية الهيمنة البحرية للمعسكر السني لكي يطهر البيت المقدس وبلاد الشام من الصليبيين، فحركة الإمدادات من غرب أوروبا، تحتاج لحشد قوى العالم الإسلامي، مع قطع الإمدادات أو مضايقتها عن الصليبيين في بلاد الشام، وهذا لا يكون إلا بضم مصر وتخليصها من أيدي الروافض الباطنيين الذين تقلدوا  أمور حكمها من قرون كما أن نور الدين محمود زنكي رجل تركي سني، وهو على أي حال امتداد للسلاجقة الذين تمنوا فتح مصر وإعادتها إلى دائرة النفوذ السني، لذا كان من الطبيعي أن يأتي تفكيره في فتح مصر نابعاً من ذاته ومتمشياً مع متطلبات ظروفه العسكرية من ناحية، ومحققاً لأمانيه الدينية من ناحية أخرى ومما يشير إلى أن فتح مصر كان هدفاً من أهداف نور الدين التي سعى لتحقيقها قوله في الرسالة التي بعث بها إلى الخليفة المستضيء يبشره بإقامة الخطبة له في مصر : ما برحت هممنا إلى مصر مصروفة وعلى افتتاحها موقوفة، وعزائمنا في إقامة الدعوة الهادية بها ماضية ... حتى ظفرنا بها بعد يأس الملوك منها ( )، كما كشف في هذه الرسالة عن موقفه العقدي من الفاطميين بقوله عن مصر : ... وبقيت مائتين وثمانين سنة ممنوعة بدعوة المبطلين مملوة بحزب الشياطين حتى أذن الله لغمتها بالإنفراج، وأقدمنا على ما كنا نؤمله من إزالة الإلحاد والرفض، وتقدمنا إلى من استبناه أن يستفتح باب السعادة، ويقيم الدعوة العباسية هنالك ويورد الأدعياء ودعاة الإلحاد بها المهالك ( ).

ولهذا كله كان من الطبيعي أن ينتهز نور الدين الفرصة التي سنحت له للتدخل في شؤون مصر عندما اضطربت أحوالها الداخلية بسبب التنافس بين الوزراء، وطمع الصليبيين فيها، فثابر على إرسال جيشه إليها كلما دعت الضرورة إلى ذلك حتى تّم الاستقرار لهذا الجيش بها في المرة الثالثة وذلك في ربيع الآخر سنة 564ه/1169م ووزر قائده أسد الدين شيركوه للخليفة العاضد في مصر، لكنه ما لبث أن توفي وخلفه في منصبه ابن أخيه صلاح الدين الذي كان عليه أن يبدأ بتنفيذ خطة نور الدين لإعادة مصر إلى حظيرة السنة، ثم يتابع المسيرة بعد وفاة استاذه العظيم ( ).

خطة نور الدين في بداية فتح مصر :

كانت خطة نور الدين في بداية فتح مصر تركز على أمرين هامين :

الأول : تغيير النظام القضائي بها بحيث يعتمد على مذهب السنة بدلاً من المذهب الشيعي الإسماعيلي الباطني، وحاول نور الدين أن يكل هذا الأمر إلى الفقيه الشافعي شرف الدين بن أبي عصرون، يذكر أبو شامة أنه وقف على كتاب بخط نور الدين إلى هذا الفقيه – وكان بحلب يطلب منه الذهاب إلى مصر ليتولى قضاءها ومما قاله نور الدين للشيخ : أنت تعلم أن مصر اليوم قد لزمنا النظر فيها، فهي من الفتوحات الكبار التي جعلها الله دار إسلام بعد أن كانت دار كفر ونفاق .. إلا أن المقدم على كل شيء أمور الدين التي هي الأصل، وبها النجاة، وأنت تعلم أن مصر ماهي قليلة، وهي خالية من أمور الشرع.. والآن قد تعين عليك وعلي أيضاً أن ننظر إلى مصالحها، وما لنا أحد اليوم لها إلا أنت.. فيجب أن تشمر عن ساق الاجتهاد، وتتولى قضاءها، وتعمل ما تعلم أنه يقربك من الله ( ).

والأمر الثاني : كان يتعلق بإقامة الخطبة العباسية في مصر فما أن استقرت عساكر نور الدين فيها حتى وردت عليه رسالة من الخليفة المستنجد يتعجل إقامة الخطبة له في مصر، ثم لما ولي " المستضيء " في عام 566ه/1170م كرر هذا الطلب، وكان نور الدين بدوره يطلب من صلاح الدين الإسراع في تنفيذ هذه الخطوة. لكن صلاح الدين كان يؤثر اتخاذ خطوات متدرجة حتى لا يواجه بما لا تحمد عقباه إلى أن ألزمه نور الدين بذلك إلزاماً لا فسحة فيه في رسالة أرسلها إليه مع والده نجم الدين أيوب، فاعتذر لأبيه بأن هذا الأمر إن لم يؤخذ بالتدرج فسيؤل أمره إلى الفساد وفعلاً كان صلاح الدين يسير نحو رغبة نور الدين بخطوات متأنية، استطاع بعدها أن يقطع خطبة العاضد الفاطمي، ويخطب للخليفة العباسي في المحرم من عام 567ه/1171م وما لبث العاضد أن توفي بعد أيام من الدعاء للعباسيين على منابر مصر وبموته سقطت الدولة الفاطمية ( )، وأرسل نور الدين القاضي ابن أبي عصرون إلى الخليفة العباسي يحمل راسلة تتضمن البشارة بهذا الحادث الكبير، وأمره نور الدين أن يقرأ البشارة في كل مدينة يمر بها، فلم يترك مدينة في الطريق إلى بغداد إلا دخلها، وقرأ فيها هذه البشارة، حتى وصل إلي عاصمة الخلافة، فخرج الموكب لتلقيه، ونثرت عليه الدنانير، وحمل معه عند عودته التشريفات والخلع من الخليفة إلى نور الدين وصلاح الدين ( ) وبذلك قدر لمصر أن تعود إلى رحاب السنة في عهد نور الدين الذي تركزت جهوده في هذا المجال حول ثلاثة جوانب : الفتح العسكري الذي مهد الطريق أمام التحول السني، وتغيير النظام القضائي من المذهب الإسماعيلي الشيعي إلى المذهب الشافعي السني، ثم إسقاط الخلافة الفاطمية وإقامة الخطبة للخلافة العباسية السنية ( ). وإذا كانت معظم جهود نور الدين الفكرية قد وزعت بين حلب ودمشق ومصر فإن هذا لا يعني إهمال بقية المناطق الخاضعة لنفوذه، بل إنه أنشأ المدارس السنية في كثير منها، وشيد عدداً كبيراً من المساجد التي كانت مهيأة للعبادة والدرس، فبنى للفقيه ابن أبي عصرون مدارس في حلب وحمص وبعلبك ( )، ويقول ابن خلكان عن نور الدين إنه بنى المدارس بجميع بلاد الشام مثل : دمشق وحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، ومنيح والرحبة، وبنى بمدينة الموصل الجامع النُّوري، ورتب له ما يكفيه، كما بنى جامع حماة وجامع الرها، وجامع منبج ( ) .



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق