إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

213 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية : رابعاً : أهم الدروس والعبر والفوائد : 7- تطبيق نور الدين لمبادئ الحرب الأساسية :


213

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :

رابعاً : أهم الدروس والعبر والفوائد :

7- تطبيق نور الدين لمبادئ الحرب الأساسية :

اكتسب نور الدين خبرة واسعة ومهارة فائقة في إدارة الحرب وتطبيق مبادئها قبل تولّية السلطة، وكان ذلك من خلال مشاركته في جميع المعارك التي خاضها مع والده عماد الدين زنكي على مدى فترة حكمه التي دامت عشرين عاماً (521ه - 541ه/1127-1147م) ( ) ومن الطبيعي أن تزداد خبرته ومهارته في هذا المجال بعد تولّيه الحكم من خلال المعارك الكثيرة التي خاضها ضد الفرنجة وغيرهم وحقق فيها انتصارات باهرة، ولعلَّ مبادئ الحرب الأساسية لم تكن تحمل نفس الأسماء المعروفة بها في الوقت الحاضر إلا أن مضمونها لم يتغير منُذ العصور القديمة وإنما تغّيرت الوسائل والأسلحة والمعدات وبعض المصطلحات، وما زالت المبادئ نفسها تدرس في المعاهد العسكرية العليا في هذه الأيام ومن مبادئ الحرب التي طبقها نور الدين :

أ- تحديد الهدف : كان نور الدين واضح الرؤية منُذ حكمه، كان هدفه الاستراتيجي الرئيسي في المجال العسكري تحرير بلاد الشام من الاحتلال الفرنجي، وبما أن الهدف يتطلب إمكانيات كبيرة جداً لم تكن متوفرة لنور الدين في بداية حكمه، فقد جعل لتحقيق هذا الهدف على مراحل كل مرحلة هدفها وخطتها المستقلة والتي تتكامل كلها مع بعضها في سبيل بناء القوة اللازمة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي وقد فصلنا ذلك فيما مضى.
ب- العمل التعرضي : يعني هذا المبدأ مهاجمة العدو أولاً والمحافظة على زمام المبادرة وذلك بضرب العدو أولاً والمحافظة على زمام المبادرة وذلك بضرب العدو باستمرار وعدم إعطائه فرصة للاستراحة أو إعادة التنظيم ويظهر من سيرة نور الدين أنه كان مبادراً غالباً - وأنه احتفظ بزمام المبادرة في أغلب مواجهاته مع الفرنجة ( ).
ج- الحشد : يعني هذا المبدأ تجميع قّوة ممكنة في المكان والزمان المناسبين لمواجهة العدو والتفوق عليه وقد طبق نور الدين مبدأ الحشد عدة مرات خلال مواجهاته مع الفرنجة ( ).

د- المناورة : قابلية الحركة : يعني هذا المبدأ قدرة القوات على الانتقال بسرعة من مناطق التجمع والحشد إلى ميدان المعركة في الزمان والمكان المناسبين لها دون أن يتحقق ذلك للعدو، ثم للحركة ضمن ميدان المعركة بالشكل الذي يوفر للقوات فرصة أفضل لضرب العدو والقضاء عليه، وهذا ما كان يفعله نور الدين باستمرار في إطار تطبيقه لمبدأ العمل التعرضي، فكان يختار مكان المعركة ويسبق عدوه إليه وتميز جيشه بسرعة الحركة وسرعة التجاوب لأمر الحركة لأنه كان في حالة استنفار دائمة كما عبّر عن ذلك بنفسه في جوابه لصديقه الزاهد الذي لآمه على ممارسته للعبة كرة البولو وتعذيبه الخيل في اللهو واللعب، فكان من ضمن جوابه قوله : .. إنما نحن في ثغر والعدو منا قريب فربما وقع صوت فتكون الخيل قد أدمنت على سرعة الانعطاف بالكر والفر، فإذا طلبنا ( ) .

العدو أدركناه ( ). وكان الفرنجة أو في تنقل بين أطراف مملكته لتفقد أحوالها فهور في حركة مستمرة، وتعتبر حملاته على مصر من أروع الأمثلة على المناورة الاستراتيجية السعيدة كما أنها تميزت بالجرأة والسرعة وحسن التخطيط ودقة التنفيذ، ومن بين الحملات الثلاثة تميزت الثانية بأنها كانت سباقاً بين جيش نور الدين وجيش مملكة القدس على مصر، فكان السبق لجيش نور الدين الذي عبر النيل وجَّر والعدو إلى المكان الذي اختاره للمعركة فحقق انتصاراً باهراً، بالرغم من أن المسافة التي قطعها أبعد من تلك التي قطعها الجيش الفرنجي وأما المناورة في ميدان المعركة فقد كان نور الدين يوليها اهتماماً كبيراً، فكان يخطط للمعركة ويديرها ويشرف على القتال فإذا التحم الجيشان واشتد القتال وحمى الوطيس اندفع لمشاركة رجاله مما يثير حميتهم وحماسهم فيتحقق النصر، وكان ينظم جيشه في المعركة ثلاثة أقسام كما هو معروف عن السلاجقة في هذا الأمر، ميمنة ميسرة وقلب وعند الاصطفاف للمعركة يكون القلب للخلف في خطة مرسومة فيندفع العدو خلفه إلى مسافة محددة ثم يثبت القلب ويضغط الجناحات على جيش العدو الذي يصبح محاصراً من ثلاث جهات وعندما يزداد الضغط على جيش العدون تضيق فسحة المناورة له فترتبك صفوفه ويسارع للهرب من الجبهة المفتوحة في الخلف بشكل غير منظم مما يجعله فريسة سهلة للقتل والأسر، نفذ نور الدين هذه المناورة في معركة إنَّب عام 544ه/1150م، ومعركة حارم عام 559ه/1164م بينما نفذها جيش نور الدين في معركة البابين بمصر وكان بقيادة أسد الدين شيركوه ولقد حقق نور الدين من خلال تطبيقه لمبدأ المناورة وقابلية الحركة وسرعة الحركة فائدة عظيمة بالإضافة إلى تفّوقه على العدو وانتصاره عليه، تمثَّل ذلك بنقل المعركة إلى أرض العدو، فكان الخراب والدمار يحلّ دائماً في مناطق العدو وعلى أرضه بينما تبقى بلاد نور الدين في أمن وسلام ( ).
ه - وحدة القيادة : يؤدي تطبيق هذا المبدأ إلى تجاوز الخلافات وتوحيد الجهود، واختصار الوقت والإجراءات، مما يساعد في تحقيق النصر، جمع نور الدين في شخصه بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، فكان الملك وقائد الجيش في الوقت نفسه وقاد جيشه إلى النصر في أغلب المعارك التي خاضها ضد الفرنجة، وتمكن من توحيد بلاد الشام وشمال العراق والجزيرة ومصر في دولة واحدة بزعامته، فصارت الجبهة الإسلامية صفاً واحداً متراصاً في وجه الغزاة الفرنجة، بقيادة سياسية واحدة وقيادة عسكرية واحدة فتهيأت الظروف لتحقيق النصر ( ).

قال الشاعر :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
    ??ولا سراة إذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبتني إلا على عمد
    ??ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة
    ??يوماً فقد بلغوا الأمر الذي كادوا ( )


س- عنصر المفاجأة :

حقق نورالدين المفاجأة في أغلب هجماته على الفرنجة، فكان يربكهم ويفقد سيطرتهم على قّواتهم ويحتل الموقع حصنا كان أم بلدة أو يقضي على القوة قبل أن تصل النجدة إليهم، حدث هذا في هجومه السريع على مدينة الرها عام 541ه/1147م وفي هجومه على حصن أفاميه عام 544ه/1150م، وفي هجومه على حصن بانياس عام 559ه/1167م ( ).
ر- الخديعة : كان نور الدين يكثر من أعمال الحيل والمكر والخداع مع الفرنجة، وأكثر ما ملكه من بلادهم بهذه الأساليب ( ).

ز- الاستخبارات : كان لنور الدين عيون يثق بصدقهم وأمانتهم في كل مدينة أو حصن ضمن مملكته، وفي الدول والإمارات المجاورة : الفرنجية والإسلامية يزودّونه بكل ما يستجّد من أحداث، فيكون باستمرار مطلعاً على أحوال رعيته وأحوال الدول الأخرى، فيضع خططه على أساس هذه المعلومات وكان دائم الحركة بين أقاليم مملكته ليتأكد بنفسه من الأوضاع العامة ومما ساعد في سرعة نقل المعلومات استخدامه وصيلة اتصالات سريعة جداً وهي الحمام الزاجل، فقد وضع نظاماً دقيقاً لاستخدام الحمام الزاجل يغطي أطراف مملكته الواسعة ومدنها الكثيرة، فبنى الأبراج على الحدود، وعلى الطرق المؤدية إلى المدن باتجاه الداخل وركزّ على الحدود مع الإمارات الفرنجية ووضع في هذه الأبراج الرجال المدربين على تربية الحمام الزاجل واستخدامه فكانت الأخبار تأتيه في وقتها، وساعد هذا النظام في كشف تحركات العدو الفرنجي وفي سرعة الإجراءات للرد عليها، يقول ابن الأثير في هذا المجال : أمر الملك العادل نورالدين باتخاذ الحمام الهوادي، وهي المناسب التي تطير من البلاد البعيدة إلى أوكارها واتخذت في سائر بلاده وسبب ذلك أنه اتسعت بلاده، وطالت مملكته، فكانت من حد النوبة إلى باب همذان لا يتخّللها إلا بلاد الفرنج، وكان الفرنج لعنهم الله ربما نازلوا بعض الثغور فإلى أن يصله الخبر ويسير إليهم يكونون قد بلغوا بعض الغرض، فحينئذ أمر بذلك، وكتب به إلى سائر البلاد وأجرى الجرايات لها ولمربيّها فوجد بها راحة كثيرة، فقد كانت الأخبار تأتيه لوقتها، فإنه كان له في كل ثغر رجال مرتبون ومعهم من حمام المدينة التي تجاورهم فإذا رأو أو سمعوا أمراً كتبوه لوقته وعلقوه على الطائر وسّرحوه، فيصل إلى المدينة التي هو منها في ساعته، فتنقل الرقعة منه إلى طائر آخر من البلد الذي يجاورهم في الجهة التي فيها نور الدين، وهكذا إلى أن تصل الأخبار إليه، فانحفظت الثغور بذلك ( )، كان نور الدين يدرك أهمية المعلومات وأهمية التأكد من صحتها لأن نجاح خططه التي يضعها على أساس هذه المعلومات يعتمد على مدى دقتها وصحتها ولذلك لم يعتمد فقط على العملاء (العيون) الذين كانوا يحصلون على مرتبات ومكافآت وافرة مقابل ما يقدمونه، كوظيفة رسمية، بل كان له أصدقاء كثر من التجار والزهاد المتجولين في البلاد وبين الناس وكانوا يراسلونه باستمرار ويزودونه بالأخبار والأهم من هذا أنه كان يحصل على المعلومات عن الإمارات الفرنجية بطريقة تعرف في العلم العسكري الحديث باسم الاستطلاع بالقوة، فكان يرسل سرايا من جيشه ينتخبهم من الفرسان الأشداء إلى مناطق العدو ينفذون إغارات سريعة على مواقع العدو وحصونه ويتوغلون في بلاده وربما أقاموا معسكرات متنقلة سَّرية كلما اكتشفهم العدو وطاردهم انتقلوا إلى مكان آخر، ثم يعودون بعد فترة بالكثير من المعلومات وربما كان معهم بعض الأسرى من العدو يمكن الاستفادة من معلوماتهم أيضاً ( ) ، يمكن اعتبار حملته الأولى على مصر من باب الاستطلاع بالقوة للتعرف على أحوال مصر بالإضافة للمهمة الرئيسية التي كلفت الحملة بها ( ) .

ط- التقرُّب غير المباشر :

طبق نور الدين هذا المبدأ عندما قّرر اتباع سياسة التدرّج في مواجهة العدو، فبدأ بأضعف الإمارات الفرنجية، إمارة تل باشر، بقايا إمارة الرها وبعد أن فرغ منها توجه بقوته نحو إمارة أنطاكية فجّردها من جميع الأراضي التي كانت تسيطر عليها شرق نهر العاصي، وتحّول إلى إمارة طرابلس ففعل بها مثل ذلك، وعندما حان وقت توجيه الضربة القاضية لمملكة بيت المقدس كانت خطته تقضي بالبدء من حصن الكرك الذي كان يعد نقطة ضعف بالنسبة لمملكة القدس، بالرغم من مناعته، كحصن، ولكنه يقع في أطراف المملكة ولا بد لإنقاذه من توجه الجيش الفرنجي إلى منطقة الكرك مما يسهل على نور الدين اختيار مكان المعركة وجّر العدو إليها ( ) ، ويظهر بوضوح تطبيق نور الدين لمبدأ التقرب غير المباشر في تعامله مع الإمارات الفرنجية في بلاد الشام، خلال حملاته الثلاث على مصر فقد كان يستغل توجه جيش مملكة القدس إلى مصر ويهاجم إمارة أنطاكية أو إمارة طرابلس أو أراضي مملكة بيت المقدس ليحقق تخفيف الضغط عن جيشه في مصر من جهة، ويحقق انتصارات ومكاسب في موقف يعتبر العدو فيه ضعيفاً من جهة أخرى، ففي عام 559ه/1164م وبينما كان جيش مملكة القدس والجيش المصري يحاصران جيش نور الدين في بلبيس، توجه نور الدين بالقوات التي تجمعت لديه من الموصل والجزيرة إلى مدينة حارم وحاصرها فتجمعت جيوش الفرنجة من أنطاكية وطرابلس بالإضافة إلى الحامية البيزنطية في أنطاكية لإنقاذها، وهذا ما كان يخطط له نور الدين فسحق هذه الجيوش وأسر جميع الأمراء المشاركين واحتل حارم ثم استثمر الفوز وتوجه إلى بانياس التي تتبع لمملكة بيت المقدس وحاصرها واحتلّها، فاضطر ملك القدس لرفع الحصار عن جيش نور الدين في بلبيس والإسراع بالعودة إلى مملكته وكان هذا أيضاً ما خطط له نور الدين وقد حققه بهجوم مفاجئ وسريع على مكان ضعيف وبعيد عن بلبيس حيث يوجد جيش مملكة القدس وكّرر نور الدين هذه الاستراتيجية عام 562ه/1167م، عندما حاصر الفرنجة والبيزنطيون مدينة دمياط في مصر، ونجح في المرتين الأخيرتين كما نجح في المّرة الأولى في تحقيق انتصارات باهرة في الشمال وانقاذ جيشه المحاصر في مصر ( ) .

ي- الجاهزية القتالية :

كان نور الدين القدوة الحسنة في تطبيق المبدأ فقد كان كما قيل : أصبر الناس في الحرب وأحسنهم مكيدة ورأيا وأجودهم معرفة بأمور الأجناد وأحوالهم وبه كان يضرب المثل في ذلك ( ) ، وكان يتفقد جنوده باستمرار ويطمئن عن أحوالهم ويتفقد سلاحهم ودوابهم ويقول في هذا المجال نحن كل وقت بصدد النفير فإذا لم يكن أجناد كافة الأمراء كاملي العدد والعُدد دخل الوهن على الإسلام ( ) وعلق ابن الأثير على كلام نور الدين بقوله : لقد صدق رضي الله عنه فيما قال وأصاب فيما فعل، فلقد رأينا ماخافه علينا ( ) وقد طبق نور الدين جميع مبادئ الحرب التي لم يرد ذكرها أعلاها كالإدارة والاقتصاد بالجهد، والبساطة والأمن والمعنويات وقد ورد كثير من هذه المبادئ في ذكر سيرته وصفاته وأدواره السياسية والإدارية ( ).





يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق