56
دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الثاني
نظام الوزارة العباسية في العهد السلجوقي
المبحث الخامس:أشهر وزراء الخلفاء العباسيين والسلاجقة:
أولاً:أشهر وزراء الخلفاء العباسيين:
1-فخر الدولة بن جهير :
هو محمد بن محمد بن جهير أبو النصر فخر الدولة، ولد بالموصل عام 398ه وبها نشأ، عاش بداية حياته في هذه المدينة خالياً من المال والجاه فقيراً معدماً يكد لعرض نيل العيش الرغيد، واستمرت به الأحوال هكذا لحين اتصل بامبراطور الروم عندما مضى برسالة إليه، فمن خلالها منحه الامبراطور مبلغاً قدره عشرين ألف دينار، وبذلك تغير أمره من فقير معدماً إلى ثري مالك ، وبعد ذلك اتصل الوزير فخر الدولة محمد بن جهير بصاحب، ميارفارقين وديار بكر ، استوزره معز الدولة بن صالح بن مرداس، بعدها نال وزارة أحمد بن مروان بن دوستك الكردي ، وراسل الخليفة القائم بأمر الله فخر الدولة وتم تعيينه وزير للخليفة القائم بأمر الله عام 454ه بعد ما عزل الوزير أبو الفتح منصور بن أحمد بن دارست ، ولم تدم حالة الاستقرار عند الوزير فخر الدولة لأنه واجه صراع حاد وطلب الوزير نظام الملك من القائم بأمر الله عزله، فاستجاب الخليفة لطلبه ، وعلى أثر هذا الصراع قرر الوزير فخر الدولة بن جهير أن يترك بغداد ويتجه إلى الحلة ويستقر بها وليقوم بخدمة نور الدولة دبيس بن مزيد وفعلاً مكث هناك مدة من الوقت . إلا أن الخليفة القائم بأمر الله بعد مدة من الوقت أخذ يطالب بفخر الدولة بن جهير ويطلب منه العودة إلى بغداد لاستلام الوزارة ثانية سنة 461ه ولما ولي المقتدي بأمر الله الخلافة سنة 467ه أقر فخر الدولة جهير على وزارته، بناء على وصية من الخليفة القائم بأمر الله ، وبعد أربع سنوات عزل فخر الدولة بن جهير من الوزارة للمرة الثانية تلبية لطلب الوزير السلجوقي نظام الملك الذي اتهمه بتدبير الفتنة التي قامت بين الحنابلة والشافعية ببغداد وقتل فيها جماعة من طلاب المدرسة النظامية . وعلى إثر ذلك لزم فخر الدولة داره، وخلفه ابنه عميد الدولة في وزارة الخليفة . وفي سنة 476ه استدعى السلطان ملكشاه فخر الدولة، وعقد له على دياربكر، وسيره على رأسي جيش كبير لانتزاعها من بني مروان وسمح السلطان لفخر الدولة بأن يخطب لنفسه بها، وينقش اسمه على السكة فسار فخر الدولة إلى دياربكر واستولى عليها . ويروى أن فخر الدولة عندما رأى احتلال دولة بني مروان اتصل بنظام الملك، ووصف له ما يوجد بديار بكر من ذخائر وأموال، وضمن له الاستيلاء عليها دون عناء، فتحدث نظام الملك مع السلطان ملكشاه في ذلك، فوافق على توجيه فخر الدولة للاستيلاء عليها . وانتهت حياة فخر الدولة بن جهير بوفاته سنة 483ه، بمدينة الموصل .
2-عميد الدولة ابن جهير :
وكان عميد الدولة أدبياً فاضلاً بليغاً، سخياً وقائداً عسكرياً محنكاً قاد الجيوش لفتح الموصل، وكان من أعظم الوزراء وأبعدهم أثراً في سياسة الدولة وتدبيرها، فضلاً عن ذلك فقد عرف عنه بحسن سفارته وأداء مهامه بنجاح، بحيث كسب ثقة الخلفاء وسلاطين السلاجقة، وتعد هذه الصفة من عوامل وصول عميد الدولة بن جهير إلى منصب الوزارة، ففي عام 462ه أرسله الخليفة القائم بأمر الله إلى الري . وكان الهدف من سفارته هذه هو تحقيق اتفاقية مراسيم خطبة ابنة السلطان لولي العهد المقتدي بأمر الله ، ولما أثبت عميد الدولة بن جهير حسن سفارته وأداء مهمته بنجاح، زاد من استحسان ورضى الخليفة عليه، مما دفع إلى استوزاره وتكريمه بالخلعة ، كما نال الوزير عميد الدولة بن جهير إحسان ورضى السلطان السلجوقي، مما دفع بالسلطان إلى أن يأمر اتباعه بتقديم الهدايا الثمينة والخلع لعميد الدولة، ومن ثم توديعه بموكب فخم أثناء مروره في مدينة أصفهان ، كما نال عميد الدولة رضى الوزير السلجوقي نظام الملك أبي علي الحسن الطوسي، حيث زوجه ابنته زبيدة في هذه السفرة . بحيث أصبح هذا الزواج محل خير لعميد الدولة، حيث أعيد للوزارة بعد أن خلعه الخليفة العباسي ، ويذكر ابن الجوزي بأن الخليفة القائم بأمر الله كان معجباً بين جهير، فقد خاطب المقتدي بقوله: يا بني قد أستوزت ابن المسلمة وابن دارست وغيرهما فما رأيته مثل بني جهير . بقي عميد الدولة وزيراً للخليفة المقتدي بأمر الله حتى عام 476ه ثم عزل، وخلفه أبو شجاع الروذ راوري، فخرج عميد الدولة مع والده وأسرته من بغداد، وساروا إلى الري، حيث عقد لأبيه فخر الدولة على ديار بكر . أما هو فقد سيره السلطان ملكشاه على أرس جيش كبير لفتح الموصل، ونجح عميد الدولة في إعادة الموصل إلى خظيرة الدولة السلجوقية بدون قتال . وفي سنة 484ه ولي عميد الدولة بن جهير الوزارة للمرة الثانية بوساطة الوزير نظام الملك، ويروى أن هذا الوزير وكبار أمراء السلاجقة وساروا إلى عميد الدولة، وهنأوه بالوزارة . ولما تولى المستظهر بالله الخلافة في سنة 487ه، أقر عميد الدولة في الوزارة، وفوضه في تدبير أمور دولته ، فظل يلي وزارته حتى عام 493ه،ثم قبض عليه الخليفة، وسجنه فتوفي في محبسه وكان عزل هذا الوزير بتدبير من الوزير السلجوقي مؤيد الملك بن نظام الملك . كان عميد الدولة بن جهير من أكفأ وزراء الخلافة العباسية في العهد السلجوقي، ويصفه المؤرخون بأنه كان حسن التدبير، كافياً في المهمات، كثير الصدقات واسع المعروف، وخاصة على العلماء ، ويذكر ابن خلكان أن الوزير نظام الملك كان معجباً بعميد الدولة، وكان يستشيره في أهم أمور الدولة، ويقدمه على أكفأ الموظفين في الإدارة السلجوقية .كما كان هذا الوزير من المهتمين بالأدب والحديث والفقه، ودرس مختلف أنواع العلوم .
3-الوزير أبو شجاع محمد بن الحسين الروذراوري :
هو الوزير ظهير الدين أبو شجاع محمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم من أهالي روذ راور ولد سنة 437ه، يقول ابن الجوزي بأن الوزير أبو شجاع : يعود أصله من بلدة من نواحي همدان، أحوازي المولد . ولي أبو شجاع الوزارة للمرة الأولى في سنة 471ه، خلفاً للوزير فخر الدولة بن جهير ثم عزل في السنة التالية بعد أن أصلح بنو جهير حالهم مع الوزير نظام الملك. ولما عاد بنو جهير إلى الوزارة بعث السلطان ملكشاه إلى الخليفة يطلب إخراج أبي شجاع من بغداد، فسير الخليفة أبا شجاع إلى أصبهان، ومعه رسول يحمل رسالة بخط الخليفة لنظام الملك ذكر فيها الخليفة منزلة أبي شجاع لديه وفضله ودينه، وطلب من نظام الملك عدم الاستماع لأعداء أبي شجاع. ولما أطلع نظام الملك على رسالة الخليفة، وأعاد أبا شجاع إلى بغداد ويبدو أن طلب إبعاد أبي شجاع من بغداد كان بتدبير بني جهير، خوفاً من منافسته لهم بالوزارة، خاصة وأنه كان يتمتع بتقدير واحترام الخليفة، وقد صدق حدس بني جهير فقد عُزل عميد الدولة فيسنة 476ه، وخلفه أبو شجاع في الوزارة . كان الوزير أبو شجاع رجلاً ديناً خيراً كثير البر والصدقات ، نجح في ضبط أمور الدولة أثناء وزارته وحفظ للخلافة هيبتها واحترامها . وكان شديداً في تطبيق قوانين الشرع ، ولم يترك فرصة للموظفين والعمال لاستغلال وظائفهم والاعتداء على أموال الناس ، فعم الأمن، وزاد الرخاء، وانخفضت الأسعار . وكان رحمه الله يملك ثروة هائلة بلغت حوالي ستمائة ألف دينار انفقها على الفقراء والضعفاء والمحتاجين ، يقول أبو جعفر الخرقي : كنت أنا من أحد عشر يتولون اخراج صدقاته، فحسبت ما خرج على يدي فكان مائة ألف دينار، ووقف الوقوف وبنى المساجد وأكثر الأنعام على الأرامل . وكان هذا الوزير محبوباً محترماً يؤيده أكثر العامة .
ويصف ابن خلكان حالة الخلافة في عهده، فيقول نقلاً عن ابن الهمذاني : كانت أيامه ( أبو شجاع) أو في الأيام سعادة للدولتين ، بركة على الرعية، وأعمها أمناً، وأشملها رخصاً، وأكملها صحة، لم يغارها بؤس ولم تشبها مخافة، وقامت للخلافة في نظره من الحشمة والاحترام ما أعادت سالف الأيام ، وظل أبو شجاع يلي وزارة الخليفة المقتدي بأمر الله حتى
عام 484ه ثم عزل منها وجاء أمر العزل وهو في الديوان، فانصرف وهو ينشد :
تولاهـا وليـس لـه عـدو
وفارقها وليـس لـه صديـق
ويذكر بعض المؤرخين عدة أسباب لعزل الوزير أبي شجاع، منها أن كان يعارض طلبات رجال الديوان والجيش التي تتنافى مع الشرع . ومنها أنه كان يعارض طلبات رجال الديوان والجيش التي تتنافى مع الشرع ومنها أنه شديداً على أهل الذمة، وقد ألزمهم بلبس الغبار . ولما عزل أبو شجاع من الوزارة خرج إلى الجامع ماشياً، ومعه جماعة من العلماء والزهاد ، فالتف الناس حوله يصافحونه، ويدعون له، فقيل للخليفة أن أبا شجاع أراد بهذا، التشنيع عليه، فصدر أمر الخليفة بأن يلزم أبو شجاع داره، ولا يخرج منها، فبنى أبو شجاع في دهليز داره مسجداً يصلي فيه، وردت أوامر الوزير نظام الملك، بإخراج أبي شجاع من بغداد إلى بلده روذراور، فسار إليها، وأقام بها مدة ، ثم توجه منها إلى الحج ، قال عنه ابن كثير : كان من خيار الوزراء كثير الصدقات والإحسان إلى الغلماء والفقهاء وسمع الحديث من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وغيره وصنف كُتباً.. ووقف الوقوف الحسنة وأكثر الإنعام على الأرامل والأتيام قال له رجل : إلى جانبنا أرملة لها أربعة أيتام وهم عراة وجياع، فبعث إليهم مع رجل من خاصَّته نفقة وكسوة وطعاماً، ونزع عنه ثيابه في البرد الشديد، وقال : والله لا ألبسها حتى ترجع إليَّ بخبرهم، فذهب الرجل مسرعاً فقضى حاجتهم وأوصلهم ذلك الإحسان، ثم عاد والوزير يركض من البرد فلما أخبره عنهم بما سّره لبسن ثيابه. وجئ إليه مّرةً بقطائف سكر، فلما وضعت بين يديه تنفَّض عليه بمن لا يقدر عليها، فأرسلها كلها إلى المساجد وكانت كثيرة جدّاً، فأطعمها الفقراء والعميان وكان لا يجلس في الديوان إلا وعنده الفقهاء فإذا وقع له أمر مشكل سألهم عنه فحكم بما يفتونه وكان كثير التواضع مع الناس، خاصَّتِهم وعامَّتِهم، ثم عزل عن الوزارة فسار إلى الحج وجاور المدينة قال عنه الذهبي : وكان كثير التلاوة والتهجد، ويكتب مصاحف، ويجلس للمظالم، فيغتضُّ الديوان بالسادة والكبراء ويُنادي الحُجّاب : أين أصحاب الحوائج ؟ فيُنصف المظلوم، ويؤدَّي عن المحبوس، وله في عدله حكايات في إنصاف الضعيف من الأمير، وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوَّجت بالمقتدي، فاستعفى من لبُس الحرير، فنفَّذت له عمامة ودّبيقيَّة ، بمئتين وسبعين دينار فلبسها... وكان كاملاً في فنون، وله يد بيضاء في البلاغة والبيان وكتابته طبقة عالية على طريقة بن مُقلة ، وزرع سبع سنين وسبعة أشهر ثم عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة
لموجدة . ثم قال الذهبي ثم حج بعد موت النظام والسلطان والخليفة ونزل المدينة وتزهد. ومات بها ودفن بالبقيع سنة 488ه عن إحدى وخمسين سنة ونلاحظ من حديثنا عن الوزراء أن أهل الخير والصلاح والعدل هم الذين أثروا في الناس وبقي ذكرهم في المحافل وثناء الخلق عليهم، وما عند الله خير وأبقى، كما أن من الدروس المستفادة تغير الزمان ودوام الحال من المحال فعلى العاقل ألا يركن إلى الدنيا ويبني آماله عليها وعليه أن يحتسب في عماله ويتقي الله ما استطاع.
4-الوزير الحسن بن علي بن صدقة :
نال الوزير جلال الدين أبوالرضا محمد بن أحمد بن صدقة وزارة الخليفة المسترشد بالله عام 513ه وعزل عنها في سنة 516ه. ويبدو أنه كان لهذا الوزير دور كبير في صد الغارات التي كان يشنها والي الحلة دبيس بن صدقة على بغداد، فلما تقرر الصلح بين هذا الوالي وبين الخليفة المسترشد بالله، اشترط دبيس على الخليفة أن يعزل وزيره ابن صدقة مقابل عودته إلى طاعة الخلافة فاستجاب له الخليفة، وعزل هذا الوزير ، ويذكر ابن طباطبا أن عزل جلال الدين بن صدقة، كان تحقيقاً لرغبة الوزير السلجوقي عثمان بن نظام الملك ، الذي كان يرغب في تولية أخيه أحمد الوزارة للخليفة المسترشد بالله، فولي أحمد بن نظام الملك وزارة الخليفة فعلاً بطلب من السلطان السلجوقي ووزيره ، ولم يكتف الوزير السلجوقي بذلك، بل طلب من الخليفة أن يخرج جلال الدين بن صدقة من بغداد حتى تخلو الوزارة لأخيه فلم يجد الخليفة بداً من إخراج وزيره المعزول من حاضره الخلافة . ولما عزل السلطان محمود وزيره عثمان بن نظام الملك في سنة 517ه، بادر الخليفة إلى عزل أخيه أحمد بن نظام الملك، وكتب إلى جلال الدين بن صدقة يستدعيه للعودة إلى الوزارة . قائلاً : أجب يا جلال الدين داعي التوفيق مع من حضر من الأصحاب لتعود في هذه الساعة إلى مستقر عزك مكرماً ، وهذا يدل على أن الخليفة المسترشد بالله كان مكرها على عزل ابن صدقة من وزارته في السنة السابقة ، وظل جلال الدين بن صدقة يلي وزارة الخليفة المسترشد بالله حتى توفي في سنة 552ه وقد قام بدور هام في مناهضة النفوذ السلجوقي في العراق، فقاد جيشاَ لمحاربة السلطان طغرل في سنة 519ه الذي قصد بغداد وأرغمه على العودة ، فلما تولى السلطان محمود السلطنة، حذره السلطان سنجر من الوزير ابن صدقة، ونصحه بالقبض عليه إذا أراد أن يستقر له الحكم ، ولما عزم السلطان سنجر على المسير إلى بغداد، وقف الوزير ابن صدقة في وجهه، وكتب إليه يمنعه من القدوم إليها، ويهدده بالحرب إن فعل ذلك . ولما مرض هذا الوزير سنة 522ه عاده الخليفة المسترشد بالله في بيته لما كان له من منزلة رفيعة لديه، وتوفي في نفس العام .
5-الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي :
أبو القاسم وكان نقيب النقباء في أيام الخليفة المستظهر بالله وهو أول هاشمي يلي الوزارة لخلفاء بني العباس ، كانت له مكانة مرموقة ومنزلة عظيمة، وهو من أصل له حسب ونسب عظيم ، وقد امتاز هذا الوزير بصفات حميدة جعلته يتصدر وظائف الدولة المهمة، فقد أمتاز بحسن تدبيره للأمور، داهية، شجاعاً،مهيباً ، فضلاً عن ذلك كان عالماً محب لأهل العلم يقرأ القرآن والحديث، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء، ويخلو بنفسه للعبادة ، وكان حنفي المذهب بارعاً به ، وقد كسب ود الخليفة العباسي المسترشد بالله، فتقرب منه، وبعد وفاة الوزير علي بن صدقة سنة522ه، ناب على بن طراد الوزارة من بعده ثم بعد مدة قصيرة ولاّه الخليفة المسترشد بالله الوزارة ، وعندما جلس الوزير في دست الوزارة قال له الخليفة المسترشد بالله : كل من ردت إليه الوزارة شرف بها إلا أنت فإن الوزارة شرفت بك ، وبعد مقتل الخليفة المسترشد السلجوقي بتولية الخلافة لأبي عبد الله بن المستظهر بالله، فبويع بالخلافة سنة 530ه وتلقب بالمقتفي لأمر الله استوزر شرف الدين بن طراد الزينبي، فتمتع بسلطة واسعة في وزارته حتى أن الخليفة كان لا يستطيع أن يبت في أمر من أمور الخلافة إلا بمشورته، وبلغ من نفوذه أنه عندما عين الخليفة بعض الموظفين والعمال سنة 534ه دون أخذ رأيه، استاء الوزير من ذلك، وانقطع عن العمل حتى صالحة الخليفة . ولما ازداد تدخل هذا الوزير في شؤون الخليفة لم يستطيع الخليفة عزله بل لجأ إلى السلطان السلجوقي مسعود يشكو له من تصرفاته، فأصدر السلطان أمراً بعزل الوزير الزينبي من الوزارة ، كان شرف الدين الزينبي فقيها بارعاً في مذهب الإمام أبي حنيفة، وكان يتمتع بمنزلة رفيعة لدى الناس . هذا فضلاً عما كان يتصف به من حلم وكرم مع معرفة واسعة بقوانين الوزارة ومتطلباتها ، بقي شرف الدين الزينبي بعد عزله ملازماً داره حتى توفي 538ه وكان عمره ست وسبعين سنة ، وقد نسب لهذا الوزير العباسي تعاونه مع الأتراك في عزل الراشد وعد هذا العامل مع عوامل أخرى دفعت بالخليفة العباسي المقتفي لأمر الله إلى عزله وبهذه المناسبة قال الخليفة المقتفي لأمر الله : إذا فعلوا هذا مع غيري فهم يفعلونه معي .
6-الوزير عون الدين بن هبيرة:
تدرج عون الدين يحي بن هبيرة في المناصب الإدارية ، حيث شغل أولاً منصب كاتب ديوان الزمام ببغداد عام 542ه، وفي سنة 544نال وزارة الخليفة المقتفي لأمر الله ، ونتيجة لمكانته المرموقة لدى الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله لقبه، عون الدين ، كما وزر للخليفة العباسي المستنجد بالله . وقد اشتهر الوزير يحي بن هبيرة بإطلاعه الواسع على علوم الفقه والحديث عالماً بأمور النحو، بليغاً في كتاباته . شجع العلم والمعرفة من خلال مساهمته ببناء المدرسة في باب البصرة عام 557ه، وعندما توفي الوزير ابن هبيرة دفن جثمانه في هذه المدرسة، ولشدة تمسكه بمبادئ الدين الإسلامي، فقد رفض لبس الحرير وكان عادلاً، يخصص جزء من وقته للنظر في المظالم ونصرة المظلوم . فضلاً عن ذلك فقد عرف عنه سداد الرأي وحسن التدبير ، وقد أورد المؤرخون عدة أسباب لتولي ابن هبيرة الوزارة، منها أن الخليفة أمر ابن هبيرة – وكان يتولى ديوان الزمام – أن يكتب للسلطان السلجوقي، فكتب ابن هبيرة رسالة طويلة للسلطان السلجوقي ذكر فيها ما عرف عن سلاطين السلاجقة من حسن الطاعة، والتأدب مع الخلفاء والحرص على الذب عنهم ممن يحاول النيل منهم، وأشار إلى شكوى الخليفة من الشحنة. فكان لرسالته أبلغ الأثر في نفس السلطان فكتب للخليفة يعتذر ويستنكر ما فعله الشُحنة، كما أوقف الشُحنة عند حده. فسر الخليفة من ابن هبيرة، وزاد تقديره له، فولاه وزارته ، ومن المرجح أن السبب في إسناد الوزارة إليه يرجع إلى مشورته على الخليفة المقتفي لأمر الله بألا يؤدي أي مبلغ من المال لمحمد شاه بن السلطان محمود، مقابل رفع حصاره عن بغداد، لأن هذا سيكون حافزاً للسلاجقة للمطالبة بالمزيد، وأشار بصرف المبلغ المطلوب، وقدره ثلاثين ألف دينار في إعداد جيش للخلافة من الترك والأكراد وأهل بغداد وأعمال العراق لصد قوات محمد شاه، فقبل الخليفة رأي ابن هبيرة، وفوضه في إعداد هذا الجيش، فلم تمض أيام قليلة حتى اجتمع عسكر كثير فخرج به ابن هبيرة لقتال محمد شاه وأصحابه، فهزمهم، فلما أيقن الخليفة بحسن رأي ابن هبيرة استدعاه وولاه الوزارة سنة 544ه وظل ابن هبيرة وزيراً للمقتفي لأمر الله، حتى توفي هذا الخليفة سنة 555ه وخلفه المستنجد بالله، فأقر ابن هبيرة في الوزارة ويذكر ابن كثير أن الخليفة المستنجد بالله، وعد ابن هبيرة بأن يظل محتفظاً بمنصبه حتى وفاته ، وقد قام الوزير بدور كبير في تخليص الخلافة العباسية مع النفوذ السلجوقي واستعادة سلطة الخلفاء العباسيين في الدولة، وقد استطاع بمساعدة الجيش الذي أعده تخليص العراق وجميع أعماله من سيطرة السلاجقة . ويصف المؤرخون ابن هبيرة بأنه كان عالماً فاضلاً، ذا رأي صائب، يقرب أهل العلم من الفقهاء والمحدثين والأدباء، ويبالغ في إكرامهم ، وكان ينفق عليهم وعلى الفقراء كل ما يدخل عليه من مال، حتى قيل أنه لم تجب عليه زكاة قط . وقد لاحظنا أن حركة النهوض التي قام بها نور الدين محمود ونجاحه في حرب الصليبيين من أسبابه خروج مؤسسة الخلافة والوزارة من الركود والضعف إلى النشاط والحيوية والقوة، ودعمها المعنوي والمادي لنشاطات نورالدين الجهادية وكذلك صلاح الدين، كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى : توفي الوزير ابن هبيرة 560ه، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، فحضر جنازته خلق كثير، وأغلق الأسواق، ودفن في المدرسة التي بناها بباب البصرة ، وأيد سنة وفاته ابن الجوزي حيث قال : عندما غسل الوزير بن هبيرة رأيت في وقت غسله آثاراً بوجهه وجسده تدل على أنه مسموم .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق