إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 9 يوليو 2014

62 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية : المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين: ثانياً :بناء دولة العقيدة على أصول أهل السنة: أ- الاهتمام بالمذهب الشافعي في حلب :


62

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :

المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين:

ثانياً :بناء دولة العقيدة على أصول أهل السنة:

أ- الاهتمام بالمذهب الشافعي في حلب :

كان نور الدين محمود يتبع مذهب الإمام أبي حنيفة إلا أنه أنشأ للشافعية في حلب ثلاث مدارس هي : النفرية والعصرونية والشعيبية وأسند الأولى إلى استاذ من أساتذة النظاميات، والثانية إلى تلميذ من أنبغ من خرجت نظامية بغداد وهو شرف الدين بن أبي عصرون، وفي الوقت الذي لم ينشئ فيه لأهل مذهبه إلا مدرسة واحدة وهي الحلاوية السالفة الذكر. لاعتقاده بأن علماء المدارس النظامية لهم القدرة على الإحياء السني، وقمع شبهات المبتدعة من الشيعة الرافضة أكثر من غيرهم وذلك بسبب خبرة المدارس النظامية وخريجيها على مواجهة المد الباطني الشيعي وقدرتها على كشف باطلها بأسلوب علمي رصين إضافة إلى اهتمام المدارس النظامية بنشر العلم الشرعي والإحياء السني الكبير ولئن البيئة الحلبية تحتاج إلى ذلك النوع من علماء أهل السنة والذي يقوي هذا المذهب أن نور الدين لم يسلك سبيلاً مشابهاً لهذا المسلك في دمشق بعد أن استولى عليها، إذ كانت حفاوته بمدارس الحنفية أكثر، فأنشا فيها أشهر مدارسه وهي : النورية الكبرى، كما بنى للحنفية مدرسة أخرى بجامع القلعة عرفت بالنورية الصغرى وأما الشافعية فإنه أسس لهم مدرستين أو ثلاثاً على خلاف بين المؤرخين ( ) ويبدو أن مدينة حلب كانت في حاجة ماسة إلى جهود أهل السنة من المذهب الشافعي المسلحين بدراسة الجدل وعلم الكلام ليواجهوا الشيعة مواجهة فكرية تشد من أزر المواجهة السياسية لذا رأينا نور الدين يكثر من بناء مدارس الشافعية لحلب ويستقدم لها نوعية خاصة من الأساتذة ليتولوا مهمة التدريس بها والإشراف عليها، وهذا ما لم يحفل به كثيراً في دمشق حيث النفوذ السني غالب، فصرف همته إلى العناية بفقهاء مذهبه، والاهتمام بدار الحديث الشريف التي أنشأها ( ).

ب- الاستفادة من جهود علماء السنة :

لم تقف جهود نور الدين في حلب عند حد العناية بإنشاء المدارس الحنفية والشافعية، بل إنه كان حريصاً على أن يستفيد من جهود علماء السنة على اختلاف مذاهبهم في محاربة الفكر الشيعي، والتمكين لمذهب السنة ولذلك كان يعتني أيضاً بعلماء المالكية والحنابلة وفقهائهم، فأوقف زاويتين بالمسجد الجامع في حلب، وخصص إحداهما لفقهاء الحنابلة والأخرى للمالكية وبذلك نجح نور الدين في التخفيف من حدة الصراع المذهبي بين المذاهب السنية المختلفة ( ) وتوحيدها في جبهة واحدة ووفقه الله في توحيد جهود علماء السنة لمحاربة الفكر الشيعي ( ).

ج- دعم التصوف السني :

اهتم نور الدين بإنشاء خوانق الصوفية وكانت في ذلك العصر مكاناً للعبادة وقد أصبح التصوف السني في ذلك العصر اتجاه له نفوذه وسيطرته وتقديره على المستوى الرسمي والشعبي وسيأتي الحديث بإذن الله عن دور المدرسة القادرية في توعية عوام الأمة خصوصاً في عاصمة الخلافة وجهود الغزالي ومحاولته تنقية التصوف من كثير من الشوائب وأن يمزج بينه وبين الشريعة مزجاً تاماً، فقد كان الصوفية في ذلك العصر محل تدير الحكام واحترامهم وخاصة نورالدين الذي كان يستفيد منهم في الدعاء وجمع المعلومات على الأعداء، وفي الجهاد، وكان يرحب بهم في بلاطه ويتواصل مع شيوخهم ويبني لهم الخوانق في أنحاء مملكته، وكان نصيب حلب من جهوده في هذا المجال خوانق : اثنتان منها للرجال وواحدة ( ) للنساء واستطاعت الدولة النورية التأثير على التصوف السني، وساهم التصوف السني في محاربة الدولة الفاطمية ومّد نفوذه في أنحاء بلاد الشام ومصر مع توسع الدولة النورية خارجياً والتي كانت من وسائلها دعم التصوف السني لمقاومة المذهب الإسماعيلي والتيار الفلسفي، وقد مدت مقاومتها إلى مصر أيضاً ولذا كان اتساع نطاق الاتجاه الصوفي على مستوى قطاعات جماهيرية كبيرة فيما بعد في عهد الأيوبيين والمماليك ( ).

د- دور تدريس الحديث :

اهتم نور الدين محمود بتدريس الحديث الشريف وكانت من ضمن مشروعه في حركة الإحياء السني ومناهضة الفكر الشيعي، ذلك أن الشيعة لا يعترفون بصحة الحديث إلا إذا كان مروياً عن آل البيت وكان من الطبيعي أن ينتهي بهم هذا الموقف – المجانبة للحق والعدل والصواب – إلى الطعن في صحاح السنة ويضاف إلى ذلك أن العناية بالحديث الشريف وتشييد معاهد دراسية خاصة به كان سمة من سمات هذه الفترة التي حكم فيها نور الدين والأيوبيون، ذلك أن الظروف التي أحاطت بالشام ومصر في تلك المرحلة عكست ظلالها على مناهج الدراسة في المعاهد العلمية السنية من أثر ذلك العناية بالحديث وعلومه استجابة لظرف واقعي تمثل في احتلال الصليبيين لأجزاء واسعة من بلاد الشام من بينها القدس الشريف، فكان على هذه المدارس أن تعبيء الناس للجهاد وتحين فيهم روح البطولة والاستشهاد عن طريق تدريس الحديث والعناية به خاصة ما يتعلق منه بباب الجهاد في سبيل الله، ولذا رأينا نور الدين يوقف زاوية بجامع حلب على دراسة الحديث، كما أوقف داراً أخرى للغرض ذاته هذه هي أبرز الجهود التي نهض بها نور الدين لدعم المذهب السني بها ( ) .

س- موقف الشيعة في حلب من حركة الإحياء السنية :

 لم يتقبل الشيعة الجهود التي نهض بها نور الدين في حلب لدعم المذهب السني بها وظلوا ينتهزون الفرصة المواتية ليعودوا بحلب مرة أخرى إلى ما كانت عليه بيئة شيعية يمارسون فيها شعائرهم بحرية تامة وكانت محاولتهم الأولى في هذا السبيل عام 552ه/1157م عندما مرض نور الدين بحلب حتى أرجف بموته ووصل أخوه نصرة الدين إلى حلب ليخلفه في ولايته، فمنعه والي القلعة من الدخول إليها، فتجمع حوله أحداث الشيعة وأبدوا استعدادهم لنصرته شريطة أن يسمح لهم بالعودة إلى ممارسة شعائرهم التي أبطلها نور الدين، فوعدهم بذلك، واشتعلت نيران الفتنة بين السنة والشيعة وقام الأخيرون بنهب بعض المراكز التعليمية السنية كالمدرسة العصرونية وغيرها من دور أهل السنة، ولما علم نور الدين بالأمر أرسل إلى قاضي المدينة أبي الفضل هبة الله بن أبي جرادة بأن يمضي إلى الجامع ويصلي بالناس، ويعاد الأذان إلى ما كان عليه فشرع المؤذنون في الأذان السني فاجتمع تحت المنارة من عوام الشيعة خلق كثير، فخرج إليهم القاضي وحذرهم وبين لهم أن نور الدين قد عوفي وأنه هو الذي أمر بهذا فانصرفوا وسكتت الفتنة ( ).

و- وجاءت محاولتهم الثانية في شوال من عام 564ه/1169م عندما أحرق الإسماعيلية مسجد حلب الجامع وكان يتخذ مكانا للدرس إلى جانب العبادة، فكان فيه الكثير من الزوايا التي وقفها نور الدين على المالكية والحنابلة وعلماء الحديث، فأعاد نور الدين بناء الجامع ووسعه وخصص له أوقافاً كثيرة ( )، ولعل الحركة من جانب الإسماعيلية في حلب كانت رد فعل لاستيلاء نور الدين على مصر الفاطمية في ربيع الآخر من هذا العام، إذ أيقن الإسماعيلية أن نور الدين ماض في تضييق الخناق على الشيعة وأنه عازم على استئصال هذا المذهب من مصر والشام ( ) كانت خطوات نور الدين العقائدية في حلب خطوات مدروسة تدل على وعي وإدراك كاملين للهدف الذي يريد تحقيقه من وراء إنشاء هذه المؤسسات السنية الهادفة، وظهر هذا الوعي واضحاً من جانب نور الدين عندما تحدث مجد الدين ابن الداية بلسانه إلى الفقهاء في حلب قائلاً : نحن ما أردنا ببناء المدارس إلا نشر العلم، ودحض البدع من هذه البلدة وإظهار الدين ( ) كما كان نورالدين – رحمه الله – يدرك قيمة العلم سلاحاً يواجه به العدو كما يواجهه بالقوة العسكرية، ولا شك أن نور الدين في هذه النظرة كان يعيش في عصره بعقلية العصر الذي يعيشه الآن ( )، فالتصدي للغزو الباطني الحديث يحتاج لقوة عسكرية واقتصادية وسياسية، وفكرية وأعلامية تتوازن وتتعاون وتتكامل مع بعضها من أجل الإحياء السني في الأمة والوقوف أمام العقائد الباطنية الزاحقة.

وقد أثمرت جهود نور الدين في حلب وتسابق أمراءه وأعيان دولته وخلفاؤه من بعده إلى إنشاء المؤسسات العلمية حتى غدت حلب بعد فترة يسيرة نسبياً مركزاً من مراكز الثقافة السنية بعد أن كانت وكراً من أوكار الشيعة وقد أحصى المؤرخ عز الدين شداد ت 684ه/1285م مدارس حلب في أيامه فوجدها أربعاً وخمسين مدرسة موزعة بين المذاهب الفقهية الأربعة منها : إحدى وعشرون للشافعية، واثنتان وعشرون للحنفية، وثلاث للمالكية والحنابلة، وثماني دور للحديث الشريف بالإضافة إلى إحدى وثلاثين خانقاه للصوفية ( ) وقد أتت هذه المؤسسات العلمية ثمارها المرجوة إذا انقرض المذهب الإسماعيلي الباطني في حلب في حدود عام 600ه/1203م وأخفى الشيعة الإمامية معتقداتهم حتى انتهى بهم الأمر إلى أن أخذو يتنكرون وبأفعال السنة يتظاهرون ويذكر أحد المؤرخين المعاصرين من أبناء حلب : أن الشيعة انقرضوا من المدينة وتلاشوا بالمرة، ولم يبق منهم غير عدة بيوت يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع، مع أن ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة السنة( ) وذلك بفضل الله ثم جهود المصلح الكبير نور الدين وخلفائه الذين اقتدوا به في الإكثار من المدارس السنية وتعيين الأساتذة الأكفاء لها، والإنفاق عليها بسخاء حتى تراجع التشيع من هذه المدينة وأصبحت السيادة فيها لمذهب أهل السنة ( ) وهذا يدل على أهمية التربية الفكرية والثقافية في التمكين للإسلام الصحيح في نفوس الناس.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق