إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

212 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية : رابعاً : أهم الدروس والعبر والفوائد : 6- الاستراتيجية العسكرية لنور الدين :


212

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :

رابعاً : أهم الدروس والعبر والفوائد :

6- الاستراتيجية العسكرية لنور الدين :

يّعرف المفكرون العسكريون في العصر الحديث الاستراتيجية العسكرية بأنها : علم وفن بناء وتطوير واستخدام القوات المسلحة لتحقيق الأهداف الوطنية ( ) ، فإذا قمنا بتطبيق هذا التعريف على ما قام به نور الدين في المجال العسكري خلال فترة حكمه، فإننا نجد بأنه كان من أعظم الاستراتيجيين في زمنه، فقد بدأ حكمه لإمارة صغيرة تتألف من مدينة حلب وضواحيها. تواجه تهديداً خطيراً من قبل الغزاة الفرنجة، ومنافسة شديدة من قِبل الإمارات الإسلامية الأخرى في بلاد الشام، وبعد ثماني سنوات (سنة 549ه/1154م وبعد استيلائه على دمشق) أصبح الحاكم الأقوى في المشرق الإسلامي ومن أقوى الحكام في العالم الإسلامي، والعالم كله، فلابد من قوة عسكرية توافرة لنورالدين، ولابد أنه أحسن إدامتها واستخدامها حتى تمكن من تحقيق إنجازه المذكور ( ) . وتظهر ملامح استراتيجية العسكرية في النقاط التالية :

- التركيز على النوعية والفاعلية :

اعتمد نور الدين على جيش نظامي كان صغير الحجم في بداية حكمه ولكنه كان منظماً وفعَّالاً، أن نور الدين بطبيعته يهتم بالنوعية أكثر من اهتمامه بالكمية رائده في ذلك الحكمة المأثورة : القوة القليلة أفضل من القوة الكثيرة المبعثرة ( ) ، فكان يحسن اختيار قادته وجنوده ويحسن إعدادهم وتدريبهم وتسليحهم، فيّعوض النقص في عددهم بزيارة فعّاليتهم، وزاد نور الدين في حوافزهم بزيادة مرتباتهم وإقطاعاتهم وتثبيت الإقطاع في أبنائهم في حالة استشهادهم، فكانوا يقولون : إنما هي أملاكنا نقاتل دونها ( ) وإذا كان أبناء الشهيد صغار عيّن لهم رجلاً أميناً يشرف على إقطاعهم حتى يكبروا، مما زاد في إخلاص الجند وحماسهم - ولائهم - فكان نور الدين يواجه أعداءه بجيشه الصغير غير مبال بكثرتهم وتفوقهم العددي، وينتصر عليهم فقد انتصر في معركة إنَّب سنة 544ه/1150م على جيش إمارة أنطاكية وقتل أميرها بالرغم من تفوق العدو العددي، وكذلك في معركة حارم سنة 559ه/1165م حقق انتصاراً ساحقاً على تجمع كبير من جيوش عديدة وكان هذا شأنه في أغلب معاركه مع الفرنجة وفي سنة 562ه/1168م انتصر جيشه في مصر بألفين من الفرسان فقط بقيادة أسد الدين شيركوه على جيش الفرنجة بقيادة ملك القدس عموري، وجيش مصر بقيادة الوزير شاور في معركة البابين، وعندما أظهر بعض الجند تردداً أو تخوفاً قبل بدء المعركة بسبب كثرة عدد العدو وقلة عددهم قام أحد رجال نور الدين المعروفين بشجاعتهم وصاح فيهم : من يخاف القتل والجراح فلا يخدم الملوك والله لأن عدتم إلى الملك العادل من غير غلبه ولا عذر ليأخذن إقطاعكم وليعودن عليكم بجميع ما أخذتموه منه مُنذ خدمتموه إلى يومنا هذا ويقول لكم أتأخذون أموال المسلمين وتفرون من عدوهم وتسلَّمون الديار المصرية يتصرف بها الكفار ( ).

أ- إعلان الجهاد (التعبئة العامة للأمة) :

 دعا نور الدين منُذ بداية حكمه للجهاد في سبيل الله وأعلن أن هدفه تحرير بلاد المسلمين ومقدساتهم من الاحتلال الفرنجي، وراسل باقي الحكام المسلمين في بلاد الشام وشمال العراق ليساهموا معه في تحقيق هذا الهدف وتعّززت دعوته هذه بما حققه من انتصارات على الفرنجة وما عرف عنه من عدل وصدق وتقوى وزهد، فاكتسب مصداقية كبيرة وتحققت له شعبية واسعة بين عامة المسلمين في بلاد الشام والعراق والجزيرة بمختلف طبقاتهم واتجاهاتهم وصار في أعينهم رائد الجهاد ضد الفرنجة وأمل المسلمين في استعادة أرضهم ومقدساتهم المحتلة واستقطبت دعوة الجها أعداد كبيرة من المتطوعين، كان نور الدين يستفيد منهم في عملياته العسكرية، وأوجدت رأيا عاماً قوياً وضاغطاً على الحكام والأمراء ليستجيبوا لدعوة نور الدين، فمن يتخلف منهم عن تلبية الدعوة يتعرض للنقد حتى من رعيته ويتهم بدينه ووطنيته، ويخشى خروج الحكم من يده ونجح نور الدين في استثمار هذا الشعور إلى أبعد الحدود، فكان يخطط للمواجهة مع الفرنجة في الوقت والمكان المناسبين ويطلب العون من باقي الأمراء والحكام المسلمين فيبادرون لإرسال القوات إليه، وغالباً ما كانوا يحضرون بأنفسهم ويضعون أنفسهم تحت قيادته فيتحقق له التفوق على العدو ويحقق الانتصارات الباهرة، ويحصلون بدورهم على حقهم من الغنائم ويعودون إلى إماراتهم. أدَّى تكرار هذا العمل إلى توافر القوة الكافية لنورالدين في الوقت الذي يريد دون تحمل عبء نفقات إدامة هذه القوات خلال فترات الراحة والهدوء كما أدّت هذه الظاهرة إلى تحسين العلاقة بين الحكام والأمراء العرب المسلمين وتمتينها على أساس الثقة والتعاون والتنسيق ضد العدو المشترك، وزوال الخلاف والنزاع والتنافس الذي كان قائماً بينهم فيما سبق، وأصبح النزاع في المنطقة واضحاً محدداً بين جبهتين فقط هما الجبهة الإسلامية وجبهة الفرنجة وصار نور الدين زعيم الجبهة الإسلامية بدون
منافس ( ).

ب- التدُّرج في مواجهة العدو :

 كان نور الدين يستخدم قواته حسب إمكانياتها ولا يكلّفها فوق طاقاتها ويتجنب التورط في معركة بدون تحضير واستعداد يجعله مطمئناً إلى تحقيق النصر فيها ويقدر قوة عّدوه تقديراً صحيحاً ودقيقاً كما يقّر قوّته بالمقابل بالمعيار نفسه وهو في هذا المجال يطبق الحكمة المشهورة أعرف عدوك وأعرف نفسك تستطيع خوض مئة معركة دون هزيمة ( ) ، وهذا لا يعني التقدير العددي فقط، بل كان يأخذ بالاعتبار العوامل الأخرى؛ المعنويات، والكفاءة والقيادة والأسلحة واستفاد نور الدين من تجربة الحملة الفرنجية الثانية درساً مهماً، ذلك أن قوة الفرنجة في المشرق الإسلامي لا تقتصر على قوة إماراتهم فيه، وإنما تشمل دعم الدول الأوروبية لهم كلما دعت الحاجة، فقرر ألا يخوض معركة فاصلة معهم إلا بعد أن تتوافر لديه القوة الكافية للقضاء على إماراتهم في بلاد الشام ومواجهة احتمالات التدخل الأوروبي سواء حصل هذا التدخل قبل الفراغ من تدمير الإمارات أم بعد وقد شكّل هذا القرار السبب الرئيسي في توجّه نورالدين وسعيه الحثيث لضم مصر إلى دولته، للاستفادة من إمكانياتها البشرية والاقتصادية والحصول على القّوة المطلوبة لمواجهة الموقف المذكور ( ) .

ج- إنهاك العدو واستنزاف قّوته :

 إذا كانت القوة اللازمة للقضاء على ممالك وإمارات الفرنجة غير متوفرة لنور الدين قبل استيلائه على دمشق ومن بعد ذلك على مصر، فإن القوة المتوافرة لديه كافية لإيقاع ضربات موجعة بالعدو يتم من خلالها قتل قادته وأفراده وتدمير اقتصاده وتحطيم معنويات، واسترجاع ما يمكن من الأرض والقلاع والمدن التي اغتصبها من المسلمين، فقرر شن حرب استنزاف ضد الفرنجة يحقق من خلالها ما ذكر أعلاه بالإضافة إلى رفع معنويات المسلمين وإثارة روح الجهاد في صفوفهم، وما يتحقق من غنائم ومكاسب مادية تحصل من فداء أسرى العدو، تساعد في رفد موارد الدولة وتغطية نفقات الحرب ( ).




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق