36
دولة السلاجقةوبروز مشروع إسلامي لمقاومةالتغلغل الباطني والغزو الصليبي
الفصل الأول
السلاجقة ، أصولهم وسلاطينهم
المبحث السادس:عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية:
سادساً : سنجر والسلطنة السلجوقية :
بعد وفاة السلطان محمد بن ملكشاه عام 511ه بدأت المنازعات من جديد حول عرش السلطنة مما أحدث انقساماً كبيراً بين السلاجقة ويرجع السبب في هذه المنازعات إلى أن السلطان محمد قبيل وفاته أمر بإسناد السلطنة إلى ابنه محمود، الذي ارتقى عرش السلطنة بعد وفاة أبيه، وكان حينئذ في الرابعة عشرة من عمره، ووافق الخليفة العباسي المستظهر بالله " 487 – 512ه " على إقامة الخطبة للسلطان محمود ببغداد في يوم الجمعة الموافق الثالث والعشرين من محرم سنة 512ه ، ولكن عمه سنجر لم يرضى عن تولي ابن أخيه عرش السلطنة لئنه يعتبر نفسه أحق منه بالسلطنة بعد وفاة أخيه محمد، فأعلن نفسه سلطاناً على السلاجقة فغير لقبه عن ناصر الدين إلى لقب معز الدين وهو لقب أبيه ملكشاه وأدى ذلك إلى إنقسام الدول السلجوقية .واندلاع القتال بين سنجر وابن أخيه، وقد التقى محمود بعمه سنجر بالقرب من مدينة ساوة سنة 513ه، واستعان سنجر في هذه المعركة بفرقة من الفيلة كانت السبب في انتصاره، على أن الصلح لم يلبث أن تم بين الفريقين وسار محمود إلى عمه سنجر فأكرمه وصفح عنه وسامحه عما بدر منه، وعامله معاملة حسنة وقبل شفاعته في آخرين واستقر الرأي على أن يبقى محمود بن محمد شهراً في خدمة عمه السلطان سنجر بالري وألا يدق له البوق ، في حالة ركوبه أو نزوله، وأن يسير مترجلاً في ركاب عمه، وأن يترك كل ما يتعلق بشعائر السلطنة ورسومها وأطاع محمود عمه السلطان سنجر ونفذ ما استقر عليه الرأي بينهما، فقرر السلطان سنجر اختياره ولياً لعهده ونائباً عنه في العراق سنة 513ه، وسمح السلطان سنجر له بأن يلقب بلقب سلطان؛ وبتلك يعتبر أول من جلس على عرش سلطنة السلاجقة بالعراق هو السلطان محمود ابن محمد، وأصبح سلطان العراق من الناحية الرسمية خاضعاً وتابعاً لسلطنة السلطان الأعظم سنجر في خراسان، بمعنى أن سلطنة العراق في عهد السلطان سنجر لا تكون إلا لمن أرتضاه وأقره سنجر وكان سلاطين العراق يخضعون للسلطان سنجر ويذكرون اسمه في الخطبة قبل أسمائهم، وقد اعترف الخليفة العباسي المسترشط بالله بمحمود بن محمد سلطاناً على سلاجقة العراق رغم صغر سنة ، وفي سنة 514ه خطب للسلطان سنجر وابن أخيه السلطان محمود معاً ، وبذلك أصبح هناك سلطانان في آن واحد إلا أن محمود كان يحكم بأمر من السلطان سنجر ومن ثم فهو خاضع له خضوعاً كاملاً في جميع أمور السلطنة، وقد أعاد السلطان سنجر لابن أخيه محمود بن محمد جميع البلاد التي كانت تحت سلطانه وحوزته ما عدا الري التي كان يراقب منها السلطان سنجر أعمال محمود خشية أن يخرج عليه ويعصيه مرة أخرى، وفي واقع الأمر فإن سلطان محمود الفعلي كان قاصرا على العراقين العربي والعجمي، وظل يحكم أربعة عشرة عاماً حاصلاً لقب سلطاناً حتى توفي عام 525ه قال عنه ابن كثير : كان من خيار الملوك وكان فيه حلم وأناة وبر وصلابة وجلسوا لعزائه ثلاثة أيام، سامحه الله .
1-بسط نفوذه سنجر على بقية أقاليم الدولة السلجوقية :
وافق الخليفة العباسي المسترشد بالله في سنة 513ه بتنصيب سنجر سلطاناً أعظم للسلاجقة وإقامة الخطبة باسمه بعد الخليفة في كافة أقاليم الدولة السلجوقية ، وبناء على ذلك اتسع نفوذه وسلطانه وشمل بالإضافة إلى خراسان أكثر أقاليم إيران والعراق هذا وقد أكرم سنجر – بعد أن أصبح سلطاناً أعظم للدولة السلجوقية، أبناء أخيه محمد فوزع عليهم حكم مدن وأقاليم إيران والعراق، واستطاع السلطان سنجر أن يعيد بسط نفوذه وسلطانه على أراضي ما وراء النهر بعد العملية الناجحة التي خاضها ضد محمد خان، ويعتبر السلطان سنجر من السلاطين السلاجقة الذي أبدى اهتماماً خاصاً بمجريات الأمور في بلاد ما وراء النهر، فكان يضطر دائماً للذهاب إلى أقاليم ما وراء النهر للتأكد من استقرار سلطنته على هذه الأقاليم ، واستطاع أن يخضع حركات التمرد في دولته وأمر السلطان سنجر بجمع الضرائب من مدن العراق وجميع البلاد التي بسط نفوذه عليها وأصبح يلقب : بالسلطان الأعظم " سلطان جميع الممالك السلجوقية وامتد نفوذه إلى سائر البلاد حتى يقال إن الخطبة له وصلت إلى كاشغر، وأقصى بلاد اليمن ومكة والطائف ومكران وأذربيجان وغزنة وسمرقند، وخراسان وطبرستان، وكرمان، وسجستان،وأصفهان، وهمذان، والري، وآرنيه، وآرمينية، وبغداد والعراقين، والموصل، وديار بكر، وديار ربيعة ، والشام والحرمين، كما كانت تضرب له السكة في هذه الأقاليم جميعها، وأصبحت جميع هذه البلدان تخضع لنفوذ السلطان سنجر آخر السلاجقة العظام لأنه استطاع أن يعيد للدولة السلجوقية هيبتها ووحدتها، وأن يجعل كل أجزائها خاضعة لأمر سلطان واحد، وأعاد بذلك عصر السلاجقة العظام .
2-النزاع بين محمود ومسعود ابنا محمد بن ملكشاه :
كثرة النزاعات وظهرت الفتن بين سلاطين السلاجقة في العراق أبناء السلطان محمود ملكشاه، وكذلك فيما بينهم وبين الخلفاء العباسيين، وكان للسلطان سنجر دور كبير في التدخل في تلك النزاعات وإخماد الفتن وقمعها والقضاء عليها لإقرار الأوضاع واستتباب الأمن في أجزاء الدولة السلجوقية ، فبعد أن تولى السلطان محمود أمر السلطنة جعل أخاه مسعود على الموصل مع أتابكه جيوش بك، وفي سنة 514ه دب النزاع بين الأخوين وخرج مسعود عن طاعة السلطان محمود، وكان سبب ذلك أن دبيس بن صدقة صاحب الحلة، كاتب جيوش بك أتابك مسعود وأغراه بالعصيان على السلطان محمود، ووعده بطلب السلطنة لمسعود وشرع جيوش بك في جمع العسكر وبلغ ذلك الخبر للسلطان محمود فأرسل إليه وإلى أخيه مسعود ووعدهما الإحسان والصفح أن عادا إلى طاعته ويتهددهما أن أصرا على معصيته ولم يستجيبا للسلطان محمود وواصلا عصيانهما له. وسار كل من جيوش بك ومسعود نحو السلطان مسعود والتقى الجمعان عند أسد أباد وسير محمود إلى السلطان سنجر القاضي أبو سعد الهروي، يفيده ويخبره بما استجد على الساحة من النزاع بينه وبين أخيه مسعود وقد أسفر اللقاء عن هزيمة جيش مسعود وجيوش بك، وأسر أبو إسماعيل الحسين بن علي الطغرائي ، وزير مسعود الذي قتله السلطان محمود، ثم أرسل مسعود إلى أخيه السلطان محمود يطلب منه الأمان والصفح، وجاء إليه وتعانقا وتصافا، وأرسل السلطان محمود إلى السلطان سنجر يخبر بما فعل مع أخيه مسعود، فما كان من السلطان سنجر ألا أن سعد بتصافى الأخوين وإنهاء الخلاف والنزاع بينهما .
3-البداية الفعلية للنزاع بين الخلافة العباسية والدولة السلجوقية :
في سنة 519ه كانت البداية الفعلية للنزاع بين الخلافة العباسية والدولة السلجوقية، عندما لجأ دبيس بن صدقة إلى طغرل بن محمد حيث حسن له الاستيلاء على العراق وطلب السلطنة، فاستجاب طغرل لإغراء دبيس له فسار الاثنان على رأس جيش كبير إلى بغداد لقتال الخليفة المسترشد بالله والسلطان محمود بن محمد، وكان سبب مسيرة دبيس بن صدقة لحرب الخليفة ما بينهما من نزاع وخلاف، بينما كان هدف طغرل هو انتزاع لقب السلطان من أخيه محمود بن محمد، وحينما بلغ الخليفة بأن طغرل ودبيس بن صدقة أعدا جيشاً لقتاله، أعد هو الآخر جيشاً وخرج لصدهما إلا أن طغرل مرض فجأة ومن ثم لم يشترك في الحرب ضد الخليفة المسترشد بالله، وتقابل جيش الخليفة مع جيش دبيس بن صدقة، إلا ان دبيساً طلب العفو من الخليفة وقبل الأرض بين يدي الخليفة، مما جعل الخليفة يصفح عنه .
4-اضطراب الأحوال بين الخليفة العباسي المسترشد بالله والسلطان محمود،وكان سبب هذا الاضطراب بنيهما أن الخليفة هدد الشحنة ، فاضطر إلى مغادرة بغداد خوفاً من أن يصيبه أذى فلحق بالسلطان محمود الذي أغراه بالخليفة في رجب سنة 540ه وحذره من الخليفة وأخبره أنه يعد العدة ضده ليمنعه من دخول بغداد، فلما علم الخليفة بذلك أرسل إليه يطلب منه تأجيل خروجه إلى حين إصلاح البلاد على أثر ما سببه دبيس وجيشه من فساد وكثرة الغلاء، ثم استعد الخليفة لإرسال المال على شرط أن يتأخر في القدوم إلى بغداد، فما كان جواب السلطان إلا ان نفذ ما قرره له الزكوى، وصمم العزم على التوجه إلى بغداد، ونزل بباب الشماسية ، فلما بلغ الخبر الخليفة العباسي المسترشد بالله عبر مع أهله إلى الجانب الغربي راحلاً من بغداد فغضب السلطان لقوله وتوجه إلى بغداد وبقي الخليفة بالجانب الغربي، وكان لخطبته في عيد الأضحى أثر كبير في نفوس الناس طبع عليهم طابع الحزن مما هم فيه، ويبدو أن خطبة الخليفة أو عزت إليهم بالاستعداد لدخول الحرب مع السلطان محمود .
5-القتال بين عماد الدين زنكي وأحد خواص الخليفة :
أرسل الخليفة المسترشد عفيفاً الخادم، أحد خواصه إلى واسط ليمنع عنها نواب السلطان، فوصلها ونزل بالجانب الغربي وكان عماد الدين زنكي بن آقسنقر ، بالجانب الشرقي، فأرسل عماد الدين زنكي إلى عفيف يطلب منه الرحيل فرفض، فعبر إليه عماد الدين وحدث القتال وانهزم عسكر عفيف وقتل منهم عدد كبير بالإضافة إلى الأسرى، وقد نجا عفيف من القتل ودخل جماعة من عسكر السلطان محمود في دار الخلافة في أول محرم سنة 521ه ونهبوا التاج وحجر الخليفة، وخرج عليهم عسكر الخليفة العباسي المسترشد بالله من مخابئهم وهم منشغلون بالنهب، ونالوا من عسكر السلطان محمود وأسروا جماعة من الأمراء وقتل آخرون في الطريق ، ثم عبر الخليفة إلى الجانب الشرقي ومعه ثلاثون ألف مقاتل، وخوفاً من تسلل جيش السلطان محمود إلى بغداد أمر الخليفة الجند بحفر خندق بغداد فسارعوا بتنفيذ ذلك ليلاً، وعندما وصل جيش السلطان صعب عليه دخول بغداد مما أدى إلى حدوث قتال بين الجيشين، وكاد جيش الخليفة أن ينتصر لولا أن غدر بهم الأمير أبو الهيجاء الكردي صاحب أربل وانضم إلى جيش السلطان، ولعل الذي دفعه إلى هذا اعتقاده بكثرة جيش السلطان محمود وخاصة بعد وصول الإمدادات العسكرية البرية والبحرية برفقة عماد الدين زنكي، هذا الموقف جعل الخليفة يفكر جدياً في الأمر وخاصة بعد أن أرسل السلطان رسلا بعرض الصلح عليه، وكان السلطان يهدف من وراء ذلك رضاء الخليفة لما يتمتع به من مكانة دينية عند الناس وتفانهيم في سبيله، وترددت الرسل بينهما ثم تّم الصلح بينهما في العاشر مع ربيع الآخر من نفس السنة، وعفا السلطان محمود عن أهل بغداد وأهداه الخليفة المسترشد بالله مالاً وخيلا وسلاحاً، ونظراً للمواقف السامية التي وقفها عماد الدين زنكى مع السلطان محمود، قام السلطان بالتشاور مع رجال دولته بإضافة ولاية العراق إليه، فلقى تأييداً منهم على ذلك ، ثم رحل السلطان محمود إلى همذان .
6-حكمة السلطان سنجر في التعامل مع محمود ابن أخيه :
أثار دبيس بن صدقة السلطان سنجر على كل من الخليفة العباسي المسترشد بالله والسلطان محمود وأخبره بأنهما اتفقا على ابعاده وأن السلطان محمود خرج عن طاعته، مما أثار نفس سنجر عليه وهنا يتضح مدى الحقد في نفس دبيس على الخليفة وهذا يرجع إلى سوء علاقته بالخليفة، وقد استطاع أن يؤثر على السلطان سنجر مما دفعه إلى أن سير جيشاً إلى العراق سنة 522ه ، ولما وصل إلى الري أرسل في طلب السلطان محمود، وهنا يأتي دور الحنكة السياسية القوية التي تربطه بالسلطان محمود، حيث أنه ابن أخيه وزوج ابنته وكذلك تأثير والدة سنجر ( جدة محمود ) عليه، كل هذا جعله يستدعي السلطان محمود من همذان كي يتثبت مما أخبره به دبيس بن صدقة وتأكد سنجر أن السلطان محمود ما زال على طاعته وأجلسه معه على التخت وأقام محمود عند السلطان سنجر حتى آخر هذه السنة ومن هذه الحادثة أو القصة يتضح لنا دور المفسدين وأصحاب الأغراض الخبيثة في التفريق بين أمراء المسلمين، فلا بد من الحذر من تقريب أمثال هذه النوعيات المفسدة وإبعادها عن أصحاب القرار والسعي لتقريب المصلحين من أصحاب الكفآت العالية لتتم الاستفادة الحقيقية من دروس التاريخ، وبعد ذلك عاد سنجر إلى خراسان وأوصى محموداً بإعادة دبيس إلى بلده وأن يسأل الخليفة الصفح عنه، محرم سنة 523ه، وأعاد دبيساً إلى بلده واسترضى الخليفة فرضى عنه وطلب منه الصفح فصفح عنه ، مقابل بذل مائة ألف دينار نظراً لرغبة السلطان محمود في انتقال ولاية الموصل من عماد الدين زنكي إلى دبيس بن صدقة تقديراً لاهتمام عمه سنجر به ، إلا أن عماد الدين زنكي أقنع السلطان محمود بأهميته في ولاية الموصل.
7-السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي :
استمر النزاع بين أبناء البيت السلجوقي بعد وفاة السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه عام 525ه، فقد انقسم السلاجقة أنفسهم إلى معسكرات ثلاث لكل أطماعه الخاصة في السلطنة، ولكل مؤيدوه من القواد والجند؛ معسكر على رأسه داود بن السلطان محمود الذي نودي به سلطاناً عقب وفاة أبيه، ومعسكر على رأسه كل من مسعود وسلجوقشاه شقيقي السلطان المتوفى، ومع أن هذين الأخوين كانا متفقين على مبدأ عزل ابن أخيهما داود، إلا أنهما كانا مختلفين فيما بينهما، إذ كل منهما يعمل على أن تكون السلطة لنفسه بعد إسقاط عدوهما المشترك ولذا دارت بين الفريقين حروب طويلة، واستعان مسعود في هذا النزاع بعماد الدين زنكي الذي كان قد استطاع أن يوطد سلطانه في شمال العراق وسوريا في ذلك الوقت، واستمرت الحرب سجالاً بين الأخوين المتحاربين إلى أن اضطرا إلى عقد الصلح بعد أن تدخل الخليفة المسترشد العباسي بينهما، واتفق الطرفان على أن تكون السلطنة لمسعود، وأن تئول إلى سلجوقشاه من بعده ويرجع السبب في نجاح مسعى الخليفة في هذا الصلح إلى ظهور العدو المشترك، وهو سنجر بن ملكشاه وأما المعسكر الثالث فكان يتكون من طغرل بن السلطان محمود، يناصره عمه سنجر، وقد استطاع سنجر أن يجمع من إقليم خراسان عدداً كبيراً من الجند هزم به مسعوداً وأنصاره عند مدينة همذان، وناد بالسلطنة لابن أخيه طغرل .
ولم يكن من المعقول أن يرضى المعسكران الآخران عن تولية طغرل السلطنة؛ لذا تضاربت مصالح البيت السلجوقي وتعقدت، فنشبت الحروب بين هذه القوى الثلاث، وأدى ذلك كله إلى اضطراب الشرق الإسلامي في ذلك الوقت وقد انتهت أدوار النزاع بين أفراد السلاجقة بجلوس السلطان مسعود على عرش السلطنة 528ه قال ابن خلكان عن السلطان مسعود : كان عادلاً ليناً، كبير النفس، فرق مملكته على أصحابه وما ناوأه أحد إلا وظفر به، وقتل خلقاً من كبار الأمراء... وأقبل مسعود على اللّذات والبطالة، وحدث له علَّةُ الغثيان مدة، وجرت بينه وبين عمه سنجر منازعة ثم تصالحا . كان كثير المزاح، حسن الخلق كريماً، عفيفاً عن أموال الرعية، من أحسن السلاطين سيرة والينهم عريكة . قال عنه الذهبي : أبطل مكوساً ومظالم كثيرة، وعدل، واتسع ملكه، وكان يميل إلى العلماء والصالحين، ويتواضع لهم . ويستجيب للوعظ ففي يوم الجمعة المنتصف من ذي القعدة جلس ابن العبَّادي الواعظ، فتكلم والسلطان مسعود حاضر وكان قد وضع على الناس مكساً في البيع فاحشاً فقال في جملة وعظه : يا سلطان العالم، أنت تطلق في بعض الأحيان للمُغنيَّ إذا طربت قريباً ممَّا وضعت على المسلمين من هذا المَكْس فهبني مغنياً وقد طربت فهب لي هذا المكس شكراً لنعم الله عليك وأسقطه عن الناس، فأشار السلطان بيده أن قد فعلت فضّج الناس بالدُّعاء له، وكتب بذلك سجَّلات، ونودي في البلد بإسقاط ذلك المكس، ففرح الناس بذلك . كان السلطان مسعود بطلاً شجاعاً، ذا رأي وشهامة، تليق به السلطنة مات في جمادي الآخرة سنة سبع وأربعين وخمس مائة. قال عنه ابن كثير : .. حصل له من التمكن والسعادة شيء كثير لم يحصل لغيره وجرت له خطوب كثيرة وحروب طويلة .
8-وفاة السلطان مسعود عام 547ه :
توفي السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه بهمذان عام 547ه وعهد إلى ابن أخيه ملكشاه بهمذان عام 547ه وعهد إلى ابن أخيه ملكشاه بن السلطان محمود بن محمد، وخطب له ببلاد الجبل، وكان الغالب على البلاد والعساكر أيام السلطان مسعود خاصبك بن بلنكري، فقام بأمر ملكشاه، ولم يمهله، غير قليل حتى قبض عليه، وكتب إلى أخيه الملك محمد بن محمود، وهو بخُوزستان، يستدعيه إليه ليخطب له بالسلطنة، وكان غرض خاصبك أن يقبض عليه أيضاً فيخلو وجهه من منازع من السلجوقية وحينئذ يطلب السَّلطنة لنفسه، فلما كاتب محمداً أجابه على الحضور عنده، وسار إليه وهو بهمذان، واجتمع به وخدمه خدمة عظيمة، فلما كان الغد دخل عليه خاصبك فقتله محمد، وألقى رأسه إلى أصحابه، فتفَّرقوا، واستقَّر محمد وثبتت قدمه، واستولى على بلاد الجبل جميعها، وكان قتل خاصبك سنة ثمان وأربعين وبقي مطروحاً حتى أكلته الكلاب وذكر الوزير يحي بن هُبيرة في كتاب " الإفصاح " أنه لما تطاول على الخليفة المقتفي أصحاب مسعود وأساؤوا الأدب، ولم يمكن المجاهرة بالمحاربة، اتَّفق الرَّأي على الدُّعاء على مسعود بن محمد شهراً، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رعْل وذكوان . قبيلتان من بني سُليَم، أجابتا عامر بن الطفيل إلى قتل القراء الدعاة الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد سنة 4ه قتلى بئر معونة . واستمر الوزير يحي بن هبيرة والخليفة المقتفي في الدعاء شهراً، فابتدأ هو والخليفة سِراً، كل واحد في موضعه يدعو شهراً، من ليلة تسع وعشرين من جُمادى الأولى سبع وأربعين وخمس مئة واستمر الأمر على ذلك كلَّ ليلة، فلما كان ليلة تسع وعشرين من جمادي الآخرة كان موت مسعود على سريره، لم يزد عن الشهر يوماً ولا نقص يوماً.. فأزال الله يده ويد أتباعه عن العراق، وأوورثنا أرضهم وديارهم، فتبارك الله رب العالمين، مجيب دعوة الدّاعين. قال : وكان الشيخ محمد بن يحي يقول : لا أدّل على وجود موجود أعظم من أن يُدعى فيجيب .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق