218
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :
رابعاً : أهم الدروس والعبر والفوائد :
12- التشابه في الأساليب بين الغزو الصليبي والاحتلال الصهيوني :
أقام الفرنجة إماراتهم في المناطق التي احتلّوها بالقوة العسكرية في بلاد الشام وإمارة الرها في أعالي الفرات، وقاموا بتوسيع إماراتهم على حساب الإمارات الإسلامية المجاورة بفعل العسكرية، وكذلك فعل اليهود الصهاينة، فقد فيأت لهم شريكتهم بريطانيا الظروف المناسبة في فلسطين لبناء قوتهم العسكرية التي مكنتهم من احتلال الأرض وتأسيس دولتهم عام 1948م، ثم استمروا ببناء قوتهم العسكرية المتفوقة حتى تمكنوا من توسيع رقعة دولتهم على حساب الدول العربية المجاورة عام 1967م، ولا يزالون حتى الوقت الحاضر حريصين على تحقيق التفوق العسكري في المنطقة لأنهم يعلمون علم اليقين أن تغيير موازين القوى لصالح الدول العربية يعني زوال دولتهم من الوجود، تماماً كما حصل مع الفرنجة الذين قامت إمارتهم بفعل القوة العسكرية، فلما تّغيرت موازين القوة لصالح المسلمين زالت إماراتهم من الوجود ولذلك تبذل إسرائيل كل جهودها وتسعى الصهيونية العالمية بكل طاقاتها من خلال نفوذها في الدول العظمى، لحرمان الدولة الإسلامية من امتلاك الأسلحة المتطورة أو بناء قوة عسكرية متفوقة يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل فإذا ما ظهرت قوة إسلامية يمكن أن تشكل خطراً عليها بادرت إسرائيل بشن الحرب لتدمير هذه القوة قبل اكتمال بنائها حصل ذلك في حرب عام 1956م وفي حرب 1967م، وفي قصف المفاعل النووي العراقي ( ) عام 1981م وإذا لم تستطع تدمير هذه القوة العربية بنفسها سخرت القوى العظمى لتحقيق ذلك، كما حصل في حرب الخليج بداية التسعينات عندما شجعت الصهيونية العالمية الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأخرى على شن الحرب ضد العراق وتدمير قّوته العسكرية المتنامية التي كانت في نظرهم تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل ( ) ، ويحتل مبدأ استخدام القوة العكسرية المتفوقة المقام الأول في الاستراتيجية الوطنية الإسرائيلية، وضع هذا المبدأ أحد روّاد الحركة الصهيونية المشهورين، اسمه آشر غتربرغ وأطلق على فكرته التي تحولت مع الوقت إلى عقيدة راسخة في الذهنية الصهيونية اسم (التجمع والاقتحام)، ويقول بأنه استلهمها من تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام وانقضاء فترة التيه في صحراء سيناء، فقد تشبعوا بروح الاقتحام والفتك التي مكنتهم من احتلال فلسطين ( ) . وكان جابوتنسكي أول من طبق عقيدة التجمع والاقتحام في فلسطين عام 1920م باستخدامه الأسلحة النارية في أول صدام بين العرب واليهود في القدس وهو أول من دعا إلى تشكيل المنظمات الإرهابية اليهودية التي أرتكبت أبشع المجازر بحق العرب في القرى والمدن الفلسطينية ثم تحولت تلك المنظمات بعد قيام الدولة اليهودية عام 1948م إلى الجيش الإسرائيلي : يقول مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي كان عضواً في عصابة أرغون الإرهابية وتلميذاً لجابوتنسكي : إن المبدأ الرئيسي لكل إسرائيل يجب أن يكون : أنا أحارب فأنا موجود ( ) . ويقول ديفيد بن غوربون أول رئيس وزراء لإسرائيل : سوف نواجه العرب بالقوة، إن النتيجة الوحيدة المتوقعة لهذا الصراع هي النتيجة التي تفرضها القوة : ويقول مائير كهانا أشهر المتطرفين اليهود وكان عضواً في الكنيست الإسرائيلي : حدود إسرائيل هي حيث يقف الجنود الإسرائيليون ( ) وقد تشابهت أساليب الغزو الصهيوني مع أساليب الغزو الفرنجي في مجالات من أهمها :
أ- الأعتماد على المساعدة الخارجية :
اعتمدت الإمارات الفرنجية في المشرق العربي الإسلامي في توسعها واستمرارها على الدول الأوروبية وخاصة فرنسا التي كانت تعتبر الدولة الأم لتلك الإمارات. كانت هذه المساعدة تشتمل المال والسلاح والرجال وكانت تأتي في بعض الأحيان على شكل جيوش متكاملة بقيادة ملوك وأباطرة أوروبا. عندما تواجه الإمارات الفرنجية خطراً، كما حصل بعد تحرير مدينة الرها، عاصمة إمارة الرها الفرنجية عام 1145م ( ) . وأما اليهود الصهاينة فقد وضعوا خططهم منُذ البداية استغلال قوة ونفوذ الدول العظمى في تحقيق أهدافهم ( ) ، وها نحن نرى الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل.
ب- الهجرة والاستيطان :
استقَّرت جيوش الحملة الأولى الصليبية في المناطق التي احتلتها من بلاد الشام وأقامت فيها الإمارات الفرنجية المعروفة، بعد ذلك تدفق المهاجرون من أوروبا إلى تلك الإمارات بأعداد كبيرة، ومع أن بعضهم كان يأتي لغرض الحج إلى القدس ويعود بعد إكمال الزيارة إلا أن غالبيتهم كانوا يأتون بقصد الإقامة والاستيطان كانت هذه الهجرة متواصلة وبأعداد كبير زادت في بعض الحالات عن أعداد بعض الحملات المنظمة التي عرفت بأرقام متسلسلة ( ) . ساعدت هذه الهجرة على زيادة قَّوة الإمارة الفرنجية، وتوسّعها وصمودها في وجه القوة العربية الإسلامية التي كانت تحاول القضاء عليها ( ) ، على الجانب الآخر كانت هجرة اليهود إلى فلسطين تشكل الركن الأساسي في المشروع الصهيوني لإقامة دولة اليهود فيها، وحظي موضوع الهجرة من حيث الدعاية لها وتنظيمها وتنفيذها بالقسط الأوفر من اهتمام المفكرين الصهاينة الأوائل، ومن أهمهم تيودور هرتزل أول زعيم للصهيونية العالمية الذي وضع فصلاً خاصاً في كتابه المشهور "دولة اليهود" عن الهجرة وأهميتها وتنظيمها وباب الهجرة مفتوح على مصرعيه بعد قيام دولة اليهود ( ) إلى يومنا هذا.
ج- تضليل الرأي العام وخداعه :
قامت المؤسسة البابوية التي خططت للحروب الفرنجية وأشرفت على تنفيذها بتضليل الرأي العام الأوروبي من خلال الدعاية الكاذبة التي كانت تسبق كل حملة، فقد افتتح البابا أوربان الثاني الحملة الدعائية الكبيرة للحرب الفرنجية في خطابه المشهور عام 1095م في مجمع كليرمونت، وأدّعى فيه أن المسيحيين في المشرق الإسلامي يتعرضون للاضطهاد والتعذيب والقتل وأن بيوتهم وكنائسهم تحرق وتُهدم وأن المسلمين، البرابرة المتوحشين، استولوا على مدينة القدس ومنعوا المسيحيين المؤمنين من زيارة قبر السيد المسيح فيها ولذلك يوجب على مسيحيين أوروبا نجدة إخوانهم مسيحي الشرق وتخليصهم من الاضطهاد والتعذيب والقتل، وتحرير قبر المسيح من سيطرة البرابرة المسلمين ( ) ، انتشرت هذه الدعاية الكاذبة المضللة في أوروبا على يد رجال الكنيسة وكان لها أثر كثير في إثارة الحماس الديني لدى الأوروبيين، فتجمعت حشودهم وتوجهت تحت راية الصليب لحرب المسلمين وبنفس الأسلوب جرت الدعاية الصهيونية المضَّللة قبل الغزو الصهيوني للمشرق الإسلامي، فقد قامت وسائل الإعلام الأوروبية الخاضعة لسيطرة الصهيونية العالمية بتصوير المسلمين على أنهم بدو رحّل يعيشون في الصحراء مع مواشيهم، وأن اليهود سيهاجرون إلى تلك البلاد التي تعتبر موطَنهم الأصلي لاستصلاح الأراضي وزراعتها وتعميرها ولبناء معبدهم القديم في القدس " هيكل سليمان " ( ) وكانت الدعاية الصهيونية تركز على أوضاع اليهود في مختلف دول العالم باعتبارهم مضطهدين محرومين من أدنى الحقوق الإنسانية وأن من حقهم ان يعودوا إلى أرض آبائهم "فلسطين" ليقيموا لهم فيها وطناً قومياً كباقي شعوب الأرض ( ) .
ح- الإرهاب والعنف :
ارتكب الفرنجة مجازر بشعة بحق المسلمين في المدن والقرى التي استولوا عليها، وشكّلوا فرقاً عسكرية خاصة من خبرة فرسانهم، وكان تقوم بشن الغارات على المدن والقرى الإسلامية وتقوم بأعمال القتل والسلب والتخريب وتشيع الخوف والرعب بين السكان، فكانوا لا يتورّعون عن قتل النساء والأطفال والشيوخ، حتى أنهم تعّرضوا لقوافل الحجاج بالقتل والنهب ( ).
وقد تبنى الصهاينة الأسلوب نفسه في غزوهم لفلسطين، فشكَّلوا منُذ العشرينات قبل قيام دولتهم، عصابات، إرهابية كانت مهمتها اقتحام القرى الآمنة، وإبادة سكانها من الرجال والنساء والأطفال بصورة همجية بشعة لإثارة الرعب والهلع بين السكان المسلمين وإجبارهم على مغادرة مدنهم وقراهم وأرضهم والهجرة إلى خارج فلسطين ( ) ، واندمجت العصابات الإرهابية اليهودية بعد قيام دولة إسرائيل لتشكيل الجيش الإسرائيلي، الذي تولى مهمة تنفيذ العمليات الإرهابية ضد السكان المسلمين وأصبحت هذه العمليات سياسية رسمية لإسرائيل، تنفيذها وحدات من الجيش الإسرائيلي الذي أطلق عليه قادة إسرائيل اسم " جيش الدفاع " زوراً وتضليلاً، بينما هو في الحقيقة أكثر جيوش الأرض عدواناً ( ) ، ولم تقصر عمليات الإرهاب والقتل والاغتيال على السكان المسلمين في فلسطين بل تعّدت إلى الدول المجاورة وحتى البعيدة فقد قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بتنفيذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان وتونس وجرت محاولات اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية في مختلف الدول العربية والأجنبية ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق