إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

197 موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية : أولاً : العلاقات مع مملكة بيت المقدس : 5- اتفاقيات وهدنة قصيرة :


197

موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية

الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية

المبحث الرابع : سياسة الدولة النورية تجاه القوى المسيحية :

أولاً : العلاقات مع مملكة بيت المقدس :

5- اتفاقيات وهدنة قصيرة :

 وعلى الرغم من تلك المعارك شبه المستمرة، لاحت في الأفق أضواء باهته لسلام شاهب متمثل في اتفاقيات هدنة قصيرة تراوحت بين الثلاثة أشهر والعامين وقعت بين الطرفين ومن الأهمية بمكان دراسة دوافع السياسة السلمية التي اتبعها نور الدين محمود في بعض الأحيان تجاه مملكة بيت المقدس وتتمثل في إبعاد اقتصادية وعسكرية واستراتيجية. وكانت الدولة النورية تهتم بالعلاقات التجارية مع القوى الصليبية في بلاد الشام لعدة اعتبارات منها؛ أن بعض المواد الخام وجدت في أرض أعدائها وكانت في حاجة إليها من أجل عمليات التصنيع، ثم أن بعض الطرق التجارية الدولية التي مرت ببلاد الشام كانت منافذها في المناطق الساحلية الصليبية وكان تصريف الدولة النورية يحتم ضرورة وجود صلات ما من أجل ضمان وصول السلع إلى شاطئ البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا، كذلك فإن المتاجرة مع مملكة بيت القدس كانت تدر على الدولة أرباحاً طائلة من عائد - العشور - على نحو يدعم ميزانيتها، وتوجد إشارات إلى وجود علاقات وثيقة بين الجانبين على المستوى التجاري، ويقرر ابن جبير أن : اختلاف القوافل من مصر إلى دمشق على بلاد الإفرنج غير منقطع واختلاف المسلمين من دمشق إلى مكة كذلك وتجار النصارى أيضاً لا يمنع أحدهم ولا يعترض. ويضيف أن القوافل المسلمين تخرج إلى بلاد الفرنج وسبيهم يدخل إلى بلاد المسلمين ( ).

 وإذا كان نص ابن جبير المذكور يرجع إلى العصر الأيوبي، فإنه يعد امتداداً طبيعياً لما هو موجوداً بصورة فعلية من قبل في عهد الدولة النورية ( ) ، ومن جهة أخرى، فبالنسبة للصليبيين، نعرف أنهم كانوا يدخلون إلى دمشق وغيرها من المدن المسلمة من حين لآخر من أجل " قضاء حوائجهم " ( ) ، وطبيعي أن من بينها عمليات الشراء والمتاجرة مثلما حدث عام 546ه/1151م ( ) . ولاشك في أن الدولة النورية عندما كانت تهادن القوى الصليبية، كانت تضع نصب عينيها المصالح التجارية، بل أن تلك المصالح هي التي حددت - في بعض الأحيان - موقفها السياسي من أعدائها ( ). وأما الجانب العسكري، فتمثل في أن الحروب التي خاض غمارها الجيش النوري ضد مملكة بيت المقدس كانت حروباً موسمية في الغالب، ولم يكن يستطيع أن يواصل الحرب على مدى العام بأكمله، واحتاج إلى أن تكون هناك بضعة أشهر لإراحة القوات من عناء القتال، ثم أن الحرب نفسها ضد الصليبيين كانت باهظة التكاليف من حيث الأسلحة، وإعداد الجند وتوفير التموين اللازم وإعداد الدواب إلى غير ذلك، ثم إنها مثلت استهلاكاً لموارد الدولة على نحو هددها اقتصادياً، وأمام تلك الاعتبارات كان الاتجاه السلمي مطلباً ضروريا من وجهة النظر النورية، ولا نغفل أيضاً أنها اتجهت إلى مهادنة مملكة بيت المقدس لكي تتفرغ للحرب في الجبهة الشمالية حيث إمارة أنطاكية أو لكي تواجه سلاجقة الروم، وكان أخوف ما تخافه أن تقع بين شقى الرحى، إمارة أنطاكية وهي تشن هجماتها الحربية على مركز الدولة التجاري في حلب، ومملكة بيت المقدس تهاجم مركزها التجاري والصناعي في الجنوب أي في دمشق، إذ أن ذلك كان يعني استهلاكاً أكبر لطاقاتها البشرية والمادية على نحو أدى إلى تشتيت قدراتها وعدم تحقيقها لإنجازات كبيرة على أي من الجبهتين ( ) .

 ونجد أن نور الدين اتجه إلى مهادنة المملكة سنة 550/1155م لمدة عام وفي العام التالي 551ه/1156م ( ) ، تجددت الموادعة تم إرسال قطيعة للصليبيين قدرها ثمانية آلاف من الدنانير الصورية ( )، وفي نهاية المعاهدة خرقت عندما هاجم بلدوين الثالث مراعي بانياس، كذلك عقدت معاهدة بين الطرفين لمدة عامين في عام 556ه/1160م وعلى أثر الزلازل التي اجتاحت بلاد الشام عام 566ه/1170م اتجه نور الدين إلى عقد هدنة مع عموري الأول، ويضاف إلى ذلك أنه تم عقد هدنة قصيرة مدتها ثلاثة أشهر في عام 568ه/1173م ( ) تركزت المعاهدات والهدنات التي وقعتها الدولة النورية مع المملكة اللاتينية في المدة من عام 550ه/1155م وعام 568ه/1173م وطبيعي أن عقد الهدنات تطلب جهداً دبلوماسياً مكثفاً ( )  .

 كان هدف نور الدين توحيد القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة ومصر ضد الصليبيين وكانت سياسته قائمة على إيجاد توازن حقيقي في القوى مع أعدائه، على أن يكون القضاء عليهم في مرحلة تالية، وقد تكفل بها الأيوبيون ومن بعدهم المماليك، ويظهر دهاء نور الدين في استخدام عقد الهدنات مع الصليبيين حتى يريح قواته من عناء الحرب ويدعم قواته في آن واحد، ولم تشهد ساحات الصراع بينه وبين مملكة بيت المقدس الصليبية معارك مندفعة يقضي فيها على قواته قضاءً مبرماً، وحق للمؤرخ السرياني المجهول، ووليم الصوري أن يصفاه بالدهاء والحكمة ( )، ويلاحظ أنه لم يسع إلى نقل الصراع مع المملكة اللاتينية إلى نطاق النشاط الاقتصادي لاسيما التجاري، إذ قصر الحرب على ساحاتها دون مجال التبادل السلعي وأفاد من حركة القوافل الصليبية في فرض - العشور - على نحو دعم اقتصاديات دولته وأمدها بالأموال اللازمة لاستمرار صراعها مع الصليبيين ( ) . وهناك من تصور أن نور الدين قد عجز عن تحقيق نتائج حاسمة في صراعه ضد الصليبيين، ووجد من المستشرقين من تحامل عليه فهاجمه سمايل واتهمه بانعدام نشاطه المضاد لهم، وأرجع ذلك إلى جبنه وانعدام روح المبادرة لديه وخوفه من التدخل البيزنطي لصالح الدول اللاتينية، وأن الغزوات في عهده لم تكن تتسم بالطموح والواقع، أن استعراض مراحل صراعه مع المملكة الصليبية تعكس لنا صورة مغايرة لذلك، فالاستيلاء على دمشق عام 549ه/1154م، حسم أمرها تماماً لصالح السيادة الإسلامية، ولم تستطع المملكة اللاتينية أن تفرض سيطرتها عليها، لذلك فإن إخضاع مصر عام 567/1171م/ لسيادته حسم الصراع حولها والذي استهلك جهداً كبيراً من الجانبين المتحاربين وكان نور الدين يحارب في جبهات عديدة في وقت واحد سواء بالنسبة للمسلمين او الصليبيين، ثم إن المرحلة نفسها كانت مرحلة الصراع من أجل توازن القوى بينه وبين المملكة الصليبية وقد ساهمت جهود نور الدين محمود وصراعه مع مملكة بيت المقدس لتمهيد السبيل صلاح الدين الذي استطاع إسقاط مملكة بيت المقدس عام 583ه/1187م، وقد امتدت ساحة صراع نور الدين مع الصليبيين من إمارة الرها إلى أنطاكية ثم طرابلس وبيت المقدس وأسقط ما يزيد على الخمسين من الحصون والمعاقل، وتصارع مع جبهتين شمالية وجنوبية في آن واحد وارتبطت طموحاته بحكمته ودهائه السياسي وحافظ على طاقاته وإنجازاته ( ).





يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن 





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق