إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

35 دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي الفصل الأول السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم المبحث السادس:عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية: خامساً : الخليفة العباسي المستظهر بالله :


35

دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي

الفصل الأول

السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم

المبحث السادس:عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية:

خامساً : الخليفة العباسي المستظهر بالله :

هو الإمام أمير المؤمنين، أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الذّخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر الهاشمي العباسي البغدادي   استخلف عند وفاة أبيه في تاسع عشر المحّرم، وله ستَّ عشرة سنة وثلاثة أشهر، وذلك في سنة سبع وثمانين  . وأربعمائة، فكان أول من بايعه الوزير أبو منصور بن جهير، ثم أخذت البيعة له من الملك ركن الدولة بركيارق بن السلطان ملكشاه ثم من بقيَّة الأمراء والرُّؤساء وصلىَّ على الخليفة الأمراء والوزراء ، ومن العلماء حضر الغزالي والشاشيُّ وابن عقيل وبايعوه يوم ذلك، وقد كان المستظهر بالله كريم الأخلاق حافظاً للقرآن فصيحاً بليغاً شاعراً مُطبَّقا ومن لطيف شعره قوله :

أذاب حَرُّ الجوى في القلب ماحمدا
   
    يوماً مددت على رسم الوداع يدا
سس
فكيف أسْلُكُ نهج الإصطبار وقد
   
    أرى طرائق في مهوى الهوى قِددا

قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به
   
    من بعد ما قد وَفى وهراً بما وعدا

إن كنت أنقض عهدَ الحب في خلدي
   
    من بعد هذا فلا عاينته أبدا


وفوض المستظهر أمور الخلافة إلى وزيره أبي منصور عميد الدولة ابن جهير فدبّرها له أحسن تدبير، ومَهَّد الأمور أتّم تمهيد، وساس الرّعايا، وكان من خيار الوزراء وفي ثالث عشر من شعبان عزل الخليفة أبا بكر الشاشيّ عن القضاء وفوّضه إلى أبي الحسن بن الدامغانيَّ، وفيها وقعت فتنة بين السنة والروافض فأحرقت محال كثيرة وقتل ناس كثيرون، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
1-قيام المستظهر للتراويح واهتمامه بالقرآن الكريم : حكى أبو طالب بن عبد السميع عن أبيه أن المستظهر بالله طلب من يُصلي به، ويُلقَّن أولاده، وأن يكون ضريراً، فوقع اختياره على القاضي أبي الحسن المبارك بن محمد بن الدَّواس مقرئ واسط قبل القلانسي، فكان مكرماً له، حتى إنه من كثرة إعجابه به كان أول رمضان قد شرع في التراويح، فقرأ في الرَّكعتين الأوليين آية آية، فلما سلم، قال له المستظهر : زدنا من التلاوة، فتلا آيتين آيتين، فقال له : زدنا فلم يزل حتى كان يقوم كل ليلة بجزء، وإنه ليلة عطش، فناوله الخليفة الكُوز، فقال خادم : أدع لأمير المؤمنين، فإنه شرّفَكَ بمناولته إيَّاك  . وقال السَّلفي : قال لي أبو الخطاب ابن الجرَّاح : صليت بالمستظهر في رمضان، فقرأت " إن ابنَكَ سُرَّق "   (يوسف : 81)، رواية رويناها عن الكسائي، فلما سلمت قال: هذه قراءة حسنة فيه تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب  . قال الذهبي : قلت : كيف بقولهم " فأكله الذَّئب " " وجاءوا على قميصه بدم كذب  " وهذه لفتة جميلة من الذهبي تدل على سعة علمه وقدرته العقلية الكبيرة على النقد واستقامت موازينه العلمية.

2-من أقوال المستظهر :

قال أبو طالب بن عبد السميع : كان من ألفاظ المستظهر ك خير ذخائر.

-المرء لدنياه ذكر جميل، ولآخرته ثواب جزيل.
-شُحُّ المرء بفلسه من دناءة نفسه.
-الصبر على الشدائد ينتج الفوائد.
-أدب السائل أنفع من الوسائل.
-الصبر على الشدائد ينتج الفوائد.
-بضاعة العاقل لا تخسر وربحها يظهر في المحشر  .

3-موقف الإمام الغزالي من المستظهر :

إن خير كتاب يعطينا صورة لموقف الغزالي من الخليفة المستظهر هو كتابه فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية، والغزالي ألف هذا الكتاب بناء على طلب المستظهر نفسه حتى يرد به على عقيدة الباطنية  ، والباب التاسع من الكتاب خصصه الغزالي بأكمله لإقامة البراهين الشرعية على أن الإمام الحق القائم بالحق الواجب على الخلق طاعته هو الإمام المستظهر، كما بين بأنه يجب على كافة علماء الدهر الفتوى على البت والقطع بوجوب طاعته على الخلق ونفوذ أقضيته بمنهج الحق وصحة توليته للولاة وتقليده للقضاة وأنه خليفة الله على الخلق وأن طاعته على كافة الخلق فرض  ، وهذا الباب يمتد من الصفحة 169 إلى الصفحة 225، وهو من أوله إلى آخره دعوه لطاعة المستظهر وللالتفاف حول منصب الخلافة، وقد أورد صفات الإمام وواجباته السياسية والدينية  ، ونلاحظ إن الإمام الغزالي رمى بثقله الفكري والثقافي والعقائدي لدعم مشروعية الخلافة العباسية والخليفة المستظهر وذلك ليقينه من الخطر الباطني الذي يريد إسقاط المرجعية العباسية وتثبيت الشرعية الفاطمية الباطنية تحت شعار الإنتساب زوراً لأهل البيت فكراً ونسباً وعلم الغزالي أنه إذا تمّ هذه الأمر فإن في ذلك ضياع الدولة السنية، لذلك رمى بثقله للحفاظ على الشرعية السنية العباسية أمام المد الباطني.

4-علاقة المستظهر بالمرابطين :

كانت الخلافة الفاطمية في مصر والسلطنة السلجوقية في إيران في تنافس مستمر من أجل السيطرة على البلاد الإسلامية، ونفوذ المستظهر الديني مرتبط بامتداد حكم السلاجقة السنيين، أما في الشمال الأفريقي، فقد سيطر المرابطون، على مراكش وسواحل الأطلسي ثم على بلاد الأندلس بعد معركة الزلاقة سنة 479ه، وتمكن يوسف بن تاشفين من إقامة دولة قوية متشعبة الأطراف، هذه الدولة رفضت أن تعطي ولاءها للخليفة الفاطمي بالقاهرة بسبب اعتناقه المذهب الشيعي وهم سنيون حريصون على انتمائهم للخلافة العباسية وهذه محمدة كبيرة تحسب للمرابطين وتفيدنا درساً مهم وهو أن الأخوة في الدين والعقيدة الإسلامية والسعي لإيجاد علاقات حممية فيها تعاون على البر والتقوى، وحرصاً على وحدة الأمة وخصوصاً في وقتنا الحاضر ، لذلك أراد يوسف بن تاشفين أن يتقرب من الخليفة العباسي، ويأخذ منه البيعة كي يتصف حكمه بالصفة الشرعية، وحتى تصبح طاعته على الكافة واجبة، وهذا الرأي أشار به فقهاء المغرب  ، وقبل أن يبادر أمير المرابطين إلى الاتصال بالمستظهر نفذ في بلاده عدة خطوات؛ فقد نقش المرابطون اسم الخليفة العباسي على السكة وكانت نقودهم تحمل " عبد الله " ويقصد به الخليفة العباسي حتى لا تتغير السكة بتغير الخلفاء العباسيين ويدل على ذلك الرسالة التي بعث بها علي بن يوسف بن تاشفين إلى المستظهر ذاكراً لفظة " عبد الله " مع أن اسم الخليفة " أحمد " وبعد أن اتسعت دولة المرابطين رأى زعماؤها أن يتخذ أميرهم يوسف بن تاشفين لقب " أمير المؤمنين " ، ولكنه رفض هذا الاقتراح تقرباً إلى خلفاء بني العباس، واحتراماً لهم وقال : حاشا لله أن نتسمى بهذا الاسم، وإنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة وأنا رجلهم والقائم بدعوتهم  .

ثم اتخذ المرابطون السواد شعار العباسين شعاراً لهم في ملابسهم وراياتهم، وخطبوا للخليفة العباسي على منابر بلداهم   وبعد ذلك أرسل يوسف بن تاشفين، بعثة إلى المستظهر سنة 498ه تحمل إليه البيعة والهدايا وكتاباً يذكر فيه البلاد التي فتحها وحروبه مع الفرنج، ثم طلبت البعثة من الخليفة أن يعضد ليوسف بن تاشفين على المغرب والأندلس وما يفتحه بالمستقبل بسيف أمير المؤمنين، فأجابه المستظهر لما أراد ولقبه " بأمير المسلمين وناصر الدين " وسير معه الخلع واللواء، وكتب له عهداً بذلك، كما أن الإمام الغزالي والقاضي الطرطوشي، أرسلا إليه خطاباً يحثانه على خدمة الإسلام ويفتيانه في ملوك الطوائف ، وبعد وفاة يوسف بن تاشقين سنة 500ه، ملك ابنه علي بن يوسف بن تاشفين الذي واصل سياسة والده في موالاة الخليفة العباسي ومناصرة الشريعة الإسلامية وفي سنة 512ه أرسل إليه المستظهر مرسوماً، جواباً عن رسالة سابقة يطلب فيها عهداً من المستظهر وتبدأ الرسالة بحمد الله وشكره والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي حمل الدعوة الإسلامية، فأنفذ الأمة من الضلال وأنار القلوب وأعز الدين، ثم الصلاة على العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته، ثم يذكر مواهب الله على أمير المسلمين يحكم بالعدل ويحرص على مصلحة الرعية ويرد عنها نوائب الأيام، ثم يدعو بالنصر والظفر لجيوشه على أعدائهم، يوافقه على جهاد الكفرة والتوسع في البلاد المحاذية لمملكته، ثم يأمره أن يتخذ القرآن والسنة ويتمسك بالتقوى وأن يثابر على الجهاد ضد الأعداء، وأن يدعو لأمير المؤمنين على منابر دولته يكن ظاهراً وظافراً ثم يختمها بالسلام عليه وعلى أهل الطاعة  ، وبقيت دعوة بني العباس قائمة في المغرب حتى انقطعت دولة المرابطين .

5-موقف المستظهر من الحملات الصليبية :

 واجهت الخلافة العباسية في عهد المستظهر خطرين داهمين الخطر الأول : جاء من الشرق على يد الحركة الباطنية التي صممت على مناهضة الخلافة العباسية عسكرياً وفكرياً.

والخطر الثاني جاء من الغرب وقد أحدثته الحركة الصليبية التي استهدفت احتلال الشرق وتخليص بيت المقدس من أيدي المسلمين حدثت الحروب الصليبية في وقت كان فيه المشرق الإسلامي يعاني من شر الانقسامات السياسية والمذهبية، فالسلطانة السلجوقية تتصارع مع الخلافة الفاطمية المصرية، وكانت بلاد الشام مسرحاً أساسياً لسباق السيطرة بين الطرفين، وأما على صعيد الدولة السلجوقية الذاتي فالأمر كان أدهى وأمر، فقد غرق سلاطين الدولة السلجوقية بعد وفاة ملكشاه في حروب مدمرة حول عرش السلطنة وهذه الحروب أتت على الأخضر واليابس، مما ترك المجال واسعاً أمام أعداء السلطنة في الداخل والخارج، وكانت فرصة مناسبة للصليبيين الذين سيطروا على سواحل بلاد الشام بدون مقاومة تذكر ، هذا التفكك الذي أصاب الدولة السلجوقية كان من أكبر عوامل نجاح الحملات الصليبية  ، وسيأتي الحديث عن الحروب الصليبية في محله بإذن الله تعالى.

6-صراع سلاطين السلاجقة وموقف المستظهر منهم :

رغم العلاقة الحسنة التي كانت قائمة بين المستظهر وسلاطين السلاجقة فإنه لم يتمكن من تحقيق أي نوع من الاستقلال ولو في إدارة شؤون مدينة بغداد الداخلية، كما أنه وقف متفرجاً أمام النزاعات العنيفة التي عصفت بوحدة البيت السلجوقي ولم ينتهز الفرصة السانحة كي يحقق لنفسه شيئاً من القوة والسيادة، إلا أن هيبته قويت في عهد السلطان محمد بن ملكشاه  ،  واغتنم المستظهر فرصة الصفا والاحترام القائمة بينه وبين السلطان محمد فأراد أن يوثق صلته أكثر فأكثر بالبيت السلجوقي، فأرسل سنة 502ه إلى السلطان يطلب أخته تركان خاتون الثانية بنت ملكشاه كزوجه له، فاستقبل طلبه بالترحاب وتحولت العلاقة بين السلطان محمد والخليفة إلى نوع من المحبة والمودة انعكست آثارها علي حياة الناس ببغداد، رفاهية ورخاء وازدهاراً  .

7-وفاة المستظهر : عام 512ه :

كان المستظهر موصفاً بالسخاء والجود ومحبة العلماء وأهل الدين، والتفقد للمساكين، مع الفضل والنبل والبلاغة، وعلوَّ الهمّة، وحسن السيرة، وكان رضيَّ الأفعال، سديد الأقوال  ، كان راغباً في البر والخيرات مسارعاً إلى ذلك، لا يردُّ سائلاً، وكان جميل المعاشرة لا يُصغى إلى أقوال الوشاه في الناس ولا يثق بالمباشرين، قد ضبط أمور الخلافة جيداً، وأحكمها وعرفها وعلمها، ولديه علم كثير وفضل كثير وفضل كبير وتوفي عام 512ه وقد ولي غسله الإمام ابن عقيل وابن السُّنَّي وصلى عليه ولده أبو منصور الفضل، وكبر أربعاً، ودفن في حجرة كان يسكنها، والعجب أنّه لما مات السلطان ألب أرسلان مات بعده الخليفة القائم بأمر الله، ثم لما مات السلطان ملكشاه مات بعده الخليفة المقتدي بأمر الله، ثم لما مات السلطان محمود مات بعده الخليفة المستظهر بالله، رحمهم الله وكانت وفاة المستظهر بالله سادس عشر ربيع الآخر من هذه السنة، وله من العمر إحدى وأربعون سنة، وثلاثة أشهر عشر يوماً  .



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق