190
موسوعة الحروب الصليبية (2)عصر الدولة الزنكية
الفصل الثالث سياسة نور الدين الخارجية
المبحث الثالث : العلاقات مع القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة الأناضول :
ثانياً : ضم الموصل :
3- رؤية نور الدين المتعلقة بالقبر الشريف :
هناك قصة شائعة على ألسنة الناس وهي أن نور الدين رأى فيما يرى النائم النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن ينقذه من رجلين أشقرين - وأشار إلى شخصين تجاهه - فاستدعى نور الدين وزيره فعبَّره له بأن في المدينة المنورة حدثاً، فخرج نور الدين إلى المدينة واستعرض سكانها للصدقة، فأتى كلهم إلا رجلين مجاورين من أهل الأندلس، فأمر بإحضارهما، فإذا هما اللذان رآهما في منامه، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما، فأقرا بأنهما من الفرنجة، وصلا لكي ينقلا النبي صلى الله عليه وسلم من الحجرة الشريفة ووجدهما قد حفر نقباً تحت الأرض من تحت حائط المسجد، فضربا أعناقهما، ثم أحرق بالنار، وركب عائداً إلى الشام، فاستغاث به أهل المدينة أن يبني لهم سوراً حولها، فأمر ببنائه، فبني سنة 558ه وكتب اسم نور الدين على باب البقيع ( ). وقد علق الأستاذ إبراهيم الزيبق على هذه القصة في تحقيقه لكتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية - والصلاحية فقال : وهذه القصة لا تثبت لدى المنهج العلمي، إذ إن أول من رواها هو محمد بن أحمد المطري، مؤذن الحرم النبوي، المتوفى سنة 741ه في كتابه التعريف بما أنستِ الهجرة من معالم دار الهجرة، وبين نور الدين مئة واثنتان وسبعون سنة، ثم إن إسناد هذه القصة مسلسل بالمجاهيل، فقد سمعها المطري من طالب علم من المجاورين، وهو يعقوب بن أبي بكر - وكان أبوه فراشاً من قوام المسجد الشريف - وقد سمعها يعقوب ممن حَّدثه من أكابر من أدرك، ولم يجزم المطري بصحتها فقال: هكذا حدَّثني عمن حدثه وروى نحوها جمال الدين الإسنوي المتوفى سنة 772ه في رسالة له دون إسناد نقلها عنه السمهودي في وفاء الوفاء ( ) ، وهذا يعني أن القصة قد ذاعت بعد وفاة نور الدين، إذ لم يذكرها أحد ممن عاصر نور الدين من المؤرخين الملازمين له كابن عساكر وابن منقذ والعماد الأصفهاني الكاتب ولا من المتتبعين لسيرته كابن الأثير وأبي شامة مع شدة حرصهم على استقصاء أخباره وتحليتها بكل جميل، بل أنه لم يذكرها من أرخ للمدينة المنورة ممن عاصر تلك الفترة كابن النجار في " الدرة الثمينة " وقد نقلها عن المطري من جاء بعده من المؤرخين كالمراغي في " تحقيق النصرة "، وابن قاضي شهبة في الكواكب الدرية، والسمهودي في وفاء الوفاء، وابن العماد في شذرات الذهب، والبرزنجي في " نزهة الناظرين " ( ) . ثم إن المطريَّ ذكر أن القصة وقعت سنة " 557ه " ولم يذكر أحد من المؤرخين أن نور الدين زار المدينة في تلك السنة، بل لم يذكروا أنه زارها في أي من سني حكمه، بل إنهم لم يذكروا أنه حج أبداً، فقد شغله جهاد الفرنج عن الحج، كما شغل صلاح الدين بعده، ولا عبرة بما ذكره الفاسي في شفاء الغرام ( )، من أن نور الدين حجَّ سنة (556ه) فقد وهم في ذلك، إذ إن الذي حج هو أسد الدين شيركوه، وقد خرج نور الدين إلى لقائه يوم رجوعه ( ) . وقد يتساءل المرء : ما الباعت لهذه القصة، فأقول : ربما أثارت تكملة نور الدين لسور المدينة وكتابة اسمه عليه فكرة قدومه للمدينة، ثم اختلط هذا مع سيأتي - بإذن الله - من محاولة الصليبيين الاستيلاء على المدينة وذلك سنة (578ه) فقد أشيع وقتها أنهم كانوا يريدون نقل الجسد الشريف إلى فلسطين فيما ذكر ابن جبير من رحلة والمقريزي في خططه، فدمج الخيال بين الحدثين في حدث واحد ليكشف عن هاجس أقلق بال المسلمين وقتئذ وهو أن ما فشل الصليبيون في تحقيقه في العلن سيحاولونه في الخفاء، فكانت هذه القصة والله أعلم ( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق