55
دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الثاني
نظام الوزارة العباسية في العهد السلجوقي
المبحث الرابع:العزل والمصادرة لوزراء بني العباس والسلاجقة:
رابعاً : المنافسة والمساومة على الوزارة السلجوقية :
ولي منصب الوزارة في العهد السلجوقي عدد كبير من الوزراء حظي بعضهم بشهرة واسعة، ومكانة رفيعة، وأسهم بعضهم في توسيع نفوذ السلاجقة ومن أولئك الوزراء عميد الملك الكندري ونظام الملك أبي علي الحسين الطوسي، وقد استطاع هؤلاء الوزراء أن يستمروا في مناصبهم مدة طويلة بفضل ما كانوا يتمتعون به من كفاية إدارية وعسكرية، بالإضافة إلى ثقافتهم العالية التي اكسبتهم احترام الناس وتقديرهم ، وقد حدث صراع عنيف وحاد بين تركان خاتون زوجة السلطان ملكشاه والوزير نظام الملك أبي علي الحسن بن إسحاق الطوسي حول تسمية ولي العهد، فنزكان خان ترغب في أن يكون ولدها محمود ولياً للعهد بينما كان هوى الوزير في بركيارق – لكونه أكبر إخوانه -، فاحتدم الصراع بينهما، وكانت الغلبة للخاتون التي تمكنت من تعيين تاج الملك أبو الغنائم بعد مقتل نظام الملك، فضلاً عن ذلك فقد أدت الوشيات إلى استفحال حدة المنافسة أخذ الواشون يطلقون الاتهامات الباطلة ضد خصومه لغرض عزله من منصبه ، ففي سنة 476ه وشي كل من أبو الرضا وابنه سيد الرؤساء أبو المحاسن كمال الملك اللذان كانا يشغلان منصب ديوان الرسائل والطغراء في عهد ملكشاه حيث، اتهموا الوزير نظام الملك بأخذ أموال الدولة لصالحه، فطالبوا من السلطان أن يسلمها إلى الوزير نظام الملك أبي علي الطوسي مقابل مبلغ قدره مليون دينارتدفع للسلطان، إلا أن الوزير علم بالوشاية فجمع الغلمان بسلاحهم وأرسل للسلطان يقول : فنيت عمري في خدمتك وخدمة أبيك وجدك ولي على هذه الدولة حق الخدمة لقد قال الوشاة إني أخذ عشر أموال الدولة، وهذا حق لكني انفقها على هؤلاء الغلمان الذين جلبتهم لخدمتك كما أتصدق ببعض المال وأهب بعضه، وأرصد جانباً منه وقفاً يعود ثوابه على السلطان، وإن أموالي وكل ممتلكاتي في يد مولاي السلطان، إن أرادها أخذها، وسأتخذ لنفسي موقفاً في زاوية، فأمر السلطان بالقبض على أبي المحاسن وسمل عيناه .
وتجدر الإشارة إلى أن معظم حالات المنافسة التي ظهرت بين الوزراء ورجال البلاط كانت تنتهي بمقتل الوزير، فقد حدث في سنة 517ه حيث بعث السلطان سنجر بطلب الوزير عثمان بن نظام الملك وزير السلطان محمود بن ملكشاه إلا أن المنافسين لهذا الوزير أوغر صدر السلطان لقتله، فقال أبو نصر المستوفي للسلطان قائلاً : متى بعث به حياً إلى عمك سنجر شاه لم تأمنه، أقتله وأبعث برأسه فبعث عنبر الخادم لقتله فقتله .
وقد حدث أن اصطدم الوزير كمال الدين محمد بن الحسين الخازن وزير السلطان مسعود بن محمد مع رجال البلاط حول تحديد مخصصاتهم وقطائعهم، مما أدى إلى زيادة حدة المنافسة بين رجال البلاط والوزير كمال الدين الخازن، مما دفع رجال البلاط إلى تحريض أمراء الولايات والمطالبة بخلع الوزير، ولذلك وقعت وحشة بين الوزير وأمراء الولايات وأخذوا يطالبون بعزله . فكاتبوا الآتابك قره سنقر قائلين : لقد ضقنا بظلم هذا الوزير وبئسنا من الحياة. فأرسل قره سنقر رسالة للسلطان قائلاً : إذا لم ترسل إلى رأى محمد الخازن ويده، ورجحت كفة ذلك الخائن علي فأني لن أذهب إلى المهمة التي كلفت بها، ومعاذ الله أن اتهم بالتمرد والعصيان .
وبذلك أذن السلطان بقتل الوزير ، وتعد المنافسة من أهم العوامل التي أدت بأي شكل من أشكالها إلى حدوث تنازعات بين الوزراء ورجال البلاط، وبين الوزراء والسلاطين، وبالتالي انعكست على الأسرة السلجوقية، فأصابها الانقسامات والضعف وبدأ الصراع واضحاً بين سلاطين السلاجقة، مما أدت إلى إضعاف الدولة السلجوقية وإنهيارها ، وقد لعبت المساومة دوراً بارزاً في إيصال بعض العناصر الهزيلة إلى دست الوزارة والتي عرف عنهم قلة كفاءتهم الإدارية وجهلهم بأمور الدولة لدرجة أنهم أصبحوا ألعوبة بيد رجال البلاط ، كما برزت المساومات واستفحلت لدرجة أن أمراء الولايات تخلصوا من منافسيهم من الوزراء، وساعدهم في ذلك حب السلطان للمال ، ففي سنة 523ه طلب الوزير كمال الدين أبو البركات الدركزيني من السلطان سنجر أن يتوسط له لدى السلطان محمود لنيل دست الوزارة مقابل تعهد الوزير كمال الدين الدركزيني بدفع مبلغاً من المال للسلطان محمود قدره (3000.000) دينار على سبيل الرشوة، فاستجاب السلطان محمود لذلك ، ولكن بالرغم من ذلك ظهرت حالات شاذة رفض فيها بعض سلاطين السلاجقة أسلوب المساومة لنيل دست الوزارة، ففي سنة 476ه، رفض السلطان ملكشاه مساومة أبو الرضا وابنه سيد الرؤساء أبو المحاسن كمال الملك اللذان يعملان في ديوان الرسائل والطغراء، فعملاً الاثنان على إرشاء السلطان بإعطاء الكثير من الأموال مقابل عزل وزيره حيث قال أبو المحاسن للسلطان : سلم إليّ نظام الملك أبي علي الحسن الطوسي وأصحابه، وأنا أسلم إليك منهم ألف ألف دينار ، إلا أن السلطان رفض تلك المساومة وألقي القبض على أبي المحاسن وسمل عيناه .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق