61
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثاني :عهد نور الدين زنكي وسياسته الداخلية :
المبحث الثالث:أهم معالم التجديد والإصلاح دولة نور الدين:
ثانياً :بناء دولة العقيدة على أصول أهل السنة:
كان نور الدين رجل عقيدة وكان أظهر ما في خصائصه هو إيمانه الإسلامي العميق قال عنه ابن كثير : .. كان مجاهداً في الفرنج، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، صحيح الاعتقاد وكان قد قمع المناكر وأهلها ورفع العلم والشرع وليست الدنيا عنده بشيء رحمه الله ( ) وكان رحمه الله يملك رؤية نهوض قائمة على إحياء السنة وقمع البدعة قال عنه ابن كثير : أظهر نور الدين ببلاده السنة وأمات البدعة وأمر بالتأذين بحي على الصلاة حي على الفلاح ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجده، وإنما كان يؤذن بحي على خير العمل، لأن شعار الرفض كان ظاهراً ( ) ، وكان يعاقب المبتدعة بأشد العقوبات : قيل إن رجلاً أظهر شيئاً من التشبيه، فأركب على حماره، وأمر بصفعه وطيف به في البلد ونفاه إلى حّران ( )، وكان نور الدين يتحرى السنة في أمورها كلها ومن أعظم إنجازات دولته هو إسقاط الدولة الفاطمية وكان الفضل لله ثم للحملات المتوالية التي أرسلها نور الدين محمود ( ) حتى خلص المسلمين من شرورها وأعلن تبعيتها للخلافة العباسية السنية وكان رأي نور الدين في الدولة العبيدية الفاطمية يتلخص في رسالته للخليفة العباسي، وهو يبشره بفتح مصر وسقوط دولة الإلحاد والرفض والبدعة ( )، يقول فيها : وطالما بقيت "280" سنة مملؤة بحزب الشياطين ... حتى أذن الله لغمتها بالانفراج، واجتمع فيها داءان الكفر والبدعة، وتمكنا من إزالة الإلحاد والرفض، ومن إقامة الفرض ( )، وسيأتي الحديث عن أساليب ومنهج نور الدين في إزالة الدولة الفاطمية في مصر.
دور نور الدين في دعم المذهب السني :
مهدت مدارس نظام الملك رحمه الله السبيل ويسرته أمام نور الدين والأيوبيين، فأضحى الطريق معبداً لتحقيق الهدف الذي أنشئت النظاميات من أجله وهو العمل على مناهضة الفكر الشيعي ودعم المذهب السني وقد عقد نور الدين العزم على صبغ دولته بالكتاب والسنة ومواجهة الفكر الشيعي الرافضي والذي كان محصوراً في حلب ودمشق ومصر وبذل جهوداً كبيرة ليمكن لمذهب السنة إلا أن هذه الجهود كانت تختلف في طبيعتها باختلاف هذه البيئات الثلاث وإليك جهود نور الدين محمود في الأقاليم الثلاثة ( )
1- جهود نور الدين في حلب :
أخذ نفوذ الشيعة في حلب يظهر بوضوح في أواخر أيام سيف الدولة الحمداني (333 - 356ه/944 - 967) لأن بني حمدان كانوا يعتنقون مذهب الشيعة الإمامية فيسروا لدعاة هذا المذهب الطريق لنشر الدعوة فيها ثم عملوا بعد ذلك على إزالة شعائر السنة وإحلال شعائر الشيعة محلها، وذلك عندما غير سعد الدولة أبو المعالي (356 - 381ه/967 – 991م) ابن سيف الدولة الأذان بها في عام 367ه/977ه وزاد فيه حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر ( )، فكان هذا مبدأ ظهور الإمامية بحلب، وما زال نفوذهم يزداد نتيجة لتعاقب بعض الأسر الشيعية على حكمها : كآل مرداس والعقيليين حتى أصبح شعار الرفض بها ظاهراً ( ). وإل جانب الشيعة الإمامية وجدت قلة من الشيعة الإسماعيلية ازداد نفوذهم في حلب في عهد رضوان بن تتش الذي أمل أن ينصروه على أخيه دقاق، ويساعدوه في أخذ دمشق منه، ومن ثم بنى لهم بحلب أول دار للدعوة ودعا على منابرها للفاطميين فترة يسيرة من الزمن ومن هؤلاء وأولئك تكون مجتمع الشيعة في حلب ومعظم هؤلاء الشيعة كانوا متعصبين فقد كان المذهب الشيعي متغلغل في حلب( )، فقام نور الدين محمود باتخاذ خطوات سياسية واكبتها في الوقت نفسه خطوات فكرية هامة : ففي رجب من عام 543ه/1148م أي بعد عامين تقريباً من استقراره في حلب رأيناه يأمر الشيعة بترك حي على خير العمل في الآذان وينكر عليهم إنكاراً شديداً جهرهم بسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحذرهم من مغبة العود إلى ما نُهوا عنه، فعظم هذا الأمر على الإسماعيلية، وأهل التشيع، وضاقت له صدورهم وهاجوا وماجوا ثم سكنوا وأحجموا للخوف من السطوة النورية المشهورة، والهيبة المحذورة ( )، كما قام نور الدين بخطوة أخرى وهي : إبعاد بعض زعماء الشيعة عن حلب، ممن كان يخشى خطرهم، وكان على رأس المبعدين والد المؤرخ ابن أبي طي ( ) وواكبت هذه الخطوة السياسية خطوة فكرية هامة : وهي إنشاء مدرستين سنيتين كبيرتين : إحداهما للحنفية وهي المدرسة الحلاوية التي أنشأها نور الدين في العام ذاته 543ه/1148م وأسند التدريس فيها إلى برهان الدين أبي الحسن علي بن الحسن البلخي حيث استدعاه نور الدين من دمشق فجأ وألقى بها الدروس على الفقهاء وكان هو وتلاميذه خير عون لنور الدين في تنفيذ سياسته الرامية إلى مناهضة الشيعة ونصرة الكتاب والسنة، فيذكر بعض المؤرخين أن البلخي جلس تحت منارة المسجد وأمر بعض الفقهاء بالصعود إليها وقت الأذان وقال لهم : من لم يؤذن الأذان المشروع فألقوه من المنارة على رأسه، فأذنوا الأذان المشروع ( ). وكان المدرسة الثانية التي أنشأها نور الدين في حلب هي المدرسة الِنفَّريَّة النورية، وقد أنشأها (سنة 44ه/1149م) لتدريس المذهب الشافعي وتولى التدريس بها قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري ت 578ه ، 1182م أحد أساتذة نظامية نيسابور، وقد كان حضر إلى دمشق في عام 540ه/1145م وأقام بها يعظ ويعلم، فأقبل عليه الناس فاستدعاه نور الدين إلى حلب وأسند إليه التدريس بهذه المدرسة ( ) ولم يكن اختيار النيسابوري لتولي الأستاذية بهذه المدرسة من قبيل المصادقة فالرجل له قدم راسخة في علوم السنة والمنطق وعلوم الكلام ويملك من القدرات العقلية والفكرية ما يمكنه من إنزال هزائم فادحة في مجال الفكر للعقيدة الشيعية الرافضية وكان نور الدين بحاجة مآسة إلى العلماء الذين تخرجوا ودرسوا في المدارس النظامية، فبيئة حلب قد دخلت في طور التجديد لمنهج أهل السنة ومحاربة التشيع الباطني المتسلح بالفلسفة للدفاع عن عقيدته ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق